news-details

الداعم الجارف للمشتركة دفاعًا عن البقاء

ما حققته الجماهير العربية في الانتخابات الاخيرة للكنيست هو إنجاز غير مسبوق ومؤشر على مستقبل قد يكون أكثر تفاؤلا، وذلك على الرغم من تكالب كل الاحزاب الصهيونية على الصوت العربي وعلى الرغم من ارتفاع منسوب التحريض العنصري السافر على الجماهير العربية وقياداتها وعلى الرغم من التحركات الخفية لأجهزة المؤسسة الحاكمة واغداقها الوعود الانتخابية والاستعانة بالسماسرة بهدف ابتزاز الاصوات العربية. إضافة الى أمتناع فئة غير قليلة من المجتمع العربي عن التصويت لأسباب ضميرية، بالنسبة لي غير مبررة كوننا نحارب على بقائنا اعزاء في هذا الوطن، الذي لا وطن لنا سواه! 

في أقل من سنة على انتخابات نيسان للكنيست الـ21 ضاعفت القائمة المشتركة أصواتها ومقاعدها في الكنيست وحصدت تأييد 87,2% من اصوات المجتمع العربي ومثل هذه النسبة من التأييد لم يحصل عليها أكبر حزبين في البلاد، الليكود و"كحول لفان" مجتمعين. كما انها ضاعفت بمرات عديدة أصواتها في البلدات العربية الدرزية وكذلك ضاعفت عدد اصواتها في المجتمع اليهودي. وان كل صوت حصلت عليه القائمة المشتركة هو صوت صحيح ونظيف ويعبر بكل صدق وأمانة عن موقف صاحبه ويعكس مدى نزاهة الانتخابات في المجتمع العربي. كما يعكس هذا التأييد الجارف سخافة وحماقة التحريض العنصري الأرعن على أعضاء الكنيست العرب وعلى الجماهير العربية بشكل عام، الذي يقوده، بكل صلافة، زعيم العنصريين نتنياهو، الذي لم يتورع عن احتضان أيتام العنصري المأفون مئير كهانا، والذي انساق اليه أيضًا من يطرح نفسه بديلا لنتنياهو تحالف "كحول لفان" وباقي الاحزاب الصهيونية بمختلف مسمياتها.

وفي مثل هذه الاجواء العنصرية للمعركة الانتخابية تمكنت المشتركة من تحقيق نصر مشهودٍ لم يحققه أي حزب اخر فما هو السبب؟ 

من الواضح ان جميع الاحزاب الصهيونية التي خاضت المعركة الانتخابية لم تطرح برامج واضحة أمام الناخبين واعتمدت دعاية تحريض رخيصة دون تطرح الحلول للقضايا المصيرية فالليكود مثلا ركز في دعايته على الدفاع عن نتنياهو المتهم بالفساد وكأنه يبرر هذا الفساد دون غضاضة ويسوق بتفاخر كبير، تغطية على ذلك، ما حققه نتنياهو من "إنجازات"، خاصة توطيد العلاقات مع الإدارة الامريكية بزعامة ترامب وصفقة القرن لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني واتساع عملية التطبيع مع الدول العربية المرتهنة للإمبريالية. هذا في حين ان تحالف كحول لفان، بزعامة الجنرالات والذي يطرح نفسه البديل لنتنياهو، فركز دعايته على محاولة كسب اوساط من اليمين عن طريق التحريض على شخص نتنياهو والمزاودة على مواقفه العنصرية والاستيطانية من خلال القبول بصفقة القرن والإعلان عن ضم الاغوار الفلسطينية للسيادة  الاسرائيلية وعدم الاعتماد على تأييد النواب العرب لحكومة قد يشكلها. اما تحالف العمل وغيشروميرتس فانساق وراء "كحول لفان" وكأنه هو البديل الحقيقي لنتنياهو، مبتعدًا عن ما كان يسمى بـ"حمائمية" حزب العمل ومبتعدًا عن مواقف ميرتس"اليسارية". اما احزاب اليمين المتدين واليمين الاستيطاني ، فربطت مصائرها ببقاء نتيناهو في الحكم وبدونه لا مكان لها في الحكومة ولن تكون قادرة على الابتزاز. ففساد هذه الاحزاب يلتقي مع ما يواجه نتنياهو من تهم، "طنجرة ولاقت غطاها" – كما يقول مثلنا العربي.

