news-details

"أحد نتنياهو" الذي لم يأت بعد

برهوم جرايسي //تحليل اخباري

أعلن نتنياهو قبل 10 أيام أنه سيعيد كتاب التكليف بعد يومين، وحتى اللحظة لم يفعل *هذا انعكاس لحقيقة أن المحركات الحزبية هي حسابات شخصية أكثر من سياسية، وبالأخص، لأصحاب مصالح عليا، تحرك بخيطانها ساسة إسرائيل، حتى غابت كل المقاييس السياسية والحزبية التقليدية

أعلن محيط بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة 27 أيلول، أنه سيجري محاولة أخيرة، مع رئيس تحالف كحول لفان، بيني غانتس، في محاولة لكسر الجمود، حسب وصفهم، وإذا لم تنفع المحاولة، فإنه سيعيد كتاب التكليف يوم الأحد 29 أيلول. وظهر هذا في حينه بمنتهى الجديّة، حتى أربك المحللين والساسة. إلا أن نتنياهو لم يفعل، لا يوم الأحد، ولا الأحد الذي تلاه. ولأنه لم يعد شيء مستغربا، فلربما يفعل هذا، قبل أن يصل هذا الكلام الى النشر.

والحالة الضبابية التي تشهدها الساحة السياسية الإسرائيلية، تعود أساسا الى أن مراكز القرار في الأحزاب والتحالفات السياسية، لم تعد كما كانت، حتى قبل عقدين وأكثر من الزمن، حينما كانت للأحزاب الكبرى، وحتى قسم من الصغرى، مؤسسات واضحة، تعد مرجعية لمنتخبي الجمهور. فسطوة حيتان المال تدريجيا على الأحزاب، ابتداء من منتصف سنوات التسعين، من القرن الماضي، غيّرت مفهوم الأحزاب التي تدور في فلك الحكم، وبشكل خاص الساسة الذين يحلّقون حول رأس الهرم الحاكم.

وحيتان المال لم تأت بنتنياهو وحده، بل أيضا بإيهود باراك في العام 1999، وبأريئيل شارون في العام 2001، وبحزب كديما وإيهود أولمرت، في العام 2006، ولكنها استقرت على الخادم الأكبر، بنيامين نتنياهو، الذي عمّق تغلغل كبار حيتان المال في أروقة الحكم، وانتهج سياسات اقتصادية غاية في الشراسة لخدمتهم، وساعدهم بقدر كبيرة، على إحكام سيطرتهم الكلية على وسائل إعلام مركزية كبرى، وأيضا على معاهد استطلاعات، وكل هذا من أجل اختلاق رأي عام ملائم لكل واحدة من القضايا المطروحة.

وبطبيعة الحال، فإن "بحر السياسة" كبير، وقطعان الحيتان متعددة، لذا سنجد حيتانا أخرى متضررة من شخص نتنياهو وحكمه، تدعم منافسيه. ولكنهم في نهاية المطاف سيؤدون ذات الدور والأدوار. 

وهذا المشهد الذي نعرضه بإيجاز شديد، يُراد منه القول، إن المحركات الأساسية لساسة إسرائيل، تبقى خفية، تتحرك من وراء الكواليس خدمة لمصالحها، تظهر على الرأي العام، من خلال رُسُل من قبلهم، على شكل "مستشاري إعلام وسياسة". وبحث جدي آخر، سيُظهر أن فاتورة هؤلاء "المستشارين" يسددها كبار أصحاب المصالح، والمخفي في كل هذا سيبقى أكبر مما نسمع عنه ونراه.

حتى الآن، من الصعب رؤية إسرائيل تتجه لانتخابات ثالثة، رغم أنها خيار ليس مستحيلا على ضوء ما نراه من تمترس في المواقف، بين الكتلتين الأكبرين. ونحن أمام العديد من السيناريوهات، التي ستمنع انتخابات ثالثة، في حال لم تتشكل الحكومة. 

وأولها، تأزيم المشهد السياسي، وأن يطلب نتنياهو التمديد لـ 14 يوما، بعد انتهاء مدة التكليف الأولى، 28 يوما، وخلق رأي عام ضاغط يطالب بإقامة حكومة وحدة واسعة، وإن فشلت، فسيظهر "المخلص" بشخص أفيغدور ليبرمان، ليقيم حكومة ترتكز على 63 نائبا.

ويبقى هذا أقوى من السيناريو الثاني، الذي مصلحة بنيامين نتنياهو إفشاله كليا، وهو إعادة التكليف لرئيس الدولة، الذي قد يلقي بالتكليف على رئيس تحالف كحلو لفان، بيني غانتس؛ والذي من المستحيل أن ينجح في تشكيل حكومة، استنادا الى أن القائمة المشتركة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون جزءا منها، ولا أن تكون "شبكة أمان" خارجية لحكومة يشارك فيها أفيغدور ليبرمان، وأمثاله في داخل كتلة "كحول لفان". وهذا رفض متبادل بطبيعة الحال.

وأمام معادلة كهذه، فإن غانتس سيكون بحاجة لمشاركة الليكود، أو لكتلتي الحريديم، وهذا ما لا يمكن رؤيته، خاصة إذا كان ليبرمان وحزبه في الحكومة.

ما يعني أن السيناريو الثاني قريب للمستحيل. ويبقى سيناريو ثالث، هو أيضا لن يسمح به نتنياهو، وهو أن يختار الليكود شخصية أخرى غير نتنياهو لتشكيل الحكومة المقبلة. فهذا ليس بالأمر السهل، بل سيحتاج لوقت، كما أنه لا توجد، حتى الآن، بعد نتنياهو، شخصية قادرة على توحيد كتلة "الليكود"، لأن المنافسين على "التاج" كُثر في الليكود، ولكن لا شخصية منها لديها تلك الكاريزما، القادرة على توحيد تحالف اليمين الاستيطاني.

تنشغل إسرائيل في هذه الأيام، بالأعياد العبرية، ومن الصعب أن تكون الصورة واضحة، قبل انتهاء عيد العرش العبري، الذي يتبع يوم الغفران، الذي يمتد بين يومي الثلاثاء والأربعاء، من هذا الأسبوع، ما يعني أن مسألة انتخابات ثالثة أو عدمها ستكون أوضح تدريجيا ابتداء من يوم 21 تشرين الأول الجاري.

أخبار ذات صلة