news-details

بسبب التمييز البنيوي: معظم ضحايا البطالة في الاغلاق الثالث نساء.. وفي البيوت ازداد العنف ضدهن

تقرير: مريم أبو الهيجاء

*النائبة توما-سليمان لـ"الاتحاد": ان عدم وجود النساء في طواقم العمل لمواجهة الجائحة وتداعياتها، ‏جعل هذه الطواقم لا تراعي احتياجاتهن*‏

تستمر الحكومة بسياساتها التمييزية ضدّ النّساء حتّى مع الاغلاق الثّالث الذي فرضته، اذ كشف تقرير نشرته صحيفة هآرتس يوم الجمعة الماضي، أن نحو 70% من المعطلين عن العمل في الاغلاق الحالي، هم من جمهور النساء، على الرّغم من أن معدّل البطالة بداية الإغلاق الأوّل كان متساويًا ما بين الجنسين.

ويحذر الخبراء من تبعات هذه الأزمة، والتي قد تكون طويلة المدى ليس فقط على أجور النساء، إنّما على إمكانية تقدمهن المهنيّ، اذ تكشف سلطة التشغيل، ان 68,5% من المعطلين عن العمل في الاغلاق الثالث هم من النساء مقابل 31,5% من الرجال، وهذا يبرز تعميق الفجوة بين الجنسين منذ بدء الأزمة في ظلّ غياب حلول مهنيّة وواقعية تعنى بالنّساء، اللواتي أثبت أنّهن كنّ عرضة كذلك للعنف والتقصير الحكومي، في ظل فرض اغلاقات متتالية.

لقد خسرت 84 ألف و493 امرأة وظائفهن منذ الإعلان عن الإغلاق الثالث في البلاد، أي قبل أقل من ثلاثة أسابيع وحتى يوم أمس، أي ما يقارب بضعفين فارزة 2 ( 2.2) عدد الرجال المعطلين عن العمل وهو  38 ألف و 855 معطّلًا.

في شهري كانون الثاني وشباط 2020، أي في الشهرين اللذين سبقا أزمة كورونا، لم يكن هناك فرق تقريبًا بين معدل البطالة: 50,6% نساء، و49,4% رجال. وبحسب البيانات، فقد اتسعت الفجوة في الإغلاق الأول إلى 56,4%مقابل 43,6%، وفي الإغلاق الثاني ارتفع معدل البطالة إلى 60,4% للنساء مقابل 39,6% للرجال.

وقد أعرب الخبراء عن قلقهم البالغ لهآرتس، وذلك خشيةً من أن تؤدي هذه الفجوات الصارخة إلى تعميق عدم المساواة والتمييز بين الجنسين في سوق العمل. ووصف الخبراء سيناريو انخفاض إضافي بأجور النساء أو تقدمهم الوظيفي واستمرارية عملهن، حتّى وان نجحن بالعودة إلى العمل مع تعافي الاقتصاد.

وبحسب مدير دائرة التشغيل، رامي غرافر، فإن "إغلاق الاقتصاد يضر بالمرأة أكثر لأنه وللأسف يوجد تمييز بنيوي في سوق العمل، ما يمهد الطريق للمرأة في مهن ذات أجور منخفضة، وأفق توظيف محدود، وانكشاف مفرط لإسقاطات الأزمات الخطيرة".

وقالت النائبة عايدة توما-سليمان لـ"الاتحاد": "إنّ هذه المعطيات هي نتاج التمييز البنيوي في سوق العمل على أساس النوع الاجتماعي على مدار السنين والذي ساهم بتعميق الفجوات، وحصر عمل النساء في مهن محدودة أو منع تقدمهن الى اماكن اتخاذ القرار".

وأضافت توما-سليمان: "ان عدم وجود النساء في طواقم العمل لمواجهة الجائحة وتداعياتها جعل هذه الطواقم لا تراعي احتياجات النساء وتبادر الى حلول عمقت الازمة بشكل خاص عليهن. فمثلا قرروا فرض الحجر المنزلي والاغلاقات دون الاستعداد المسبق لاحتمالات ازدياد العنف ضد النساء في ظل الضغط الاقتصادي والنفسي".

