أصدرت المحكمة العليا، مساء 24 كانون الأول/ديسمبر 2025، قرارًا برفض الالتماس الذي قدّمه سكان فلسطينيون من مخيم نور شمس للاجئين والمناطق المحاذية له، إلى جانب مركز عدالة الحقوقي، ضد أوامر جيش الاحتلال الإسرائيلي بهدم نحو 25 بناية سكنية مدنية في المخيم. وصدر القرار عن هيئة قضائية ضمّت القضاة دافيد مينتس، ياعيل فيلنر وعوفر جروسكوپف، وذلك عقب جلسة قضائية عُقدت صباح اليوم نفسه، اعتمدت خلالها المحكمة على مواد ومعلومات سرّية قدّمتها النيابة العامة بالشراكة مع المخابرات العسكرية، دون كشفها للملتمسين أو لطاقم الدفاع، واعتبرتها كافية لتبرير تنفيذ أوامر الهدم. وتبنّت المحكمة في قرارها موقف جيش الاحتلال القائل إن أوامر الهدم تستند إلى "حاجة عسكرية مبرّرة"، رغم إقرار النيابة العامة خلال الجلسة بأن المباني المستهدفة هي بيوت سكنية مدنية لا تُستخدم لأغراض عسكرية، وتعود لعائلات لا علاقة لها بأي نشاط عسكري. وبرّرت الدولة الهدم بمزاعم تتعلّق بتسهيل تحرّكات عسكرية مستقبلية داخل المخيم، وليس استنادًا إلى ضرورة عسكرية قائمة أو ملحّة في الوقت الراهن، كما أقرّت بعدم وجود إلحاح فوري لتنفيذ الهدم، وبأن المنطقة خالية من أي نشاط قتالي منذ أكثر من عام. ورغم ذلك، قبلت المحكمة تبريرات الجيش، واعتبرت أن للقيادة العسكرية هامش صلاحية واسع في هذا الشأن، وأن تدخلها يقتصر على حالات استثنائية، وهو ما رأت أنه غير متوفر في هذه القضية. كما رفضت المحكمة ادعاءات السكان بشأن المسّ بحقوقهم الأساسية، والتي ترافعت بشأنها المديرة القانونية في مركز عدالة، المحامية د. سُهاد بشارة، واعتبرت أن مهلة الـ72 ساعة التي مُنحت للعائلات لإخلاء مقتنياتها كافية، رغم واقع النزوح القسري المستمر منذ أشهر. وقرّرت المحكمة أن تنفيذ أوامر الهدم لن يبدأ قبل 27 كانون الأول/ديسمبر 2025، مع الإشارة إلى إمكانية فحص طلبات فردية إضافية لإخلاء الممتلكات، رهنًا بالظروف الأمنية. وخلال الجلسة، شدّد مركز عدالة على أن القرار يفضي إلى خلق واقع دائم من التهجير القسري المحظور وفقًا للقانون الدولي الإنساني، لا سيّما أن جميع السكان يُعتبرون مدنيين محميين وأن ممتلكاتهم مشمولة بالحماية بموجب هذه المعايير. وأوضحت المحامية د. سُهاد بشارة أن تبريرات الجيش لا تتوافق مع أحكام القانون الدولي الإنساني، خاصة في ظل إقرار الجيش بعدم السماح بإعادة البناء في المناطق التي ستُهدم، ما يمنع عمليًا عودة السكان إلى أراضيهم ويُفرغ المخيم من سكانه. وأضافت أن تنفيذ أوامر الهدم، إلى جانب ما نُفّذ سابقًا، سيؤدي إلى تدمير أو إلحاق ضرر بما يقارب 50% من مباني المخيم، دون توفير أي بدائل سكنية، وفي ظل غياب أي فرصة حقيقية للعائلات لإخراج مقتنياتها أو ترتيب أوضاعها، ما يعني عمليًا ترك مئات الأشخاص دون مأوى. ورغم ذلك، رفضت المحكمة الأخذ بهذه الادعاءات أو التطرّق إلى تداعياتها الإنسانية والقانونية. ويُذكر أن هذا القرار يأتي في سياق أوسع من المصادقة القضائية المتكرّرة على سياسة هدم واسعة النطاق في مخيمات اللاجئين شمال الضفة الغربية، استنادًا إلى اعتبارات أمنية عامة ومواد سرّية غير قابلة للطعن، بما يكرّس فرض واقع دائم من التهجير القسري ومنع العودة، في خرق واضح لمبادئ القانون الدولي الإنساني وحماية السكان المدنيين. ويُعدّ هذا الالتماس الرابع الذي يقدّمه مركز عدالة خلال الأشهر الأخيرة ضد أوامر هدم جماعية في مخيمات جنين، نور شمس وطولكرم، حيث رفضت المحكمة العليا في القضايا السابقة التدخّل، معتبرةً أن هذه القرارات تندرج ضمن صلاحيات القيادة العسكرية. وكان مركز عدالة قد قدّم، في 17 كانون الأول/ديسمبر 2025، التماسًا عاجلًا إلى المحكمة العليا ضد قرار جيش الاحتلال القاضي بهدم عشرات المباني السكنية في مخيم نور شمس قرب طولكرم، بذريعة “ضرورات عسكرية”، رغم أن المخيم كان خاليًا من السكان منذ أشهر ولا تشهد المنطقة أي أعمال قتالية. وطالب الالتماس بإصدار أمر احترازي وفوري لتجميد تنفيذ أوامر الهدم التي كان من المقرّر أن تبدأ صباح 18 كانون الأول/ديسمبر 2025، مؤكدًا أن القرار يشكّل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك حظر تدمير المنشآت المدنية والتهجير القسري. وفي أعقاب تقديم الالتماس، أصدرت المحكمة العليا أمرًا مؤقتًا بتجميد تنفيذ أوامر الهدم إلى حين استكمال الفحص القضائي، إلّا أن هذا التجميد انتهى فعليًا عقب صدور القرار النهائي برفض الالتماس.