news-details

الانتخابات الإسرائيلية: منافسة شرسة في أوساط معسكر اليمين الاستيطاني المتطرف بمشاركة الليكود | برهوم جرايسي

بدأت ترتسم شيئا فشيئا أبرز المعالم المتوقعة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، التي ستجري في مطلع تشرين الثاني المقبل، حتى في فترة إعداد القوائم الانتخابية، التي ستنتهي مع تقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية في منتصف شهر أيلول المقبل. ففي حين رأينا في الجولات الانتخابية الأربع السابقة في السنوات الثلاث الأخيرة، سعيا لضمان تمثيل برلماني للحركة المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة قانونيا، فإن هذه الحركة ("قوة يهودية") تظهر في حملة الانتخابات الجارية كلاعب تريد فرض سيطرتها على الشريك، وفي ذات الوقت سنشهد منافسة شديدة بين ثلاث قوائم، إذا لم تكن أربع، بضمنها الليكود، على معاقل اليمين الاستيطاني الأشد تطرفا، ومعه التيار الديني الصهيوني.

وكي نضع الأمور في نصابها من حيث الأعداد والإحصائيات المُجرّدة، فإن معسكر اليمين الاستيطاني الأشد تطرفا، ليس بهذه القوة التي تضمن الكثير من المقاعد البرلمانية، وهذا ما ثبت لنا في نتائج الانتخابات المتقلبة، في الجولات الأربع السابقة، التي تعددت أسماء القوائم فيها، بين تحالفات وانشقاقات.

وبحسب التقدير، فإن هذا الجمهور تتراوح قوته ما بين ثلاثة إلى أربعة مقاعد، وليست كلها تصب في ذات القائمة، رغم أن هذا الجمهور بغالبيته، يصوت لقائمة "قوة يهودية"، بزعامة النائب إيتمار بن غفير، المنبثقة عن حركة "كاخ" السابق ذكرها.

فعلى سبيل المثال، في انتخابات أيلول 2019، حصلت هذه القائمة منفردة، على أكثر بقليل من 83 ألف صوت، وشكّلت 60% من الأصوات المطلوبة لاجتياز نسبة الحسم، وحرقت بالتالي مقعدين لهذا المعسكر. وفي الانتخابات التالية، في آذار 2020، حصلت ذات القائمة على أقل من 20 ألف صوت، بعد أن هرب منها مصوتون، لأنه كان واضحا أنها لن تعبر نسبة الحسم، لكن هذا جمهور موجود.

بالإمكان القول، بتعبير مجازي، إن "الأب الراعي" لهذه الحركة، في الجولات الأربع الماضية، كان بنيامين نتنياهو، الذي سعى لضمان تمثيل هذه الحركة برلمانيا، رغم أن حركتها الأم محظورة في العديد من دول العالم، وكان نتنياهو يتذرع بسعيه لعدم حرق أصوات اليمين الاستيطاني.

في انتخابات آذار 2021، تحالفت حركة "قوة يهودية" مع حركة "الصهيونية الدينية"، وحقق التحالف 6 مقاعد، منها مقعدان لقائمة "قوة يهودية"؛ لكن على أرض الواقع فإن لهذه الكتلة البرلمانية نائبا سابعا، تم ادراجه ضمن قائمة الليكود، في إطار اتفاق بين الجانبين، كي يضمن نتنياهو تحالف الحركتين في قائمة انتخابية واحدة؛ وكان هذا دلالة أخرى على عمق العلاقة بين نتنياهو واليمين الأشد تطرفا.

رغم أن هذه قوة ليست كبيرة، إلا أن ما يميز اليمين الأشد تطرفا، أنه صاحب الصوت العالي، ويعكس نفسه على أجزاء من التيار الديني الصهيوني، وحتى هناك من المحللين الإسرائيليين من يدعي أن حركة "قوة يهودية" تتوغل في جمهور المتدينين المتزمتين الحريديم، إلا أن هذه مقولة مبالغ بها، وأثبتنا هذا بتحليل تفصيلي لنتائج انتخابات آذار 2021، في معاقل الحريديم، خاصة في المستوطنات.

