news-details

اتعظ يا برهان.. البراهين كثيرة

تضاربت الانباء بشأن من اقنع رئيس المجلس السيادي السوداني، عبدالفتاح البرهان، بالتقاء برئيس حكومة اليمين العنصري، بنيامين نتنياهو في عنتيبي، يوم الاثنين الماضي، بعد يوم واحد من اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في السعودية وبعد يومين من اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية لبحث خطة ترامب - نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية والمعروفة إعلاميًا بـ"صفقة القرن" وما تمخض عن الاجتماعين من قرارات بالإجماع لصالح الموقف الفلسطيني. وان التطبيع مع إسرائيل مشروط بتنفيذ المبادرة العربية للتسوية.

فصحيفة "الاخبار" اللبنانية كشفت عن ان السعودية ومصر والامارات هم من قاموا بهذه المهمة، أما البرهان فقال ان اللقاء تم بجهود أمريكية. في حين أبرزت وسائل الاعلام الإسرائيلية ان اللقاء تم بمبادرة الرئيس الاوغندي، الذي لم يخفِ رغبته في نقل سفارة بلاده من تل ابيب الى القدس!!

ويبدو ان اللقاء تم بطَلَبٍ من نتنياهو، الذي أقنع إدارة ترامب بضرورة عقد مثل هذا اللقاء وان إدارة ترامب، التي لا ترفض طلبًا لنتنياهو، بادرت الى إقناع البرهان بأهمية عقد مثل هذا اللقاء، كما استعانت بأعوانها "المخلصين" مثل السعودية والامارات ومصر لترسيخ عزيمة البرهان على الإلتقاء بنتنياهو. واوعزت هذه الإدارة، في الوقت ذاته، للرئيس الاوغندي باحتضان اللقاء. قد يرى البعض في هذه التحركات عملا دبلوماسيًا بحتًا، لكن الحقيقة هي ان هذه ضغوط ومحاولات ابتزاز بائسة مارستها كل الإدارات الامريكية وتمارسها اليوم بكل صلف إدارة ترامب غير آبهة بمصير هذا الزعيم او ذلك الشعب.

ما أراده نتنياهو من هذا اللقاء هو التأكيد على ان القرارات العربية والإسلامية والدولية ليست ذات قيمة سياسية وان قرارات عربية وإسلامية وافريقية وأممية كثيرة اتخذت في الماضي وبقيت حبرًا على ورق. اما الامر الثاني الذي أراده نتنياهو فهو تقديم البرهان للشعب في إسرائيل بان ما يفاخر به يوميًا عن عمق واتساع التطبيع مع الدول العربية هو حقيقة لا يمكن التشكيك فيها. والامر الثالث والاهم هو الاجماع العربي على رفض صفقة القرن لا يعني بالضرورة فشلها او سقوطها.   

فنتنياهو المأزوم يفتش مثل "الاعمى في العتمة" عن أي مكسب او انجاز يُمكنه من البقاء في الحكم ويقيه عتمات السجون. وهنا يطرح السؤال نفسه لماذا وقع الخيار على البرهان بالذات؟

لقد تمكن حكام إسرائيل ونتنياهو اليوم وبمساعدة الإدارة الامريكية من بناء علاقات سرية وطيدة مع السعودية والامارات العربية والبحرين وعمان وقطر عدا عن اتفاقيات الصلح الموقعة مع مصر والأردن ومن مصلحة نتنياهو ومصلحة قادة هذه الدول إبقاء هذه العلاقات سرية. خاصة انهم باستثناء قطر في تحالف عسكري ضد إيران ويلتقون في السر أكثر ما في العلن. وان اللقاء العلني مع هؤلاء القادة اليوم لن يحدث اية مفاجأة. لذلك وقع الخيار على السودان، الذي ما زال يضمد جِراحَه بعد عشرات السنين من حكم الاخوان الاستبدادي، الذي دمَّرَ الاقتصاد وجَوَّع الشعب وعرض سيادة السودان للمهانة والاذلال وجعل السودان قاعدة استخباراتية عسكرية وبعد انتفاضة شعبية عارمة استمرت أشهر طويلة واطاحت بنظام الدكتاتور عمر البشر. وواقع ان المجلس السيادي الانتقالي لم يتمكن بعد من تحقيق أي نقلة في مواجهة مخلفات النظام البائد فالبطالة تزايد عن 20% وبين الشباب، الذين يشكلون أكثر من نصف السكان، تصل الى 27% وان ديون السودان الخارجية تفوق 50 مليار دولار وان أكثر من نصف السكان على حافة الفقر او على حافة القبر!!  