وتابعت: "هذه الحكومة تعاملت ب شكل تمييزي مع النساء منذ بداية أزمة الكورونا، وهذه المعطيات لم تولد محض صدفة، فمثلا كنت قد تقدمت خلال الاغلاق الأول  العليا لإلغاء أنظمة الطوارئ التي أقرتها الحكومة والتي تتيح وقف عمل النساء الحوامل، ولكن حتى اصدار قرار المحكمة القاضي بإلغاء هذه الاجراءات، فصلن آلاف النساء من أماكن عملهن. هذا مثال واحد على التعامل التمييزي لهذه الحكومة مع النساء".

وأضافت:" أيضًا هناك النضال الذي قدته مع الحاضنات البيتيات اللاتي تركن خلال الأزمة دون تعويضات، حتى تمكنا بعد ذلك من إلزام وزارة المالية على تعويضهن. أيضًا نضال العاملات الاجتماعيات اللاتي احتججن على ظروف عملهن المجحفة بما في ذلك الأجور الزهيدة التي يتقاضونها".

واستطردت توما-سليمان:" خلال دورة الكنيست الأخيرة، عند ترؤسي لجنة الرفاه والعمل، كنت قد عقدت العديد من الجلسات حول هذا الموضوع، وحذرت من تبعات هذه الأزمة على تكافؤ الفرص ومما ستبقيه من بعدها، وطالبت بمنح النساء امتيازات تمكنهن من عبور هذه الأزمة وتمنحهن شبكة أمان توظيفي، لكن هذه الحكومة تعاملت مع عمل النساء على أنه تحصيل حاصل، وشرعت المساس به كأول الحلول".

 وأشارت المحامية دانا ميتاف، مديرة لوبي النساء لـ هآرتس، إلى أن "الأزمة تتفاقم وتسلط الضوء على حقيقة أن سوق العمل غير متكافئ تجاه المرأة في جوانب كثيرة، وأنهن أول من يتم طردهن من العمل. تعمل المرأة في وظائف ومهن وقطاعات تتميّز بشروط، وشبكة أمن وظيفي أقل بكثير". وأضافت: "إغلاق جهاز التعليم كان خطرًا، لأن رعاية الأطفال بمعظمها ما زالت ملقاة على كاهل النساء، وهذا لا يؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار".

 

\\ التمييز يشكّل أرضًا خصبة لتعميق الفجوات بالأزمة

ويشير الخبراء إلى أن التمييز وعدم المساواة بين الجنسين الأمر الذي يتسم به سوق العمل في إسرائيل يشكّل أرضًا خصبة لتعميق الفجوات بالأزمة. وفقًا لبيانات دائرة الاحصائيات المركزية، المنشورة في آب 2020، والتي تعتمد على مسح أجري في 2018، كان متوسط رواتب الموظفين من الرجال يصل حتى 12559 شيكل شهريًا، بينما تتقاضى النساء أجرًا بمعدل 8546 شيكلًا.

وبحسب البيانات، كانت نسبة النساء اللائي يقل دخلهن عن الحد الأدنى للأجور 43% مقابل 28% من الرجال. كما الأمهات، هن من يقدمهن الرعاية للأطفال، ويؤدين ما معدله 22 ساعة في الأسبوع في عمل غير مدفوع الأجر في داخل منزلهن، مثل التنظيف، مقارنة بمعدل 8,6 ساعات للرجال. وبالتالي، مع إغلاق جهاز التعليم وبدون اطر للحل من قبل الحكومة لإعطاء الأولوية للنساء، تتخذ الأسر قرارًا بأن الأقل أجرًا يبقى في المنزل للعناية بالأطفال ما يهدد وظيفة النساء بالفقدان.

