news-details

بحث أكاديمي للبروفيسور الغازي يكشف مخطط تهجير عرب النقب منذ 1948


وثائق تؤكد أن مخطط تهجير عرب النقب، اتخذ في أعلى المستويات، وتم تكليف الجيش والحكم العسكري بالترحيل والتهجير *الوثائق دامغة وهنا شك بأن تعتمدها المحكمة الإسرائيلي لتثبيت ملكية أهالي العراقيب لأراضيهم

 

وثائق تؤكد أن مخطط تهجير عرب النقب، اتخذ في أعلى المستويات، وتم تكليف الجيش والحكم العسكري بالترحيل والتهجير-الوثائق دامغة وهنا شك بأن تعتمدها المحكمة الإسرائيلي لتثبيت ملكية أهالي العراقيب لأراضيهم

 

كشف البروفيسور في التاريخ، غادي الغازي، نتائج بحث أكاديمي أجراه في الآونة الأخيرة، وتم تضمينه لدعوى أهالي العراقيب، دفاعا عن ملكيتهم للأرض، واستعرضته صحيفة "هآرتس" امس الاثنين، التي قالت، إن البحث يعد وثيقة تاريخية، ولكن من المشكوك به أن تأخذ به المحكمة لتحكم لصالح أهالي العراقيب، ضد مخطط الحكومة لاقتلاعهم سلب أراضيهم منهم.

ويكشف البحث عن عملية عسكرية قادها موشيه ديان، كان هدفها، كما يتضح من الوثائق، إبعاد البدو عن اراضيهم بالقوة. "نقل البدو الى مناطق جديدة سيلغي حقهم كأصحاب للأرض وسيكونون مستأجرين لأراضي الدولة"، كتب ديان الذي كان في حينه قائد المنطقة الجنوبية، في رسالة عثر عليها الغازي.

في وثيقة اخرى وجدها للحاكم العسكري كتب، حسب قوله، عن رفض البدو للانتقال والتنبؤ بأنه "إذا لم يتم نقلهم بإرادتهم فإن الجيش سيضطر الى نقلهم". وحتى إذا كانوا في وزارة القضاء يؤمنون بأن هذا الملف سينتهي مثل سابقيه فانه توجد احتمالية بأن هذه المواد التاريخية يمكن أن تصبح سابقة قضائية، مع تداعيات اكبر من اعتراف محتمل بإحدى القرى.

 

العملية الأولى في العام 1951

 

كشف الغازي في البحث للمرة الاولى العملية التي انطلقت في تشرين الثاني 1951، عملية واسعة النطاق لقيادة المنطقة الجنوبية بمصادقة رئيس الاركان في حينه يغئال يدين، لإخلاء البدو ونقلهم الى منطقة أخرى في النقب.

تم زعم وجود مبررات أمنية، لكن ايضا كان هناك هدف آخر وهو فصل علاقتهم بالارض. "الرأي الذي تم تقديمه يثبت بأن ما تم نفيه في الكنيست بصورة صريحة من قبل دافيد بن غوريون قد حدث. كيف تم ذلك؟ تم اجراء نقل منظم للبدو من شمال غرب النقب الى الشرق، الى مناطق قفر بهدف السيطرة على اراضيهم"، قال البروفيسور الغازي لصحيفة هآرتس. "الامر تم من خلال استخدام التهديد والعنف والرشوة والخداع".

ويقول الغازي، إن الوثائق تظهر كيفية حدوث العملية، حتى على مستوى الملاحظات المكتوبة التي تبادلها فيما بينهم ضباط الحكم العسكري الكبار الذين نفذوا العملية، والذين عرف الكبار من بينهم بأن الامر يتعلق بعملية غير قانونية. لذلك، كان من المهم عدم اعطاء البدو اوامر "نقل خطية"، لكن هناك المزيد من الاكتشافات.

مثلا، "معارضة البدو واحتجاجهم، التصميم الذي حاولوا من خلاله التمسك بالأرض حتى بثمن الجوع والعطش، ولا نريد الحديث عن تهديدات الجيش". اكتشاف حاسم آخر توصل اليه هو الطريقة التي صيغت بها الرواية الرسمية. "يمكن أن نظهر مرحلة تلو الاخرى كيف تمت مراقبة وتعديل التقارير الى أن وضعت الرواية التي تقول بأن البدو انتقلوا بإرادتهم".

الغازي، الذي يلعب دورا هاما منذ سنوات في نضال العرب البدو بشكل عام وابناء العراقيب بشكل خاص، بدأ هذه الحملة في 2011. في حينه بدأ يحقق عميقا في وثائق أرشيف وزارة الأمن وكيبوتسات النقب.

