قدّم مركز عدالة الحقوقي التماسًا إداريًا إلى المحكمة المركزية في بئر السبع، طالب فيه بإلزام وزارة التربية والتعليم بإعادة توفير خدمات المواصلات المدرسية لطلبة قرية أبو قرينات في النقب، وذلك في أعقاب الإيقاف المفاجئ لهذه الخدمات خلال النصف الثاني من العام الدراسي المنصرم، بما يشكّل مساسًا مباشرًا بحقهم في التعليم، وبحقهم في الوصول الآمن والمنتظم إلى المدارس، وبمبدأ المساواة. ويأتي هذا الالتماس بالرغم من توجّه مركز عدالة، بتاريخ 16 تشرين الأول 2025، بشكل رسمي إلى وزارة التربية والتعليم والمجلس الإقليمي "واحة الصحراء"، نيابةً عن سكان القرية، مطالبًا باعادة خدمات النقل المدرسي، ومشيرًا إلى خطورة ظروف الطرق المؤدية إلى المدارس، وانعدام وجود أي وسائل نقل عامة بديلة. كما وجّه عدالة تذكيرًا إضافيًا بعد نحو شهر، إلا أنّ هذه التوجّهات لم تُسفر عن أي حلول ملموسة. في هذا السياق تلقى الأهالي رداً مقتضباً من الوزارة في سبتمبر 2025 يدّعي عدم استحقاق الطلاب للنقل بناءً على "معيار المسافة" فقط، والذي يدعي عدم استحقاقية الطلاب للنقل لأنهم لا يقطنون مسافةً بعيدة كفاية عن الأطر الدراسية، متجاهلة أي اعتبار آخر. أما المجلس الإقليمي، فقد أوجب رده في 19 نوفمبر 2025 بأنه لم يعد مسؤولاً عن قطاع المواصلات المدرسية، بينما استمرت وزارة التربية والتعليم في عدم تقديم رد موضوعي ومبرر حتى تاريخ تقديم الالتماس. جدير بالذكر بأن قرية أبو قرينات، وهي قرية عربية بدوية، تقع جنوبي شارع 25 قرب مفرق عرعرة النقب، وتندرج اليوم ضمن نفوذ المجلس الإقليمي "واحة الصحراء". وتُعدّ القرية واحدة من 11 قرية بدوية اعترفت بها الدولة، إذ صدر قرار حكومي بالاعتراف بها عام 1999، ويقطنها نحو 5,000 مواطن. قدّم الالتماس باسم 25 من أولياء الأمور، نيابةً عن 60 طفلًا من جيل الروضة الإلزامية وحتى المرحلة الثانوية، الذين حُرموا من خدمات النقل المدرسي رغم أنّ هذه الخدمات كانت متوفّرة على مدار أكثر من 15 سنةً متواصلةً، ودون أي تغيير فعلي في أماكن سكنهم أو في موقع المؤسسات التعليمية التي يرتادونها. وأوضح الالتماس أنّ قرار وزارة التربية والتعليم بوقف المواصلات اتُّخذ دون إصدار قرار إداري مفصل ومُبرّر أو تقديم أي إخطار مسبق للأهالي، ودون فحص واقع الحياة الفعلي في القرية، الأمر الذي يُجبر الأطفال على قطع مسافات تتراوح بين 1.5 و2.2 كيلومتر سيرًا على الأقدام يوميًا، في ظروف خطِرة تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير السلامة. وبيّن عدالة أنّ الطرق المؤدية من منازل الطلاب إلى المدارس في أبو قرينات تفتقر للبنية التحتية الأساسية، إذ لا توجد أرصفة للمشاة، ولا ممرات عبور آمنة، وتغيب تدابير السلامة المرورية، فيما تمرّ الطرق عبر مسالك ترابية ضيّقة تُستخدم من قبل المركبات أيضًا، إلى جانب وجود كلاب ضالة، وتعرّض الأطفال لمخاطر متزايدة في ظل الأحوال الجوية القاسية، وخصوصًا أثناء الأمطار والبرد الشديد. كما شدّد الالتماس على أنّ وزارة التربية والتعليم تجاهلت معايير جوهرية نصّت عليها القوانين والأنظمة، وعلى رأسها واجب السلطات ضمان الوصول الآمن والمنتظم إلى التعليم الإلزامي، وعدم الاكتفاء بتطبيق "معيار المسافة" بشكل تقني ومجرّد، دون النظر إلى واقع الطرق، وانعدام وسائل النقل البديلة، والظروف الخاصة التي تميّز القرى البدوية في النقب. وأشار الالتماس ايضًا إلى أنّ المحكمة الإدارية في بئر السبع كانت قد أصدرت مؤخرًا قرارًا مماثلًا في قضية قرية بير هدّاج بأعقاب التماس لمركز عدالة، أكّدت فيه أنّ المسافة وحدها لا تشكّل معيارًا حصريًا لتحديد استحقاق الطلاب للمواصلات المدرسية، وأنه يتعيّن على السلطات أخذ ظروف الطريق والسلامة والبنية التحتية بعين الاعتبار وقدرة الطلاب على الوصول الى الأطر بشكل منتظم وآمن، لا سيّما في القرى التي تعاني من إهمال وتهميش على مدار سنواتٍ طويلة. وبذلك، ألزمت المحكمة وزارة التربية والتعليم بإعادة خدمة المواصلات لعشرات الطلاب من قرية بير هداج. عليه، طالب عدالة المحكمة بإصدار أمر يُلزم وزارة التربية والتعليم بإعادة تشغيل خدمات المواصلات المدرسية بشكل فوري، بما يضمن حماية الأطفال وحقهم في التعليم دون تمييز. وقالت المحامية سلام إرشيد من مركز عدالة: "ما يجري في قرية أبو قرينات ليس حالة استثنائية، بل امتداد لسياسة ممنهجة تتعامل مع أطفال القرى البدوية وكأنهم خارج حسابات الدولة. فعلى الرغم من صدور قرار قضائي حديث يُلزم وزارة التربية والتعليم بأخذ مجمل المعطيات والظروف الواقعية بالحسبان عند اتخاذ قرارات قد تمسّ بقدرة الطلاب على تحصيل حقهم في التعليم، نرى أنّ الوزارة ما تزال تواصل تطبيق سياساتها السابقة، وتحرم الطلاب من خدمات المواصلات المدرسية دون إنذار مسبق ودون أي مبرر قانوني. إن التماسنا اليوم يستند إلى مبدأ أساسي مفاده أنّ الدولة لا تستطيع التنصّل من مسؤوليتها في ضمان حق هؤلاء الطلاب في التعليم، ولا يجوز لها أن تُحمّلهم، مرةً أخرى، ثمن سياسات التخطيط الفاشلة، والإهمال، والتمييز الممنهج".