news-details

الإفراج عن الرجال المعنّفين وتأهيلهم: الوجه الآخر لفشل علاج العنف ضد النساء

*في 90% من الحالات، أوصت اللجان المختصّة بعدم الإفراج المبكّر عن المساجين لتشكيلهم خطورة عالية على المجتمع*

يستمر الفشل المدوّي بعلاج ظاهرة العنف الأسريّ بشكل عام والعنف الموجّه ضد النساء بشكل خاص، بحصد الضحايا وتوسيع دائرة العنف والدماء في مجتمعنا. فقبل أسابيع قليلة، وقعت الراحلة نورة كعبيّة في قرية طوبا الزنغريّة، حسب الشبهات، ضحيّة لعمليّة قتل اعتقلت الشرطة على اثرها الزوج للاشتباه بتنفيذه القتل.

وفقًا للشرطة، زارت نورة (53 عامًا) الزوج الذي يقبع في حبسه المنزلي في طوبا، في ظل العقوبة التي يقضيها نتيجة اعتدائه على ابنه قبل أشهر، حيث أفرجت عنه المحكمة المركزيّة بداية شهر تموز الماضي للحبس المنزلي حتى انتهاء الإجراءات القضائية بحقه، لينفّذ، حسب الشبهات، جريمة ثانية في العائلة خلال هذه الفترة.

ويتجلّى العنف الموجّه داخل العائلة وضد النساء بكثرة اللقاءات واستمرار التواصل بين الرجل المعتدي ومنفذ الجريمة وبين ضحاياه، للعلاقة الأسريّة التي تميّز حياتهم. ولذلك، يعتبر إرسال الرجل العنيف الى السجن غير كافٍ للدفاع عن ضحاياه، ويتطلب توجهًا وتعاملًا خاصًا من قبل السلطات في علاج هذه الاعتداءات، خاصة بكل ما يتعلّق بخطورة الافراج عن الرجال المعنّفين بعد سجنهم.

يشير تقرير خاصّ نشره مؤخرًا مركز المعلومات والمعرفة التابع للكنيست لمعطيات مقلقة تظهر حجم الإهمال في علاج هذه الظاهرة ومدى مساهمة هذا الإهمال بارتفاع حالات التعنيف ضد النساء والعائلات. حيث يؤكد التقرير انه تم الافراج عن ما يقارب الـ 83% من المساجين في قضايا العنف الأسري قبل انتهاء مدّة محكوميتهم. وان ثلثي المساجين في قضايا العنف الأسري في العام 2019 لم يتمّ دمجهم في برامج علاج خاصّة بهذه الحالات!

 

الأغليّة العظمى من السجناء لا يكملون فترة السجن بأكملها

الأغلبية العظمى من المساجين المدانين بقضايا العنف الأسري لا يكملون فترة سجنهم، ويتم الإفراج عنهم عبر مسارين مختلفين يمكّنان تخفيض فترة محكوميّتهم: 1- الإفراج المبكّر المشروط- يمكّن القانون، وبعد مصادقة لجنة الإفراج، الإفراج المشروط عن سجناء حكموا بأحكام تتجاوز السنة، بعد قضائهم أكثر من ثلثي محكوميتهم، وبعد الأخذ بالحسبان مدى خطورة الرجل المعتدي. بالنسبة للسجناء المدانين بأحكام لم تتخطّ السنة، تمكّن التعديلات الجديدة للقانون، لجنة الإفراج للأحكام القصيرة، افراجًا مشروطًا، لكن هذه اللجنة لا يمكنها اخضاع مساجين العنف الأسري لهذا المسار السريع في الإفراج.

2- إفراج إداري: بالإمكان الإفراج عن سجناء إداريًا في الحالة التي يكون فيها عدد السجناء في السجون أعلى من العدد المسموح به (اليوم يصل إلى 14 ألف سجين). مسار الإفراج هذا، لسجناء بأحكام لا تتجاوز الأربع سنوات، غير خاضع لطبيعة المخالفة والجريمة.

أكمل أقل من 2% من المساجين في السنوات 2017-2019 فترة محكوميتهم في السجن، وفي العام 2019 افرج عن 917 سجينًا مدانًا بمخالفات تتعلق بالعنف الأسري، و 554 سجينًا ممن عرّفوا كسجناء من الممكن أن يشكّلوا خطرًا على أسرهم وعائلاتهم. معظمهم أفرج عنهم عبر المسار الثاني، الإفراج الإداري. أي دون فحص طبيعة المخالفة ودون اشتراط خطّة علاج بعد الإفراج.