ويقول الغازي، "سمعت امورا وأردت أن اعرف اذا كانت حقيقية، وجدت ثروة في أرشيف الكيبوتسات. في قسم من الأحيان وجدت نفسي مع موظفة في الارشيف بذلت جهودها لسنوات في جمع وتنظيم المواد. وأحيانا تم توجيهي للتنقيب في خزانة قديمة. على أي حال، لم اتخيل أن هذا سيتحول بالتدريج الى تحقيق يشغلني ثماني سنوات".

سنوات البحث هذه قادتني الى رسالة ارسلها ديان في 25 أيلول 1951 الى القيادة العامة. "يمكن الآن نقل معظم البدو الموجودين في محيط كيبوتس شوفال الى مناطق تقع جنوب شارع الخليل – بئر السبع"، كتب قائد المنطقة الوسطى في حينه. "بهذه الطريقة سيتم اخلاء 60 ألف دونم تقريبا من أجل فلاحتها وإقامة قرى عليها. بعد عملية النقل هذه لن يكون هناك بدو في شمال شارع الخليل – بئر السبع".

ديان طرح اعتبارات أمنية لنقل البدو الى منطقة الحدود مع الاردن، لكنه طرح ايضا اعتبارات أخرى: "نقل البدو الى مناطق جديدة سيلغي حقهم كأصحاب للأراضي وهم سيكونون مستأجرين لأراضي الدولة". تعابير مشابهة أطلقها ديان قبل سنة من ذلك، في حزيران 1959، في جلسة مباي. "يجب على سياسة الحزب أن تكون موجهة بحيث أننا نرى هذا الجمهور، الذي يعد 170 ألف عربي، وكأنه لم يتم البت في مصيرهم. أنا آمل أنه في السنوات القريبة القادمة ستكون هناك امكانية اخرى لتنفيذ ترانسفير لهؤلاء العرب من ارض اسرائيل"، قال. وبعد سنة من ذلك، كما يتبين من الوثائق، نفذ ولو جزئيا – هم حقا بقوا في اراضيهم.

 

العثور على رسالة ديان

 

لم يكن من السهل العثور على رسالة ديان، قال الغازي. "في تشرين الثاني 2017 تم الكشف على الملأ لملف ضخم ومشوش لمراسلات الحاكم العسكري يضم 1037 صفحة. هذا الملف الذي تم مسحه ضوئيا كان في وقت ما مجلدا سمينا موجودا على أحد الرفوف، مليء بالمراسلات الممتعة والمملة، دون أي ترتيب. أنا اقلب على الشاشة الارشيف واتعثر بالصفحة 999، كما يبدو خلل بسيط – شخص ما لم يفكر بأنه ستكون هناك ملفات طويلة كهذه".

توجه الغازي بهذا الشأن وتم ابلاغه بأنهم سيصلحون الخلل. بعد سنتين تقريبا ابلغوه بأنه تم اصلاح ذلك. "في الصفحات الاربعين الاخيرة في الملف ظهرت فجأة رسالة ديان، ومعها مراسلات اكملت الاجزاء الناقصة في الفسيفساء.

أنا أجلس في الارشيف واسمع حقا ديان يتحدث، بأسلوبه المميز قال بشكل علني امورا يغلفها آخرون بورق السولفان: "نقل البدو الى مناطق جديدة سيلغي حقهم كأصحاب للأراضي وهم سيكونون مستأجرين للأراضي من الدولة، هكذا حرفيا".

ويضيف الغازي: "هذا ايضا هو ديان المتحايل، الذي يعتقد أنه نجح في تسوية عملية النقل بمساعدة الموافقة وهو يحرص على عدم تفسير كيف بالضبط نجح في الحصول على الموافقة. هذا ما طبخه ديان وهذا ما فشل. لأنه عندما تبين بأنه لا توجد موافقة جاءت الضغوط والعنف، وحقا بعد الرسالة بالضبط وجدت في نفس الملف ايضا تقرير للحاكم العسكري عن رفض البدو للانتقال، وما الذي يجب فعله من اجل تنفيذ المهمة".

في هذه المرة الكاتب هو القائم بأعمال الحاكم العسكري في النقب، الرائد موشيه بار اون، الذي كتب "لقد حصلنا على تعليمات من قائد المنطقة الجنوبية (ديان) من اجل الضغط على قبائل البدو في المنطقة الشمالية لنقلهم الى درجة أنه في حالة عدم انتقالهم بإرادتهم فإن الجيش سيضطر الى نقلهم".

