news-details

كوبا وفنزويلا ستبقيان شوكة في حلق حكّام امريكا

 

صلاح دباجة

 

يبدو انه ليس هناك ما يردع جموح الإدارة الأمريكية بزعامة اليميني المتطرف والسمسار ترامب عن مواصلة تنفيذ مخططاتها العدوانية ضد الدول ذات السيادة حول العالم. لا روادع إنسانية ولا روادع أخلاقية ودون أي اعتبار لما قد تنطوي عليه هذه العدوانية من أخطار ومآسٍ على شعوب هذه الدول او على الأمن والاستقرار في هذا العالم. وكل ذلك بهدف واحد وحيد هو الهيمنة لابتزاز ونهب ثروات هذه الشعوب. بلطجية بكل معنى الكلمة والبلطجي لا يأبه مرة لنتائج افعاله.

وفي هذا السياق طلع علينا المبعوث الأمريكي للشأن الفنزويلي، إليوت أبرامز، أمس الأول الأربعاء، بنبأ ان فنزويلا وكوبا تتعمدان إثارة الفتنة في أمريكا الجنوبية وتذكيان الاحتجاجات في العديد من دولها!! ويضيف ان كراكاس وهافانا استخدمتا وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها لإثارة الإضطرابات!! ولتشديد مزاعمه ادعى أن حكومة كولومبيا، حليفة ادارة الولايات المتحدة، طردت مؤخرا 59 فنزويليا لمشاركتهم في تظاهرات حاشدة ضد الرئيس اليميني إيفان دوكي. و"شوّط" زاعما ان الكوبيين قاموا بتمويل الاحتجاجات ضد الرئيسة اليمينية بالإنابة في بوليفيا بعد الانقلاب على الرئيس اليساري إيفو موراليس. وقال بصريح العبارة ان الولايات المتحدة متمسكة بموقفها الرافض لبقاء الرئيس الفنزويلي في السلطة.

خطورة هذه التهديدات وجديتها انها تأتي من أبرامز، الدبلوماسي الأمريكي الكبير من أيام الرئيس ريغن وحتى اليوم، فهو "بطل" فضيحة "إيران كونترا" عندما باعت إدارة ريغن أسلحة لإيران وحولت عائدات هذه الصفقة، بشكل غير قانوني، لمتمردي الكونترا في نيكاراغوا وادين في هذه القضية. وهو أكبر المناصرين للاحتلال الاسرائيلي وضد السلام العادل مع الفلسطينيين. وكان من أشد المتحمسين لغزو العراق. وهو من يسعى الى تحول لبنان من بلد مؤيد لحقوق الفلسطينيين وملتف حول المقاومة الى بلد تعمه الفوضى وتحقيقًا لذلك قام بزيارات مكوكية "لأصدقائه" اللبنانيين. وأينما تواجد هذا الدبلوماسي كانت تقع دائمًا المصائب والمآسي. كما ان هذه التهديدات تتزامن مع اتهامات مسؤولين أمريكيين لفنزويلا بالتورط في التظاهرات التي هزت الإكوادور وتشيلي أيضًا.

الإدارة الامريكية لا تريد التسليم بحقيقة انها فشلت حتى الان فشلًا ذريعًا في حربها لإسقاط النظام التقدمي في فنزويلا، لا من خلال انقلاب رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو وتنصيب نفسه رئيسًا للبلاد بدلًا من الرئيس الشرعي وبدعم من الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية دون أي مسوغ شرعي. ولا من خلال المحاولة الانقلابية البائسة والفاشلة داخل الجيش ولا من خلال العقوبات الامريكية المجرمة على فنزويلا بهدف تجويع الشعب وحمله على الإطاحة بالنظام. والحال كذلك بالنسبة لكوبا. فالعداء لهذه الدولة الحرّة المشرقة يمتد من أواخر خمسينات القرن الماضي ولم تتمكن جميع الإدارات الامريكية المتعاقبة رغم محاولاتها المحمومة والمتكررة منذ ذلك التاريخ ان تغير مجرى التطورات في هذا البلد.

ان اتهام إدارة ترامب لفنزويلا وكوبا بانهما تشجعان المحتجين في هذه الدول على مواصلة وتصعيد الاحتجاج ما هو الا محاولة سخيفة لصرف الأنظار عن السياسة الامريكية، سياسة النهب والابتزاز التي أوصلت هذه الشعوب الى هذه الحالة من البؤس وتدهور الخدمات والتي أعطت الحماية المطلقة لأنظمة فاسدة على مدار عقود من الزمن.

يبدو انه بعد نجاح الانقلاب على الرئيس اليساري في بوليفيا، ايفو موراليس، وسطو نائبة رئيس البرلمان اليمينية، جانين أنيز، على منصب الرئيس مؤقتًا، شجع بعض الرؤوس الحامية في البيت الأبيض على المحاولة مجددًا للقضاء على النظام التقدمي في فنزويلا واذا ما نجح ذلك سيقود الى النجاح في انهاء النظام الشيوعي في كوبا وإعادة قارة أمريكية اللاتينية الى بوابة خلفية للولايات المتحدة.

لكن كل ذلك مجرد أوهام لان ما يجري اليوم في العديد من دول أمريكا اللاتينية، مثل تشيلي وكولومبيا والاكوادور وهندوراس وجميع هذه الدول أنظمتها مرتهنة للسياسة الامريكية، من احتجاجات تزداد عنفوانًا وعزمًا يوما بعد يوم على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بسبب فساد هذه الأنظمة. هذه الاحتجاجات لا تختلف في جوهرها عما تشهده لبنان والعراق والجزائر والسودان. وهي بمجملها تراكم للاستياء والغضب الشعبي على مدار عشرات السنيين ضد أنظمة حكم فاسدة مبتزة انصاعت لأوامر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين تتحكم بهما الولايات المتحدة، لن تهدأ ولن تتوقف الا بتحقيق أهدافها وبخلع هذه الأنظمة العفنة والمرتهنة للسياسة الامريكية، خاصة وان مئات المحتجين سقطوا قتلى في ساحات الاحتجاج في كل هذه الدول وأصيب عشرات الآلاف برصاص القوى الأمنية التي تحمي هذه الانظمة.

يبدو ان المشهد المستقبلي في أمريكا اللاتينية وفي الشرق الأوسط سيكون مغايرًا لما تخطط له أمريكا على ضوء استمرار تعاظم هذه الاحتجاجات، وصحة ووضوح الشعارات والمطالب التي ترفعها في مقابل التراجع المتواصل للزمر الحاكمة في هذه الدول.  

وإن ما حققته السياسة الامريكية من نجاح كارثي في حرف العديد من ثورات الربيع العربي عن مسارها الطبيعي، المسار الذي كان ينادي به المحتجون، لن يتكرر اليوم، امكانياتها قد تكون محدودة او معدومة لأنه افتضح أمرها وانكشفت حقيقة أهدافها – بالنسبة للشعوب الواعية!  

 

//ص

طالب كوبي يرتدي قميصا كتب عليه: "فيدل، ضد الإمبرالية"، في الذكرى الثالثة لرحيل القائد كاسترو، 26 تشرين الثاني (رويترز)

أخبار ذات صلة