news-details

مدقق حسابات غير مسلح يُقتل بالنار في بؤرة استيطانية|  جدعون ليفي واليكس ليباك

*من غير المعروف ما الذي قاد مدقق الحسابات الفلسطيني، المتزوج والأب لولد عمره خمس سنوات، الى البؤرة الاستيطانية سديه أفرايم الموجودة على اراضي رأس كركر. الأب يقول: أنتم أخذتم ارضنا بالقوة، فعلى الاقل لا تأخذوا أولادنا*

 

ماهر نوفل يقف على سطح بيت شقيقه المجاور لبيته ويشير الى البؤرة الاستيطانية البرية التي بنيت على اراضي عائلته في منحدرات التلة المقابلة. هناك في الكوخ الخشبي البني، يعيش الشخص الذي أطلق النار وقتل ابنه. فقط بضع مئات من الامتار تفصل بين الكوخ والحظائر التي بنيت بصورة غير قانونية على الارض التي تعود لشقيقة نوفل، وبين بيته في قرية راس كركر.

فقط بضع مئات من الامتار تفصل بين الأب الثاكل وبين الذي قتل ابنه. وبالضبط الآن يأتي أحد شباب القرية ويقول إنه مرة اخرى شاهد من أطلق النار وهو يقود التراكتور غير بعيد عن القرية ومسلح ببندقية. من الارجح أن هذه البندقية هي التي قتل بها خالد ابن ماهر. البندقية لم تتم مصادرتها، ومن المشكوك فيه أن تقدم لائحة اتهام ضد من أطلق النار عليه.

مطلق النار هو ايتان زئيف، من البؤرة الاستيطانية سديه افرايم. ذات مرة، قبل نصف سنة، صادر الجيش بندقيته. هذا كان بعد أن أطلق النار على فلسطيني وأصابه. مكان الحادثة في حينه كانت قرية بديا في شهر تموز. في شهر ايلول قدمت ضد زئيف لائحة اتهام بتهمة القيام بعمل تخريبي خطير في ظروف مشددة، وهذا أمر نادر وتقريبا خيالي عندما يصل الامر الى عنف المستوطنين، الذي فقط يدلل على خطورة فعله.

لكن منذ ذلك الحين هو حر، ومحاكمته تجري بشكل بطيء. قائد لواء افرايم، العقيد يفتاح نوركن، تدخل لصالح اعادة البندقية لزئيف، المستوطن الذي أطلق النار، وقدم رأي خبير كان لصالحه. ايضا هذا أمر غريب وفضائحي. ولكن البندقية لم تتم اعادتها له رغم محاولة قائد اللواء، حامي المستوطنين.

في يوم الجمعة الماضي، قام ايتان زئيف مرة اخرى بإطلاق النار على فلسطيني. هذه المرة هو ايضا قتل. البندقية، يقولون، كانت لزوجته أو أحد عماله. أبناء عائلة القتيل يعرضون صورة: زئيف يحصل على شهادة تقدير من يوسي دغان، رئيس المجلس الاقليمي شومرون، على إطلاق النار الشجاع السابق على فلسطيني قرب بديا، الذي بسببه تم تقديمه للمحاكمة. وقريبا هو بالتأكيد سيحصل على شهادة تقدير اخرى.

إن الذي حدث على مدخل بيت زئيف في البؤرة الاستيطانية غير القانونية، سديه افرايم، في ليل يوم الجمعة الماضي، 5 شباط، لن نعرفه في أي يوم. المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي سارع الى نشر تسلسل الاحداث مثلما ابلغ الجيش من قبل مطلق النار وعماله. "من التحقيق الاولي في الميدان يتبين أنه في الساعة 3:45 فجرا دخل مخرب بسيارته بسرعة الى اراضي مزرعة سديه افرايم، واخترق كل اراضي المزرعة وتوقف قرب عتبة باب صاحب المزرعة.

المخرب نزل من السيارة وركض نحو بيت صاحب المزرعة وهو يصرخ "الله اكبر"، اثناء محاولته لاقتحام باب البيت الذي كان مغلق. خلال ذلك حارس المزرعة شخص المخرب وبدأ يصرخ على باقي الحراس الذين كانوا نائمين في المبنى المجاور. المخرب واصل الركض باتجاه حارس المزرعة الذي لم يكن مسلح وحاول الانقضاض عليه والاشتباك معه. حارس آخر قام بتحييد المخرب بواسطة سلاحه سوية مع صاحب المزرعة الذي خرج هو ايضا وهو يحمل السلاح. جثة المخرب والسيارة تم تشخيصهما من قبل من المختصين بتفكيك العبوات، ولم يتم العثور على أي سلاح مع المخرب".