        

وسائل الاقناع

 

لقد كانت للضغط وجوه كثيرة، لكن ليس جميع المعلومات يمكن الوصول اليها. فجزء منها ما زال سريا. على سبيل المثال، في تقرير للرائد ميشا هنغبي بتاريخ 21 تشرين الثاني 1951 تم وصف جولة في المنطقة استهدفت "تسريع" نقل البدو، التي فيها ووجه بـ "معارضة شديدة من قبل سكان المكان لمغادرة اراضيهم"، كتب أنه فقط "بعد مفاوضات" تم إخراج النقل الى حيز التنفيذ. ولكن في هذه النقطة تم حظر فقرة كاملة في الوثيقة، التي ربما كان يمكن أن تسلط الضوء على الوسائل التي استخدمت "للاقناع".

ولكن شهادات محليين، تم تقديمها كتصريحات مشفوعة بالقسم للمحكمة، كشفت جزء من التفاصيل. "أنا أتذكر أن الجيش أمر عائلتي بمغادرة العراقيب والانتقال نحو الشمال"، قال حسين ابراهيم الطوري (80 سنة). "بعض الاشخاص الذين عارضوا الطرد تم اعتقالهم. وقد قيل لنا بأن المنطقة ستتم مصادرتها لبضعة اشهر لاغراض عسكرية.

جاءت الشرطة العسكرية وقامت بتكبيل اصدقاء لنا وطلبت منهم الانتقال. هم انتقلوا ولكنهم حاولوا العودة. هذا لم ينته بصورة جيدة. أنا تم اعتقالي، وعمي ايضا، جميعنا تم اعتقالنا. ذهبنا للمشاهدة، دخلنا والجيش قام بأخذنا. أخذونا يوم أو يومين وبعد ذلك أطلقوا سراحنا".

ليس كل من في الجيش كانوا متفقين بخصوص هذه العملية. على سبيل المثال، حاكم النقب المقدم ميخال هنغبي كتب لرئاسة الاركان بأن "تخييم البدو في المنطقة يشكل كابحا جديا لعمليات المتسللين من الشرق ضد مستوطناتنا في الخط المذكور اعلاه. في الحقيقة مستوطناتنا التي توجد في هذه المنطقة تقريبا لا تتعرض للعمليات، التي هي متواترة جدا في مناطق اخرى".

وقد حذر ايضا من أن المنطقة البديلة المخصصة للبدو تنقصها المياه، وأن مشكلة المياه في المنطقة الشرقية آخذة في الاشتداد. ولكن الى جانب ذلك، هنغبي كتب في مناسبات اخرى بأنه "رغم القيود المفروضة على عدم استخدام القوة، إلا أنه جرت محاولة بموافقة القيادة لاجبارهم على الانتقال، وحدة الحكم العسكري قامت بتفكيك بعض الخيام وحملتها في السيارات. اصحاب الخيام لم يغادروا ولم ينضموا لعائلاتهم التي تم نقلها".

شهادات اخرى على ما حدث تم الحصول عليها من اعضاء الكيبوتسات في المنطقة. "المنطقة تم تطويقها من قبل الشرطة العسكرية بسيارات عسكرية"، كتب يوسف تسور من كيبوتس شوفال لزعماء حركة الكيبوتسات. "اشخاص هربوا، الخيمة تم تفكيكها، والذين تم القاء القبض عليهم وضعوا في السيارات ونقلوا الى تل اراد". جزء كبير مما حدث عندما جاء من يرتدون الزي الرسمي الى المكان كشفه الشيخ سليمان العقبي في مقابلة مع "يديعوت احرونوت" في 1975. "لقد بدأت في الظهور في اراضينا بين حين وآخر وحدات عسكرية كانت تطلق النار العشوائي في الهواء"، قال. "الرجال خافوا والنساء خفن من الخروج الى الحقول والمراعي".

في احدى الرسائل كتب المقدم هنغبي بأن "عملية النقل تم تنفيذها بالأساس عن طريق الاقناع والضغط الاقتصادي". بعد ذلك كشف عن جزء آخر. "لم يكن لنا أي اساس قانوني، حتى أنه كانت هناك تعليمات صريحة بأن لا نستخدم القوة.

لذلك، كانت حاجة الى التصرف بحذر في عملية التنفيذ دون التورط في مشكلات قانونية". هذا الضغط الاقتصادي، وجد له الغازي اثبات في البطاقة التي كتبها مستشار رئيس الحكومة للشؤون العربية في حينه يهوشع بولمان (الذي كان حسب رأي الباحث الشخصية الارفع في تحديد السياسة بخصوص العرب من مواطني اسرائيل).

بولمان كتب أن الحكم العسكري منع البدو من فلاحة اراضيهم من اجل الضغط عليهم للموافقة على الانتقال. ايضا على ذلك كانت هناك شهادات من الميدان. في رسالة لاعضاء كيبوتس شوفال الى حزب مبام في 28/1/1952 كتب أن "البدو تم اجبارهم من قبل الحكم العسكري على ترك اراضيهم. تزويدهم بالغذاء تم وقفه". عندما، حسب اقوال اعضاء الكيبوتس، امتد وقف الغذاء على مدى شهرين.

كانت هناك مضايقات من نوع آخر، قال حسين ابراهيم الطوري الذي هو من مواليد 1942. في تصريح مشفوع للقسم قدم للمحكمة. رجال الجيش، قال، كانوا يأتون ويضايقوننا، يأخذونا الى السجن وغير ذلك. الجنود قاموا بربط الخيمة بواسطة حبل بالسيارة العسكرية وهدموها. وقد طلبوا منا الانتقال وقالوا لنا بأنه اذا عدنا مرة اخرى فسيحرقون البيت أو يأخذونا الى الاردن. عبد حسين أبو سكوت، احد السكان في القرية، اضاف بأنه "بعد مغادرتهم للقرية عادوا بين حين وآخر الى الارض. ولكن في حينه كان الجنود يطلقون النار أو يأخذونا الى السجن ويغرمونا".

 

كذبة الاخلاء المؤقت

وحسب الغازي، الدولة زرعت في البدو الشعور بأن الاخلاء مؤقت فقط. على سبيل المثال في وثيقة من تلك الفترة، وضعها النقيب ابراهام شيلش، كتب أنه سمح للبدو الذين تم اخلاؤهم بالعودة بين حين وآخر من اجل فلاحة الاراضي، "الى أن تعاد قبيلة العقبي الى اراضيها". حسب شهادات ابناء المنطقة هذه الاقوال قيلت لهم مرة تلو الاخرى.

"المسنون قالوا إن الحاكم العسكري أعطى لعمي رسالة كتب فيها بأن الجيش يحتاج للمنطقة مدة نصف سنة، وبعد انتهائها سنعود الى الارض"، صرح للمحكمة احمد سالم محمد العقبي. "أنا اتذكر أنه بعد سنة على الطرد في 1951 عاد عمي الى الارض مع اشخاص آخرين، وأنا كنت اقوم برعي الاغنام. ذات يوم جاء ضابط عسكري اسمه ساسون بار تسفي، الذي كنت اعرفه، وقال إنه اذا لم نغادر فهو سيأخذنا الى السجن".

الاطلاع على الوثائق يكشف أنهم في كيبوتسات المنطقة اظهروا أكثر من مرة الاستياء مما يحدث على الارض. ففي اواخر 1951 ارسلت كيبوتسات مشمار هنيغف ومشمار وسفيح (بيت كما) ودبير، رسالة احتجاج للجنة الخارجية والامن ضد نقل البدو، وكتبوا فيها بأن هؤلاء بالذات يساعدون الاستيطان. "نحن نرى أنه من واجبنا التأكيد على أن هذا الامر تم بصورة تآمرية ورشوة وضغط"، كتبوا في الرسالة. "عدد من الخيام تم نقلها بالقوة".

احتجاج الكيبوتسات أدى الى اجراء عملية فحص قام بها حزب مبام في تشرين الثاني 1952. هناك شهد المقدم هنغبي الذي قال إنه فقط نفذ الاوامر التي حصل عليها، لكنه أكد أن نية الجيش كانت "تقويض مكانة القبائل المتورطة، من اجل أن تغادر اراضي الدولة". وقال ايضا بأنه في اطار العملية "استخدموا ايضا وسائل تخويف ورشوة، لكن ليس في جميع الحالات"، واضاف بأن "رجال الجيش تعاملوا مع البدو بوحشية وفظاظة". في اعقاب ذلك تمت التوصية بإلغاء عضويته في الحزب.

من على بعد هذه المسافة الزمنية، يقول الغازي بأنه "كانت في السنوات الاخيرة سلسلة من الابحاث حول فترة الحكم العسكري. ولكن حتى الآن لم يكن هناك أي بحث أو مصادقة معينة على أن الطرد في 1951 قد حدث اصلا.

 

أخبار ذات صلة