 

معالجة المساجين المدانين بالعنف الأسري خلال فترة سجنهم

المعالجة وإعادة التأهيل هي إحدى وظائف مصلحة السجون، لتمكين المحررين الاندماج مجددًا في المجتمع، ومع انعدام علاج بعد الإفراج، يصبح العلاج في السجون الأداة الأهم في مسار إعادة التأهيل.

تشير معطيات التقرير الذي عرضته لجنة المعلومات في الكنيست أنه لا يتم دمج مساجين العنف الأسري، المسجونين لأقل من عام، في برنامج علاجي خاص، والذين يشكلون الحصّة الأكبر من المساجين (66% من المساجين المدانين بعنف أسري وأفرج عنهم عام 2019 لم تتجاوز فترة سجنهم العام).

بينما يتمّ دمج المساجين المحكومين لأكثر من عام، قدر الإمكان، بمسار علاج خاص (34% من المحررين عام 2019). وتؤكّد مصلحة السجون انه لا يوجد لديها القدرة على إلزام المساجين بالخضوع للعلاج في حال رفضوا ذلك.

تفعّل سلطة السجون ثلاثة أطر للعلاج: 1- اطار علاجي خاص بالعنف الأسري حيث تعمل حتى الان أربعة اقسام خاصّة يستوعب كل قسم منهم 168 سجينًا. 2- علاج جماعي قصير المدى – تصل مدته من 3 الى 5 أشهر، من اجل رفع وعي المساجين للمشكلة وتحفيزهم على المشاركة، ومعدّ عادة للمساجين المحكومين لفترات قصيرة. 3- علاج خاص وشخصي يتم اعطاءه عن طريق عامل اجتماعي.

ويعرض التقرير، رغم قلّة المعطيات التي تزودها مصلحة السجون، معطيات صادمة إذ يؤكد ان ثُلث المدانين والمفرج عنهم عام 2019 خضعوا للعلاج فقط.

 

تحديد مدى خطورة المساجين بقضايا العنف الأسري

تعمل في البلاد أربع لجانٍ لوائيّة لقضايا العنف الأسريّ، وتبحث ملفات المحكومين لفترة تتجاوز ستّة أشهر (أقل من ستة أشهر يتم عرضهم على لجنة داخلية في مصلحة السجون). وتشمل صلاحيات اللجان: تحديد المساجين ممن لديهم دوافع وتوجهات لعنف اسريّ، عائلاتهم وضحاياهم، تحديد خطورتهم وغيرها.

وتفحص اللجنة، قبل الافراج المشروط عن المساجين، تقارير لجان مشتركة لمصلحة السجون ولجنة الرفاه، ويؤكد التقرير، انه في العام 2019، في 90% من الجلسات لبحث الإفراج المبكّر للمساجين، قررت اللجان اللوائية التوصية على عدم الافراج المبكّر عن المساجين بسبب الخطر الذي يشكلونه. ولكن، مع انتهاء ثلثي محكوميتهم يتم الإفراج عن معظمهم.

 

الإفراج عن المساجين مع متابعة علاجهم وتصرفاتهم

يُعفى المساجين الذين قضوا كامل محكوميتهم من العلاج، ودمجهم في مسارات علاجية مرهونٌ بموافقتهم. تتولي هيئة تأهيل السجناء وظيفة إعادة التأهيل، معظمهم ممن أفرج عنهم بشروط (فقط 5% من مساجين العنف الأسري أفرج عنهم بهذا المسار عام 2019)، والنتيجة أن نسبة قليلة فقط تخضع لمسارات واضحة لإعادة التأهيل في هيئة تأهيل المساجين.

تشغّل هيئة التأهيل إطارًا خاصًا واحدًا فقط لسجناء العنف الأسري المفرج عنهم، يمنح عدة علاجات منها: العلاج الشخصي، الجماعي، زوجي وعائلي، علاج خاص بالمخالفات الجنسية، علاج للمدمنين على المخدرات، بالإضافة الى مجموعة لعلاج نساء الرجال المعنفين. تقدّر الهيئة، ان نسبة السجناء المنخرطين في هذه المسارات لا تتجاوز الـ 10% من المدانين بمخالفات العنف الأسري.