اما المؤسف في هذه الانتخابات هو نجاح العنصري ليبرمان في تخطي نسبة الحسم والبقاء بيضة القبان رغم انه كان مُشرِفًا على السقوط بعد التراجع الكبير له في جميع البلدات العربية بدون استثناء. لان كل ما يطرحه عنصري ويستهدف بالأساس الجماهير العربية ، فهو صاحب فكرة الترانسفير لأهالي المثلث وهو صاحب فكرة إعدام الاسرى الفلسطينيين عدا عنه لا يفوتُهُ لحظة للتحريض على الجماهير العربية. 

وفي خضم هذا التطاحن بين الاحزاب الصهيونية نحو اليمين والعنصرية ومواصلة الاحتلال وتوسيع الاستيطان ومحاولات القضاء على الحقوق الفلسطينية ومواصلة التحريض العنصري ضد الجماهير العربية ومحاولة اقتلاعها من وطنها تطرح القائمة المشركة برنامجًا واضحًا وواقعيًا ومقبولًا على جميع فئات شعبنا وعلى اوساط آخدةٍ في الاتساع في المجتمع اليهودي ولا يتناقض مع الشرعية الدولية وتؤيده الأكثرية الساحقة من دول العالم لإحلال السلام في المنطقة وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الى جانب دولة إسرائيل وعودة اللاجئين الفلسطينيين واحترام حقوق الاقلية العربية في إسرائيل القومية واليومية وتحقيق المساواة لكافة المواطنين والعمل على حل جذري للمشاكل التي تواجه المجتمع العربي وفي مقدمتها العنف والجريمة وهدم المنازل العربية وتوسيع مسطحات البلدات والمدن العربية وحل مشاكل التعليم العربي.

 فهذا البرنامج، الذي يكسب تأييد شبه مطلق من الجماهير العربية ليس لأنه يعبر فقط عن رغبة هذه الجماهير بل لأنه يحمي هذه الجماهير من مخاطر منتظرة تتربص بها وفي مقدمتها الاقتلاع من الوطن.

وهذا ما يحمل القائمة المشتركة وقيادات الجماهير العربية مسؤولية مضاعفة تجاه المستقبل في هذه البلاد. وحقيقة ان ما تطمح له الجماهير العربية مقبول ومشروع كونه من ابسط حقوق المواطنة، يسهل الى حد كبير المهمة. وما على القائمة المشتركة وقيادات شعبنا سوى استثمار هذا الدعم الجارف لجماهيرنا في الكفاح اليومي البرلماني والشعبي. وانخراط جماهيرنا في النضال الشعبي من شأنه ان يفضح المخططات السلطوية ضدها ومن شأنه أيضًا ان يفولِذَ إرادة هذه الجماهير ويمكنها من إفشال كل المكائد التي تتبرص بها.

والجديد في الامر في هذه الانتخابات هو زيادة ملحوظة في دعم اوساط في المجتمع اليهودي للقائمة المشتركة وخاصة في جفعتايموهيرتسليا ورعنانا ورماتهشارون، اذ زادت نسبة التصويت للمشتركة في هذه المدن الى  أكثر من الضعف وفي تل ابيب-يافا حصدت المشتركة 2964 صوت زيادة عن انتخابات الكنيست في أيلول الماضي ومن الواضح ان ضمن هذه الزيادة هناك أصوات من المجتمع اليهودي أيضًا، وعلى الرغم من ضآلة هذه الاصوات الا ان هناك نزعة تبشر بالتفاؤل وعلينا تعميق هذا التطور واستثماره في النضال من أجل السلام العادل القائم على احترام حقوق الشعوب وفي المعارك دفاعًا عن حقوقنا في هذا الوطن. فوحدة جماهيرنا مدعومة بالقوى الديمقراطية اليهودية هو ما يرعب الاحزاب الصهيونية التي ناصبتنا العداء العنصري منذ نكبة شعبنا وحتى يومنا هذا.

أخبار ذات صلة