ألغت وزارة الصحة برنامجًا يُنفَّذ في "صناديق المرضى" في البلدات العربية في النقب، كان يهدف إلى تقليص الفجوات في الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية ومنع وفيات الرضّع. ويُعرف البرنامج باسم "برنامج الوسيطات"، وقد جرى تمويله ضمن الخطة الخماسية للتطوير الاقتصادي-الاجتماعي للسكان العرب في النقب للأعوام 2022–2026، حيث خُصِّص له مبلغ 2.3 مليون شيكل سنويًا. ووفق وثائق داخلية لوزارة الصحة، تبيّن أن البرنامج حقّق نجاحًا وكان ينبغي الحفاظ عليه وإدراجه ضمن ميزانية الأساس ابتداءً من عام 2025. ومع ذلك، أبلغت الوزارة في أيلول/سبتمبر الجهة المشغِّلة للبرنامج بأن التعاقد معها سيُلغى ابتداءً من 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، بذريعة قيود ميزانية. ونتيجة لهذا القرار، فُصلت عشرات الوسيطات، وبقيت المجتمعات العربية في النقب من دون خدمات الوساطة. أُقيم البرنامج في أواخر تسعينيات القرن الماضي بمبادرة من جامعة بن غوريون ووزارة الصحة، في ظل كون معدلات وفيات الرضّع في المجتمع العربي في النقب أعلى بكثير مقارنة بالسكان اليهود. وفي إطاره، جرى تشغيل عشرات الوسيطات المتحدّثات بالعربية والعبرية في 26 من "ًصناديق المرضى" بهدف التوسّط بين النساء العربيات في النقب والطواقم الطبية، وردم فجوات اللغة والثقافة، وضمان فهم التعليمات الطبية والمتابعة عليها. كما كانت الوسيطات يقدّمن إرشادات ونشاطات توعوية في مجالات متنوّعة تتلاءم مع احتياجات المجتمع، من بينها: الوقاية من الحوادث المنزلية، تقليص وفيات الرضّع، والتعرّف إلى علامات الخطر. وتشير المعطيات إلى أن نسبة وفيات الرضّع بين العرب في لواء الجنوب انخفضت قليلًا خلال العقد الأخير، لكنها ما تزال أعلى بأربعة أضعاف مقارنة بالسكان اليهود (9.2 لكل ألف ولادة). وتوجّهت جمعيات "إيتاخ–معكي"، "حقوقيات من أجل العدالة الاجتماعية"، و"جمعية حقوق المواطن"، و"أطباء لحقوق الإنسان"، أمس الاثنين، إلى وزير الصحة حاييم كاتس ووزارته، مطالِبةً بإلغاء القرار. واعتبرت الجمعيات أن إغلاق البرنامج يُلحق ضررًا جسيمًا بالنساء العربيات وأطفالهن، ويعرّض حقوقًا أساسية للخطر، من بينها الحق في الصحة والمساواة وحتى الحق في الحياة، كما يفاقم الفجوات الصحية بين عرب النقب وبقية السكان. وفي مطلع الشهر، قدّم عضو الكنيست سمير بن سعيد عن قائمة الجبهة والعربية للتغير استجوابًا إلى الوزير كاتس حول الموضوع، ولم يتلقَّ ردًا حتى الآن. وقالت الدكتورة شاني بار–توفيا، مديرة قسم سياسات الصحة في منظمة "أطباء لحقوق الإنسان"، إن إلغاء البرنامج يندرج ضمن توجّه أوسع يمسّ بالبنية التحتية الصحية في المجتمع العربي في النقب. وأضافت أن القرار يقوّض كذلك الثقة المتزعزعة أصلًا لدى الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل تجاه المنظومة الصحية والدولة عمومًا، وفي الجنوب على وجه الخصوص. وقالت: "الوسيطات كنّ نقطة ضوء في المشهد العام لنزع الحقوق وانتهاكها". وقالت المحامية رشا العطاونة من جمعية "إيتاخ–معك": "هذا هو الوقت للبناء لا للهدم؛ لا لتفكيك خدمات صحية منقذة للحياة بقرارات تُعرّض الحياة للخطر". وأضافت أن المجتمع البدوي في النقب لا يزال يواجه صدمة أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، إلى جانب الفقر ومعدلات وفيات رضّع من الأعلى في البلاد. وتابعت: "الدولة منفصلة مرة أخرى عن الواقع، وتختار تفكيك خدمة أساسية تربط بين المجتمع والمنظومة الطبية. من دون هذه الوساطة لا توجد إمكانية للوصول إلى الرعاية الصحية، ولا متابعة للتطعيمات، ولا فهم للتعليمات الطبية، ولا طب وقائي. لا نتحدث عن كماليات، بل عن الحق الأساسي في الصحة. والأهم، أن هذا ليس قدرًا محتومًا، بل خطوة خطيرة إضافية في سياسة تعمّق الفجوات الاجتماعية".