وبناء عليه، فإن الحديث هنا سيكون ليس فقط عن هذا الجمهور الأشد تطرفا، وإنما معه جمهور التيار الديني الصهيوني، وبغالبيته يميني استيطاني، وهو قوة انتخابية آخذة بالتمدد، وتقدر نسبة أصحاب ذوي حق الاقتراع فيه، من إجمالي سجل الناخبين، بما بين 12% إلى 13%، لكن نسبة التصويت العالية لديهم (تتجاوز 85%) ترفع نسبتهم من بين من مارسوا حق التصويت.

وبناء عليه، مع الأخذ بعين الاعتبار نسبة التصويت العالية لديهم، فإن القوة البرلمانية الإجمالية للتيار الديني الصهيوني، بما يشمل الأشد تطرفا فيه، تعادل ما بين 18 إلى 19 مقعدا، غالبيتهم الساحقة جدا تتجه إلى قوائم اليمين واليمين الاستيطاني، وبضمنه الليكود.

في الأيام الأخيرة، تتزايد التقارير حول صراع على تشكيل قائمة "الصهيونية الدينية" مع "قوة يهودية"، في حين تسعى قائمة "يمينا" إلى ضمان اجتياز نسبة الحسم، بعد أن ترك "قبطان الحزب"، نفتالي بينيت، سفينته، وهي آيلة للغرق.

وكذا بالنسبة لليكود، الذي اهتم بشكل خاص منذ انتخابات 2015 ولاحقا بزيادة عدد نوابه المتدينين، وهو ينافس حلفاءه على أصوات التيار الديني الصهيوني.

"الصهيونية الدينية" و"قوة يهودية"

كما ذكرنا سابقا هنا، فإن هذا التحالف الذي أبرم تمهيدا لانتخابات آذار 2021، السابقة، وبضغط وتدخل مباشر من بنيامين نتنياهو، كانت كتلته البرلمانية التي أفرزتها الانتخابات، تضم 4 نواب لحركة "الصهيونية الدينية"، بزعامة بتسلئيل سموتريتش، ونائبين اثنين لحركة "قوة يهودية"، والنائب السابع الذي كان ضمن قائمة الليكود، هو أيضا عضو حركة "الصهيونية الدينية".

خلال الدورة البرلمانية القصيرة، التي تم فضّها، برز جدا زعيم "قوة يهودية"، إيتمار بن غفير، وكان من أكثر السياسيين حضورا في وسائل الإعلام، ما جعله يرى بنفسه هو وحركته بأنه لا يقل عن قوة حركة "الصهيونية الدينية"، ولهذا فإنه يطالب الآن بتقاسم متساو للقائمة الانتخابية، وهذا ما يرفضه حتى الآن سموتريتش، فعلى الرغم من التطابق في المواقف والبرامج وشراسة التطرف لديهما إلا أنه توجد منافسة حزبية ليست قليلة بين الجانبين.

وكلا الفريقين ينظران إلى استطلاعات الرأي التي تمنح قائمتهما 9 مقاعد، بدلا من 6 مقاعد مباشرة حققها التحالف في الانتخابات الأخيرة. وهذه نتيجة تجعل كل حزب يعتقد أنه قادر على اجتياز نسبة الحسم وحده، إذ أن نسبة الحسم 3.25%، تضمن تمثيل 4 مقاعد في الكنيست.

وحتى الآن، ليس واضحا مصير هذا التحالف، إذا ما كان سيستمر أم أنه سيتفكك إلى قائمتين، وهنا قد يتدخل نتنياهو من جديد، تحت غطاء منع حرق أصوات في معسكر اليمين الاستيطاني. لكن في حال تفكك فعلا، فإن المنافسة ستكون شديدة جدا بين القوائم، وقد تكون لهذا انعكاسات على نتائج الانتخابات.