الآن بالطبع لا توجد حاجة الى التحقيق أكثر؛ القتلة قالوا روايتهم، لكن الاسئلة تواصل الازعاج: ما الذي كان يفعله مدقق الحسابات الشاب الذي يعمل في وزارة المالية الفلسطينية، والمتزوج وأب لطفل، والذي كان يستعد للانتقال الى شقته الجديدة، في الليل في البؤرة الاستيطانية؟ ما الذي كان ينوي أن يفعله هناك؟ هل وصل الى هناك بإرادته وهل كان يجب قتله رغم أنه لم يكن مسلح وبالفعل لم يعرض حياة أي أحد للخطر؟ الاجابات على ذلك لن نحصل عليها في أي يوم.

 

طرقات على الباب في السادسة صباحا

 

في بيت العائلة الفاخر الذي يشمل عدد من الشقق والذي يوجد في راس كركر، تجلس العائلة الثكلى، وهي تريد على الاقل اعادة جثة الابن العزيز، التي ترفض اسرائيل اعادتها كالعادة. الأب ماهر نوفل، مقاول في اعمال الصيانة والكهرباء (61 سنة)، عمل طوال حياته في اسرائيل وفي المستوطنات (مؤخرا عمل في مستوطنة حشمونئيم)، صوته يتصدع بين حين وآخر. إبنه خالد كان عمره 34 سنة، خريج جامعة بير زيت في المحاسبة. الابنان الآخران هما محاميان.

خالد عمل في سلطة الضرائب الفلسطينية في رام الله. وقد كان متزوج من سوزان نوفل، وهي مهندسة معمارية انتقلت للسكن في المناطق، وهي ايضا في الثلاثينيات من عمرها، ولهما ولد واحد اسمه يوسف وعمره خمس سنوات. في صورة عائلية يظهر الأب وابنه الصغير وهما يرتديان بدلات، الأم وابنها غير موجودين هنا. منذ تفشي الكورونا هم يمكثون في بيت أهلها في الاردن ولا يتمكنون من العودة الى القرية بسبب اغلاق جسر اللنبي.

في يوم الخميس قبل الماضي كان خالد في العمل في رام الله كالعادة، قال الأب، بعد ذلك ذهب لاصلاح سيارته في كراج محلي. بعد الظهيرة عاد الى البيت وتناول وجبة العشاء مع والديه. الأب والابن اتفقا على الذهاب في الغد الى الشقة الجديدة التي سينتقل اليها خالد مع عائلته في رام الله. الشقة تعود للعائلة وخالد كان ينوي الانتقال اليها من اجل أن يكون قريب من عمله في وزارة المالية الفلسطينية. الأب قال إنه سيساعد ابنه في اعمال التصليح والترميم الاخيرة قبل الانتقال.

وقد فكر بأن يركب الغاز والحمام في الغد. معظم الاثاث والادوات تم نقلها الى هناك. خالد قال لوالده بأنه غدا ايضا قام باستدعاء شركة تنظيف من اجل تنظيف الشقة قبل الانتقال. الأم ابتسام (56 سنة) قالت إنها ستلحق بهم الى الشقة. وقد قامت باعداد وجبة الطعام التي ستأخذها معها. بعد ذلك شاهدوا التلفاز والأب ذهب للنوم. لكنه لن يرى ابنه مرة اخرى.

في الساعة السادسة صباح استيقظ الأب على صوت طرق شديد على الباب. وقد عرف أنهم الجيش. الجنود طلبوا بطاقة هويته وسألوا عن خالد. الأب كان يعتقد بأن خالد كان ينام في شقته في الطابق الاول، فوق شقة الوالدين. الجنود سمحوا له بالتحدث في الهاتف مع رجل الشباك الذي سأله عدة اسئلة عن خالد. لم يخبره أحد بما حدث.

"يقومون بإيقاظك في الصباح الباكر، وكل الافكار تدخل الى رأسك. ولكني لم أفهم أي شيء. كنت مشوش. سألوا عن خالد، عندها فهمت أن هناك شيء حدث له". بعد ذلك لاحظ الأب أن سيارة خالد من نوع "اوبل كورسا" غير موجودة في المكان. كان على قناعة بأن خالد قد سافر في الليل الى شقته الجديدة. "خالد يحب الجلوس في البيت"، قال الأب. "كان يمكن أن يكون هنا أو في الشقة الجديدة".