وتؤكد المعطيات، انه يتم الإفراج عن الأغلبيّة العظمى من السجناء دون رقيب او شروط تقييدية، حتى في الحالات التي يتمّ عرضهم على لجان تقرّ بخطورة الإفراج عنهم وإعادتهم إلى مجتمعهم وبيئتهم السابقة.

 

إعلام الأهل والضحايا بموعد الإفراج عن السجين الخطر

في الظروف أعلاه، تشكّل عمليّة الإعلام عن عمليّة الإفراج، عملية هامة وضروريّة للعائلات وضحايا المُفرج عنه، خاصّة مع تأكيد اللجان المختصة على الخطورة في عمليّة الإفراج. تُعلم سلطة السجون قسمَ الخدمات الاجتماعيّة في البلدة، وكذلك الشرطة بالموعد، بالإضافة الى منظومة الكترونيّة متصلة بالجهات المختصة.

ويعتبر انعدام التنسيق بين سلطات الرفاه الاجتماع والشرطة احد ابرز العوائق في معالجة العنف ضد النساء، وكجزء من العمل، على الشرطة إعداد لائحة بالنساء المهددات، وحسب اللائحة، إجراء استعدادات قطرية ومحليّة لمتابعتها. وفي نقاش في لجنة الكنيست لمجابهة العنف في المجتمع العربي، قدرت الشرطة وجود ألف امرأة مهددة بشكل كبير في كل لحظة في البلاد. وترفض الشرطة إعطاء معلومات حول كيفية تعاملها مع نساء السجناء بعد الافراج عنهم، وهل تقوم بإدخالهم لهذه اللائحة.

يعتبر إعلام الضحيّة  بالإفراج عن السجين العنيف حقًا يكفله القانون، حيث يتمّ اعلامها عبر منظومة محوسبة، تعمل فقط باللغة العبرية، رغم وعودات الشرطة المستمرة منذ اكثر من ستة سنوات بترجمتها واتاحتها باللغة العربيّة ولغات أخرى.

وتشير الأجوبة المتناقضة التي قدمتها الشرطة ومصلحة السجون للجنة، انه في بعض الحالات، وخاصة تلك التي يقرر خلالها الإفراج عن السجين يومَ انعقاد جلسة الإفراج عنه، يتمّ إعلام الضحايا بأمر الإفراج بعد خروج السجين من السجن!

 

توما-سليمان: سأتوجه للمستشار القضائي للحكومة للمطالبة بمنع تسريح السجناء العنيفين، إداريًا

وفي تعقيبها على المعطيات الخطيرة الواردة في التقرير قالت النائبة عايدة توما-سليمان:" عندما قتلت نورةكعبية قبل حوالي شهر على يد زوجها العنيف بعد أن أُطلق سراحه، تذكرت أيضًا قتل مستويل ايلازا بيد زوجها العنيف بعد اطلاق سراحه من السجن رغم كونه معرفا بأنه خطير".

وتابعت توما-سليمان:" هذا البحث تم اعداده بعد جلسة لجنة الرفاه والعمل التي ترأستها في شهر آذار وطرحت خلالها هذه الأرقام، وكنا جميعًا مذهولات من الاهمال والفوضى في التعامل مع سجناء قضايا العنف ضد النساء".

كما أكدت أن هذه الحقائق القاسية التي يعرضها مركز الأبحاث، جميعها تؤكد ان نورا وغيرها يفقدن حياتهن لأن أمنهن وأمانهن ليسوا بذات الأهمية لدى سلطات الدولة، ولأننا كمجتمع لم نجد بعد طرق اعادة تأهيل وتأديب الرجال العنيفين، وما زالت المسيرة طويلة.

وأضافت توما-سليمان:" ان الحقائق الدامغة في التقرير تدل على ان هذه الحكومة ما زالت تستخف بحياة النساء وانه رغم القتل لا يطرف لهم جفن وهم يطلقون اشخاص خطيرين احرار لتنفيذ جريمتهم القادمة. سوف اتوجه للمستشار القضائي للحكومة للمطالبة بمنع اطلاق سراح السجناء العنيفين بشكل اداري والزام كل من يرغب منهم بالتحرر بالمرور بفترة علاج ملزمة".

أخبار ذات صلة