ما يدور الآن يعكس خلافا آخر داخل المعسكر اليميني الأشد تطرفا، فمن ناحيتنا نحن كعرب وفلسطينيين لا يمكن أن نرى فوارق في كافة الجوانب السياسية والفكرية، وفي الممارسة على الأرض، مثل عصابات المستوطنين التي ترتكب اعتداءات منظمة على الفلسطينيين. لكن هناك تخوف لدى حاخامات هذا الجمهور، من أنصار "قوة يهودية"، الذين هم أشد تطرفا دينيا، والأجيال الشابة فيه تُعد متمردة على الحاخامات، ودائما تبحث عن حاخام يتجاوب مع أفكارها الأشد تطرفا، وحتى الدموية الإجرامية. والقصد هنا، أن تخوف حاخامات المستوطنين من هذا الجمهور هو أنه خارج سيطرتهم في كل المجالات، وهذا لا يخدم مصالحهم.

اللافت، وبسخرية تامة، رأيناه في شريط قصير ظهر في نهاية الأسبوع الماضي، خلال جولة لإيتمار بن غفير في سوق "محانيه يهودا" في القدس، إذ هتف أحد أنصاره: "الموت للعرب"، فالتفت اليه بن غفير، رمز التطرف في هذا الجمهور، ونهرهُ بأن لا يردد هذه المقولة، كي لا يوثقوها عليه، فتابع ذات الشخص يصرخ: "الموت للمخربين".

وحينما نقول سخرية، فهذا لأن بن غفير قاد مظاهرات ومسيرات على مدى السنين، هتافها المركزي "الموت للعرب"، فما الجديد الآن؟، لا شيء، سوى أنه لا يريد ما يشوش وصوله إلى حقيبة وزارية مستقبلا.

وسموتريتش ليس أقل تطرفا بالتأكيد، فقبل حوالي خمس سنوات، قاد صياغة برنامج لحزبه، باسمه السابق "التكتل القومي" (هئيحود هليئومي)، يدعو جهاراًة لطرد الفلسطينيين من وطنهم، "بالترغيب والتحفيز" كصيغة منمّقة، ولكن أيضا بالقوة والقتل لمن يناهض إسرائيل، وهذا برنامج حزبه القائم حاليا. 

حزب "يمينا" يصارع نسبة الحسم

كان واضحا أن حزب "يمينا" الذي كان يترأسه حتى مطلع تموز الجاري، رئيس الحكومة المستقيل نفتالي بينيت، يتجه نحو أزمة جديّة، على ضوء قيادته لحكومة غالبية أحزابها من خارج معسكر اليمين الاستيطاني المتشدد، وهذه الأزمة ستشتد الآن، مع انتقال رئاسة الحزب إلى شريكة بينيت، أييلت شاكيد، وهي علمانية، ولكنها تتعايش مع التيار الديني الصهيوني، الذي من المفترض أنه قوة ارتكاز لحزب "يمينا".

فقد سعى بينيت منذ دخول إلى المعترك البرلماني، تمهيدا لانتخابات الكنيست الـ 19، التي جرت في مطلع العام 2013، كرئيس لحزب "البيت اليهودي" (المفدال سابقا)، إلى خلق شراكة بين ذلك الحزب الديني والعلمانيين في معسكر اليمين الاستيطاني، ونجح إلى حد ما في هذه الشراكة.

لكن لاحقا مع تقدم السنين، وتوالي الانتخابات البرلمانية، تراجعت قوة "يمينا" لدى التيار الديني الصهيوني، وهذا رأيناه في نتائج انتخابات آذار 2021، من خلال نتائج التصويت في المستوطنات التي كل المستوطنين فيها من هذا التيار الديني. وهذاا يعني أن "يمينا" عالق الآن في محاسبة جمهوره من جانبين: ابتعاد المتدينين الصهاينة نوعا ما، وخيبة أمل لدى معسكر اليمين الاستيطاني المتشدد.

أمام هذا المشهد، تسعى شاكيد، الرئيسة الحالية للحزب، التي قد تشهد منافسة داخلية، إلى تعزيز قوة حزبها لضمان اجتيازه نسبة الحسم، خاصة وأن حزبها لم يجتز نسبة الحسم في انتخابات نيسان 2019، إذ نقصته بضع مئات من الأصوات. ولهذا فإن شاكيد تتفاوض حاليا مع الوزير يوعز هندل، وشريكه السياسي تسفي هاوزر، اللذين تحالفا مع حزب "أمل جديد" بزعامة الوزير جدعون ساعر، الذي تحالف قبل أسبوعين مع حزب "أزرق أبيض" بزعامة الوزير بيني غانتس.

