أصدر إيلاف – المركز لتعزيز الأمن في المجتمع العربي تقريره الأول، كاشفًا صورة قاتمة وغير مسبوقة عن تفاقم الجريمة والعنف في المجتمع العربي خلال عام 2025، ومؤكدًا أن ما يجري لا يمكن التعامل معه كسلسلة أحداث استثنائية، بل كـأزمة بنيوية متواصلة تعكس فشلًا عميقًا في السياسات والإنفاذ والحماية المدنية. ويستند التقرير إلى معطيات محدثة حتى تاريخ 26 كانون الأول/ديسمبر 2025، ويشير إلى مقتل 258 شخصًا في المجتمع العربي حتى هذا التاريخ، بارتفاع يقارب 9.8% مقارنة بعام 2024. ومع تسجيل جريمة قتل إضافية حتى نهاية العام، بلغ عدد الضحايا في 2025، 259 قتيلًا. وبمعدل وسطي، قُتل نحو 21 شخصًا شهريًا، فيما وقعت قرابة 44% من جرائم القتل خلال أربعة أشهر فقط (شباط، نيسان، حزيران وتشرين الأول)، ما يدل، بحسب التقرير، على موجات تصعيد واضحة وغير عشوائية. وأوضح التقرير أن الغالبية الساحقة من الضحايا هم من الرجال، إلا أن عام 2025 شهد أيضًا مقتل 24 امرأة، أي نحو 10% من مجمل القتلى، في مؤشر على تفاقم خطير في استهداف النساء، بما في ذلك في سياقات الجريمة المنظمة. كما بيّنت المعطيات أن الفئة الأكثر تضررًا هي الجيل الشاب، إذ إن نحو 75.6% من القتلى تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عامًا، وكثيرون منهم آباء وأمهات شباب، الأمر الذي يوسّع دوائر الفقد واليُتم ويُلحق أضرارًا عميقة بالبنية العائلية والاجتماعية والاقتصادية. وسجّل التقرير مقتل 14 طفلًا خلال عام 2025، بزيادة حادة بلغت نحو 56% مقارنة بعام 2024، فيما تحوّل 226 طفلًا وطفلة إلى أيتام جرائم قتل، في ظل غياب آلية حكومية مخصّصة، منظّمة ومستدامة لمرافقتهم نفسيًا واجتماعيًا وتأهيليًا. كما حذّر التقرير من تصعيد خطير في أنماط العنف، مع توثيق 26 جريمة قتل مزدوجة و6 جرائم قتل ثلاثية خلال العام، نُفذت غالبيتها باستخدام السلاح الناري، وأحيانًا في الحيّز العام أو في مناطق سكنية مكتظّة، ما عرّض المارّة وأفراد العائلات والأطفال لخطر مباشر. ووفق المعطيات، وقعت نحو 77% من جرائم القتل في الحيّز العام – الشوارع والأحياء ومحيط السكن – في دلالة على سيطرة منظمات الجريمة على الفضاء العام، وعلى تطبيع خطير للعنف العلني كجزء من الحياة اليومية. وأشار التقرير إلى تطوّر نوعي في طبيعة الجريمة، يشمل انتشار السلاح غير القانوني، وأنماط عمل إجرامية متقدمة، وانتحال صفة قوات إنفاذ القانون، وإحراق مركبات، وممارسات تهدف إلى عرقلة التحقيقات وتعزيز الشعور بالحصانة. وكشف التقرير عن تركّز مستمر لجرائم القتل في عدد من المدن والبلدات التي تحوّلت، وفق وصفه، إلى "مدن نازفة"، وفي مقدّمتها الرملة، اللد، الناصرة، أم الفحم ورهط، حيث تسجَّل موجات تصعيد متواصلة على مدار سنوات، إلى جانب انضمام بلدات أخرى إلى دائرة العنف الدموي. واعتبر التقرير أن هذا التركّز يعكس إخفاقًا مستمرًا في معالجة بؤر الجريمة المعروفة، وفقدانًا للسيطرة على الحيّز العام، ومساسًا خطيرًا بقدرة السلطات المحلية على العمل باستقلالية وتوفير الأمن المدني. وإلى جانب جرائم القتل، أشار التقرير إلى وجود آلاف من ضحايا الجريمة في المجتمع العربي – من إطلاق نار وابتزاز واعتداءات خطيرة وتهديدات وحرق ممتلكات – يعانون أضرارًا جسدية ونفسية واقتصادية طويلة الأمد، فيما يبقى معظمهم خارج دائرة الخطاب العام والسياسات الحكومية. كما لفت إلى أن العائلات الثكلى وضحايا الجريمة يواجهون الخوف وانعدام الثقة بأجهزة إنفاذ القانون، وغياب التنسيق بين منظومات الرفاه والصحة والأمن، وفجوات كبيرة في تحصيل الحقوق والحصول على خدمات ملائمة. وسلّط التقرير الضوء على تآكل خطير في الحكم المحلي، مشيرًا إلى تحوّل التهديدات وإطلاق النار وزرع العبوات الناسفة ضد منتخبين وموظفي سلطات محلية إلى نمط متكرر، ما يمسّ بقدرة السلطات على أداء مهامها وبثقة الجمهور بالمؤسسات الديمقراطية. وبيّن التقرير أن نسبة فك رموز جرائم القتل في المجتمع العربي لا تزال منخفضة للغاية، ولا تتجاوز 15%، وهو معطى يعزّز الشعور بالإفلات من العقاب ويُعمّق دوائر العنف. وخَلُص تقرير إيلاف إلى أن الواقع القائم لا يمثّل خللًا موضعيًا أو ظرفيًا، بل أزمة بنيوية عميقة، تُترجم فيها سياسات ناقصة، وإنفاذ انتقائي، وتقليص في الأطر المدنية، إلى توسّع الجريمة، وتعميق المساس بضحاياها، واستمرار تآكل الأمن الشخصي والجماعي في المجتمع العربي.