الجنود اخذوا الأب الى برج المراقبة العسكري الموجود على مدخل القرية. رجل الشباك "الكابتن" (هكذا يسميه ماهر) الذي تحدث معه من قبل بالهاتف كان ينتظره هناك. وقد عرض عليه من خلال الهاتف المحمول صور سيارة خالد وحذاءه وقميصه ومعطفه. القميص والحذاء لم يشخصهما الأب. الكابتن قال بأنهم وجدوا السيارة في بؤرة سديه افرايم وأن خالد ما زال مفقود. بعد ذلك أطلق سراح ماهر وقال له بأنه سيتصل معه في الوقت الذي سيعرفون فيه أين خالد. وهو لم يتصل حتى الآن.

ماهر عاد الى البيت، لكن سرعان ما وصلته مكالمة من السلطة الفلسطينية: ابنك قتل في الريسان، الاسم الفلسطيني للمنطقة التي توجد فيها بؤرة سديه افرايم. ومن وسائل الاعلام الاسرائيلية عرف أن ابنه قد دخل الى البؤرة وهو غير مسلح، وربما حتى بدون حذاء، حسب بعض الروايات، وهناك تم إطلاق النار عليه وقتل.

لماذا ذهب الى هناك؟ التلال التي تقع حول القرية مليئة بالبؤر الاستيطانية البرية. كرفان هنا وكرفان هناك، هذه منطقة تلمونيم مع توابعها. ماهر قال إن اسرائيل تقوم بإحضار المجرمين للسكن هنا بشكل متعمد، ومن اجل تحريضهم على الفلسطينيين. "هذا لغم أنتم احضرتوه الى هنا من اجل أن ندوس عليه، وعندها نتفجر. كل قمامتكم أنتم تجلبونها للمناطق. لقد حولتمونا الى مزبلة. ايضا الشخص الذي قتل خالد هو مجرم".

الآن هو يجلس في البيت ويحاول معرفة ماذا حدث لابنه. "لقد فكرت كثيرا. اذا ذهبت حسب ما قالوا في اسرائيل فإما أن يكون ابني قد خرج من القرية واراد السفر الى رام الله وكان هناك مستوطنون في المفترق وأخذوه بالقوة الى سديه افرايم وإما أنه قد ذهب الى هناك بإرادته، لا توجد لدي أي فكرة لماذا. هو لم يذهب الى هناك في أي وقت. فلماذا يذهب. لا أحد يتجرأ على الذهاب الى هناك. أنا مشوش ولا أعرف أي شيء. أنا لا أفهم ما الذي حدث. كل اولادي الثلاثة وبناتي تعلموا في الجامعات، جميعهم متعلمون ومدللون ولا ينقصهم أي شيء ونحن لم نعمل في أي وقت مشاكل. اربعون سنة وأنا اعمل في اسرائيل وأنا عضو في المجلس القروي. ولم يكن هناك معي أو مع اولادي أي مشاكل".

قبل 22 سنة، في 1999، اصيب الأب بالطعن من قبل شاب في حي حباد في اللد. في حينه كان له شريك يهودي، كان بالنسبة له كأخ، قال. وكانا يبنيان معا في الحي عندما انقض عليه شاب من الخلف وقام بطعنه في صدره. ماهر نقل الى مستشفى أساف هروفيه وعولج هناك. الطعنة وصلت الى رئاته. وعندما عاد الى العمل، قال، كل الحي جاء اليه للاعتذار وحتى أن هناك شخص اقترح اجراء "صلحة" حسب العادات العربية. ولكن ماهر قال إنه رفض وواصل قدما. المهاجم تم ارساله الى العلاج في مستشفى للأمراض النفسية في بئر يعقوب.

"لا أعرف ماذا اقول"، قال بعبرية طليقة، وللمرة الاولى ظهرت الدموع في عينيه. "أنتم تعتقدون بأننا لسنا بشر. أنا اعرف شيء واحد في الحياة وهو أن الانسان هو انسان، لا يهم إذا كان عربي أو يهودي. أنتم اخذتم ارضنا بالقوة، على الاقل لا تأخذوا اولادنا".

بعد ذلك قام بفتح الباب المغلق لشقة ابنه التي كان ينوي الانتقال منها في هذا الاسبوع. الشقة فارغة تقريبا. فقط اكوام من الملابس على الارض وصور ليوسف -الذي له شعر اصفر ويبتسم من الجدران الزرقاء في غرفته التي تزينها الدببة الصغيرة -تدل على أنه قبل اسبوع كانت توجد هنا حياة.

 هآرتس- 12/2/2021

أخبار ذات صلة