شهدت إسرائيل خلال العامين الأخيرين قفزة غير مسبوقة في حجم المساعدات العسكرية الأميركية، لكن حتى في السنوات العادية تعتمد إسرائيل على الولايات المتحدة لتمويل نحو 20% من حاجاتها العسكرية، ما يتيح للجيش الاستمرار في التسلّح والتجديد، كما أشار تقرير مطوّل نشرته "هآرتس". مع ذلك، يقدّر كاتب التقرير عوديد يرون أن هناك صعوبات قادمة في هذا المجال. فاتفاق المساعدات الأميركي الحالي، الذي منح إسرائيل 38 مليار دولار خلال عقد (2019–2028)، سينتهي بعد عامين، فيما بدأت مفاوضات أولية بين الطرفين لبلورة اتفاق جديد. لكن بخلاف الماضي، تبدو نقطة الانطلاق التفاوضية الإسرائيلية أقل قوة، في ظل تغييرات عميقة في المزاج السياسي الأميركي: انتقادات واسعة من الجانب الديمقراطي الأمريكي بسبب الحرب في غزة، وتوجّهات انعزالية يمينية أمريكية تعتبر إسرائيل عبئًا سياسيًا واقتصاديًا، وصولًا لجماعات يمينية متطرّفة تمزج هذه المعارضة بمواقف معادية لليهود. ويضيف أن الرئيس ترامب أيضًا يعبّر عن تململ من حجم المساعدات، رغم دعمه العمليات العسكرية ضد إيران. فقد اتجه مؤخرًا لتعزيز علاقات الأمن والاقتصاد مع دول الخليج، ووافق على بيع طائرات F-35 للسعودية، وهو قرار يثير قلقًا إسرائيليًا لأن الطائرة تشمل قدرات حسّاسة طُوّرت في إسرائيل. هذا التحول، إضافة إلى تقارب إدارة ترامب مع تركيا والخليج، يثير مخاوف إسرائيلية بشأن التزام واشنطن التقليدي بمبدأ “التفوّق العسكري النوعي” لإسرائيل. تاريخيًا، وفقًا للتقرير، ارتفع حجم المساعدات بثبات: 1.8 مليار دولار سنويًا قبل 1998، ثم 2.4 مليار في 2008، و3.1 مليارات بين 2013–2018، وصولًا إلى 3.8 مليارات وفق الاتفاق الحالي. لكن الحرب غيّرت المعادلة جذريًا؛ فبحسب الكونغرس وجامعة براون، قدمت واشنطن لإسرائيل نحو 32 مليار دولار خلال السنتين الأخيرتين، بينها 21.7 مليار ضمن الدعم العسكري المباشر، إضافة إلى حزمة خاصة أُقرّت في 2024 بقيمة 26 مليار دولار، منها 4 مليارات لاعتراضات “القبة الحديدية” و1.2 مليار لمنظومة الليزر "أور إيتان". ومعظم الأموال مخصّصة لشراء معدات أميركية الصنع، إذ ستتوقف تمامًا بحلول 2028 أي إمكانية لاستخدام أموال المساعدة لشراء منتجات من الصناعات العسكرية الإسرائيلية. هذا الاعتماد أثار على مدى عقود أسئلة حول تأثير المساعدات على حرية القرار الإسرائيلي. بالفعل، استخدمت واشنطن نفوذها لإلغاء مشروع “اللافي” في الثمانينيات، ومنعت صفقة “الفالكون” للصين في التسعينيات، وفرضت قيودًا على تصدير طائرات “هاربي” منتصف الألفية، ما أدى في النهاية لوضع قانون مراقبة التصدير الدفاعي عام 2007. ويشير الصحفي إلى أنه في حرب غزة الأخيرة، بقي الضغط الأميركي على إسرائيل محدودًا، باستثناء تجميد إدارة بايدن لشحنة واحدة من القنابل الثقيلة، وهو قرار ألغاه ترامب فور دخوله البيت الأبيض. وقد لوّح ترامب بخطوطه الحمراء بعد عملية الاغتيال في قطر، من دون ربط مباشر بالمساعدات. ورغم خطاب نتنياهو المتكرّر حول “الاعتماد على الذات” وضرورة “الفطام” عن المساعدات الأميركية، فإن أي تقليص فعلي سيشكّل ضربة قاسية للصناعات الدفاعية الإسرائيلية التي تعتمد على التصدير والدعم الأميركي. فقد كشفت صفقة أسلحة مقترحة في أيلول 2024—بقيمة 6.4 مليارات دولار تشمل مروحيات أباتشي ومدرعات JLTV—مدى اعتماد الجيش الإسرائيلي على الموردين الأميركيين في القطاعات الاستراتيجية كافة، من الطائرات إلى الدروع وأنظمة الدفاع الجوي. ويضيف أنه حتى في مجال الدفاع الصاروخي، موّلت الولايات المتحدة نحو 3.4 مليارات دولار منذ 2011، بينها 1.3 مليار لـ“القبة الحديدية”، إضافة إلى تمكين إسرائيل من شراء آلاف القنابل الموجهة قبيل الهجمات على إيران وتزويد مخزونها مجددًا. كما تُستخدم مليارات إضافية من أموال الدعم في مشاريع بنى تحتية عسكرية ضخمة داخل إسرائيل، تشمل قواعد جوية، منشآت تحت الأرض، مسارات إقلاع جديدة، وبناء بنى محصّنة للطائرات والمروحيات، ضمن خطط مستقبلية تتجاوز مليار دولار.