وأضاف د.غال زوهر، مدير وحدة الأبحاث في دائرة التشغيل، لهآرتس، أن "اغلاق المؤسسات التعليمية، له آثار تدميرية على طرد النساء من العمل او اخراجهن لعطلة غير مدفوعة الأجر". وتابع: "نحن نلاحظ أنه في اللحظة التي يغلق بها جهاز التعليم يقفز عدد النساء اللائي يطردن خارج سوق العمل. هذه ضربة مزدوجة، لأنّ نسبة النساء العاملات في هذا المجال أيضًا تفوق نسبة الرجال، ونتيجة لذلك تتأثر المرأة على المدى الطويل من هذا التمييز، ولكل ضربة كهذه يوجد عواقب، قد يعدن للعمل سريعًا ولكن بأجر منخفض أكثر ولوظائف أقل جودة". وأشار إلى أنه "من أجل أن نكافح ظاهرة النساء المعطلات، يجب تقليص الفجوات بين الرجل والمرأة من ناحية الأجور وأن نوقف التمييز بينهما في سوق العمل".

يشار إلى أنّ المعطيات السابقة، كانت صحيحة حتّى الجمعة، أما يوم الأحد فقد أعلنت سلطة التشغيل زيادة عدد المعطّلين ليصل إلى نحو 130 ألف معطّل، اذ تمّ إخراج 106752 منهم إلى عطلة غير مدفوعة (حوالي 82%)، بينما تم طرد 22995 منهم (حوالي 18%)، وأضافت أنه من يوم الخميس الماضي إلى الأحد تم تسجيل 6399 معطّلًا جديدًا عن العمل، دون اجراء فرز جديد لتوضيح أي القطاعات المتضرّرة أكثر، والّتي هي على الأرجح متوقّعة كما الاغلاقات السابقة وتتكرّس مع كل اغلاق جديد، ولم تعرض المعطيات الفجوة في عدد المسجلين الجدد بدائرة المعطلين بين الجنسين.

وادعت سلطة التشغيل أن معطيات البطالة فاقت توقعاتها بشأن آثار الإغلاق الثالث على سوق العمل، إذ كان التوقعات تشير الى أنه سيكون هناك 120 ألف معطّل جديد عن العمل في الحد الأقصى خلال هذا الإغلاق، اذ توقع الخبراء في السلطة ذاتها، أن يكون عدد المعطلين عن العمل والذين سيتم تسجيلهم خلال الإغلاق الثالث أقل بكثير من عدد المسجّلين خلال الإغلاق الثاني والذي سجّل فيه 291352 معطّلًا عن العمل. ولكن سلطة التشغيل اعترفت ضمنًا أنه كلما طال الإغلاق، زاد عدد المسجلين كباحثين جدد عن عمل خلال ذلك.

 

\\الوجه الثاني للتمييز: العنف الأسري ارتفع

وللتيّقن من أن السياسات ومتخذي القرار هم من أوقعونا في فخّ الأزمة، ما قبلها وما بعدها لاحقًا، لا بدّ من النّظر إلى قضيّة هامّة رافقت النساء طوال عامٍ كاملٍ، ففي معطيات قدّمتها الشرطة في طلب لمجموعة محامين حول حرية المعلومات التي يجب الإفصاح عنها قانونيًا، تبيّن ان عدد الشكاوى المقدمّة للشرطة في عام 2020 بشأن العنف الأسري، ارتفع بنسبة 13%، كما زاد عدد لوائح الاتهام بنسبة 16%. ومع ذلك، فإن معدل لوائح الاتهام المقدمة من مجمل الشكاوى لا يزال مماثلًا للعام 2019، حوالي ‏‏19% من القضايا، اذ يعزو الخبراء هذه الزيادة كجزء من تبعات واسقاطات الأزمة الحالية.‏

وبحسب المعطيات، فمنذ فرض الإغلاق لأول مرة في آذار-نيسان من العام الماضي، كانت ‏هناك زيادة كبيرة في معدل الشكاوى. ووفقًا للتقديرات من المتوقع أن يظل عدد لوائح الاتهام ‏بالعنف الأسري مرتفعًا حتى النصف الأول من عام 2021، بسبب جرائم العنف التي حدثت ‏خلال العام السابق. ‏

في العام الماضي، تم تقديم 40986 شكوى في جرائم العنف الأسري و 8073 لائحة اتهام، ