news-details

حول المشتركة وحول غانتس وضرورة تدقيق اللغة

ليس خافيا عن أحد انني عارضت التوصية على غانتس بعد انتخابات أيلول 2019. كانت التوصية وقتها غير مبررة في ظلّ سعي قائمة ازرق أبيض، لتشكيل ما يسمى بحكومة اجماع صهيوني (بدون نتنياهو) وكتبت وقتها "نحن لسنا هناك".
بعد انتخابات آذار الجاري، اعتقدت ان بالإمكان التوصية على غانتس تقنيا، ولاعتبارات برلمانية صرفة، من اجل تشكيل اللجنة المنظمة (نظام الكنيست الداخلي يلزم بان يكون رئيس اللجنة المنظمة من حزب الشخص المكلف بتشكيل الحكومة)، وبالتالي من اجل انتخاب رئيس آخر للكنيست، ومن اجل سن قانون يحول دون متهم بتهم جنائية من تشكيل حكومة، وقد سارت الأمور في هذا الاتجاه حتى اللحظة الأخيرة.. لحظة انهيار غانتس بشكل كامل.

بالنسبة للمفاوضات على تشكيل حكومة جديدة بعد انتخابات أذار الجاري، كان واضحا لي ان إمكانية تشكيل حكومة بمشاركة او دعم القائمة المشتركة، غير واردة اطلاقا بسبب عنصريتهم من ناحية، وبسبب ضرورة التزامنا بمبادئنا وقيمنا، وأننا لا نشارك في اية حكومة تعتمد قواعد الاجماع الصهيوني من ناحية أخرى. وكان من الضرورة ان نؤكد اننا لا نقبل بان نكون ورقة مناورة لحاجات ازرق ابيض، للضغط على الليكود، وكان على المشتركة ان تقول لازرق ابيض عندما يتوفر عندكم بشكل قاطع 46 نائبا لتشكيل حكومة، يمكن ان تتوجهوا الى المشتركة (مع نوابها الـ 15 موحدين)، للحديث عن الموضوع، وذلك مع علمي بوجود عدد من نواب ازرق ابيض الذين يرفضون مجرد فكرة الحديث مع المشتركة.

هذا الموقف (كان معلوما لكل من يجب ان يعلم) يعود الى ضرورة عدم مخاطبة توقعات شعبنا بلغة الأبواب الموصودة، وللحفاظ على وحدة القائمة المشتركة، التي تتنوع فيها الاجتهادات، ولدحرجة المسؤولية عن الاقصاء الى عنوانها (الأحزاب الصهيونية ولقائمة ازرق ابيض تحديدا). أستطيع ان أقول انني رصدت كل التطورات قبل او قبيل حدوثها، ولكنني بالحقيقة لم أتوقع هذا السقوط المدوي لبيني غانتس، علما اننا لم نعلق عليه امالا كبيرة سلفا، ونسأل الله ان يمنح رحمته للذين راهنوا عليه في البلاد وخارجها.

الحقيقة انه لا تفسير عندي حتى الآن لخطوة غانتس، الا إمكانية تدخل من طرف الدولة العميقة او من طرف من هم وراء البحار.
من هنا اعود الى ساحتنا، مقابل عدم جواز التبرير الاعمى من ناحية والإقرار بشرعية الانتقاد والاعتراض من ناحية اخرى فإن الفرح والابتهاج بسقطة غانتس من اجل الشماتة بالقائمة المشتركة يبدو طفوليا وعصبيا، وغير منصف بحق المشتركة ولا بحق الالتفاف الشعبي حولها، ولا يمكن تحميل المشتركة المسؤولية عنها، لا من قريب ولا من بعيد, وهو اشبه ما يكون ان يرقص فلان طربا من زيادة مصائبه.

في حينه شكّك البعض في ضرورة إقامة القائمة المشتركة، لا بل اثاروا جلبة وضوضاء ضد الفكرة.اليوم أصبحت المشتركة محط اجماع كل القوى التي تؤيد العمل والمشاركة البرلمانية، وهذا انجاز جرى تعميده بالدعم الشعبي الواسع من جماهيرنا العربية ومن أوساط آخذة بالاتساع في الشارع اليهودي من القوى الديموقراطية
.
ان تمثيل المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل برلمانيا وإقامة القائمة المشتركة جاء ليحمل همّ الناس وصيانة انتمائهم وقامتهم، ومن اجل حقوق شعبنا الفلسطيني ولتمثيل أنصار السلام وأنصار العدالة الاجتماعية والمساواة، ومن اجل أداء دور كفاحي سياسي ووطني ومدني على المنصة البرلمانية.

القائمة المشتركة وتمثيل المجتمع العربي وقوى السلام والديمقراطية ليست مشروع سلطة، وليس بديل سلطة انما هي بديل سياسي وكفاحي. البراغماتية ضرورية في الكثير من المواقف، ولكن الافراط بها قد يقود الى الانتهازية والمغالاة فيها أكثر وأكثر قد تقود الى الخيانة... ونحن بعيدون عن ذلك كثيرا كثيرا.

طبعا نريد التأثير ونريد تحقيق الإنجازات وحققنا إنجازات ومآثر سامقة، وشيّدنا حضورا وقامة ولغة وهيئات تمثيلية جامعة عبر عشرات السنين من خلال تكامل ساحات النضال كلها بما فيها العمل البرلماني ولكن بالأساس بالكفاح الشعبي.
ان تداعيات السياسة الإسرائيلية الأخيرة تعود لتطرح من جديد وبعزيمة أكبر، الضرورة لوحدة العمل الوطني والديموقراطي من خلال لجنة المتابعة واللجنة القطرية والقائمة المشتركة، لحماية شعبنا ولمواجهة حكومات وسياسات التمييز والعنصرية والفاشية وحكومات صفقة القرن وقانون القومية، ونحن لها.

أخبار ذات صلة