ويتوهم المجلس السيادي الانتقالي ان الخروج من هذا الوضع هو عن طريق الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، اللذين يخضعان للسياسة الامريكية، وكذلك الحصول على مساعدات من السعودية والامارات العربية كما يسعى لرفع اسمه من لائحة الإرهاب الأمريكية. وتصريح البرهان: "اللقاء تم بقناعتي الشخصية لأهمية طرق كافة الأبواب من أجل مصلحة الشعب السوداني والنهوض بالدولة "، يؤكد صحة ما ذكر. 

وكون السودان يمتلك الأراضي الخصبة الشاسعة، التي بمقدورها ان توفر السلة الغذائية للعالم العربي بمجمله وكذلك يمتلك الثروات المائية والنفطية، أضافة الى موقعه في قلب القارة الافريقية وعلى مجرى النيل صار هدفًا لأطماع إسرائيل، الامر الذي قد يساعدها في تحقيق المزيد من التمدد في أفريقيا وكسر عزلتها في هذه القارة.

ويبدو ان هذا اللقاء استهدف أيضًا اختبار آخر للمجلس السيادي الانتقالي في السودان على مدى التزامه في تصريحاته بشأن العلاقة مع أمريكا والسعودية والامارات ومصر، بعد تصريح رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، بعدم انسحاب بلاده من تحالف العدوان بقيادة السعودية واستمرار الجيش السوداني في القتال في اليمن. وكان السودان، في عهد الطاغية البشير، دخل في حرب اليمن الى جانب تحالف العدوان بوهم الدعم الاقتصادي ورفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عنه.

ويغيب عن بال المسؤولين السودانيين اليوم ان القروض والمساعدات قد لا تجدي نفعًا في الإصلاح الاقتصادي في ظل استمرار فلول النظام البائد في أجهزة السلطة الاقتصادية والبنوك وفي ظل تفشي البطالة وغياب الإنتاج الصناعي والزراعي وفي ظل المزيد من الارتماء في أحضان محور الشر، الذي يستهدف اجهاض ثورة الشعب السوداني قبل أن تصل عدواها الى دول عربية او افريقية. 

فإصلاح الوضع الاقتصادي يتطلب الإصلاح السياسي أولا من أجل القضاء على منظومة الفساد التي لا تصلح معها أية معالجات بعد ان ترسخت على مدار عقود من الزمن. كما ينبغي عدم تغيب حقيقة ان رسالة الولايات المتحدة ليست المحاربة من اجل حقوق الانسان حول العالم وانما الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والدفاع عن حلفائها من أنظمة رجعية خائنة لمصالح شعوبها وبشكل خاص عن أمن إسرائيل. وهنا لا بد من الإشارة الى اختطاف ثورة الشعب المصري وإعادة انتاج نظام دكتاتوري فاسد قد يزيد طغيانًا عن نظام الرئيس المخلوع مبارك. فالقوى التي دعمت هذا التحول لا تزال قائمة وهي أكثر نشاطًا واستعدادًا وأكثر عدوانية وابتزازًا. لذلك على القادة الجدد في السودان وعلى قوى الثورة ان يتعظوا.

لكن ما يثلج الصدر موقف قوى الثورة السودانية قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين والحزب الشيوعي الذين دانوا هذا اللقاء واعتبروه خيانة وطعنة في الظهر وأكدوا انه لا يمت باي صلة لتقاليد ونضال الشعب السوداني ضد الامبريالية والصهيونية وموقفه الواضح من نضال الشعب الفلسطيني من اجل حقوقه العادلة وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.

 

//ص

متظاهرون سودانيون ضد اللقاء - قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين والحزب الشيوعي دانوا اللقاء واعتبروه خيانة

أخبار ذات صلة