كما أن شاكيد تفاوض حزب "البيت اليهودي- المفدال"، الذي لم يخض الانتخابات الأخيرة، رغم أنه الحزب التاريخي للتيار الديني الصهيوني، ومنه انبثقت أحزاب.

ومن الصعب، حتى الآن، رؤية بناء التحالف الأوسع، ليضم "الصهيونية الدينية" و"قوة يهودية" و"يمينا"، لأن وجود "قوة يهودية" في تحالف كهذا سيُبعد مصوتين لحزب "يمينا" خاصة من العلمانيين، الذين يتحفظون من حزب "قوة يهودية" وما يمثله، ولكن في السياسة الإسرائيلية يبقى كل شيء وارد.

الليكود في منافسة حلفائه

في السنوات الأخيرة، سعى بنيامين نتنياهو، بقيادته لليكود، إلى التوغل في جمهور التيار الديني الصهيوني، المتنامي عدديا بسبب نسبة التكاثر الطبيعي الأعلى من المعدل العام، فقد رأى أنه إذا أراد إبقاء الليكود الكتلة البرلمانية الأكبر، عليه أن يصل إلى هذا الجمهور، خاصة وأنه بغالبيته محسوب على اليمين الاستيطاني، وهذا خلافا لتوجهاته في سنوات الألفين الأولى، إذ كان نتنياهو يحاصر هذا التيار في داخل حزبه، لاعتقاده بأنه كان غالبا مع منافسيه على رئاسة الحزب.

توجهات نتنياهو برزت على وجه الخصوص، في انتخابات الكنيست الـ 20، في آذار 2015، حينما حقق الليكود قفزة عالية جدا في أوساط التيار الديني الصهيوني، وكان له 11 نائبا متدينا ومحافظا، من أصل 30 نائبا، في كتلته التي أفرزتها تلك الانتخابات، لكن هذا العدد لم يتكرر في الانتخابات اللاحقة.

في جولات الانتخابات الأربع السابقة، كان نتنياهو قلقا ويسعى لعدم حرق أصوات في معسكر اليمين الاستيطاني، كما ذكر هنا سابقا، ولهذا فإنه تراجع قليلا في منافسته للقوائم التي تُعد ضمن فريقه.

إلا أنه حسب التقديرات الحالية، فإن الليكود سيسعى إلى استعادة قوته وزيادتها في معاقل اليمين الاستيطاني المتدين، لأن نتنياهو يريد من ناحية ضمان اجتياز نسبة الحسم لكل القوائم الشريكة له، ولكن في ذات الوقت يريدها قوائم ذات قوة برلمانية محدودة، كي لا تتحول إلى جهة ضاغطة عليه، خاصة وأنه معروف بسعيه للتفرّد بالقرارات دون ضغوط.

في عودة إلى نتائج انتخابات آذار 2021، وعينيا التصويت في المستوطنات، من دون مستوطنات المتدينين المتزمتين، الحريديم، باعتبار المستوطنات مؤشراً لأنماط التصويت داخل معسكر اليمين الاستيطاني، رأينا أن القوائم الثلاث: "الصهيونية الدينية" و"يمينا" والليكود حصلت مجتمعة على 70% من أصوات هذه المستوطنات: 26.9% لقائمة الصهيونية الدينية وحليفتها قوة يهودية، و26.1% لليكود، و17.6% لقائمة "يمينا". وكما يبدو فإن هذه النسبة ستحقق ارتفاعا أكثر في الانتخابات المقبلة، على ضوء تزايد التطرف في الشارع الإسرائيلي، وبشكل خاص في المستوطنات.

لكن في المستوطنات التي كل المستوطنين فيها من التيار الديني الصهيوني، فقد رأينا تفاوتا كبيرا في النتائج: 50.5% لقائمة الصهيونية الدينية، و21% لقائمة "يمينا"، و11.7% لحزب الليكود، وكانت هذه نسبة تراجع لليكود مقارنة مع انتخابات 2015.


 

(نشرة "المشهد الإسرائيلي"- مركز الأبحاث الفلسطيني "مدار" رام الله)

أخبار ذات صلة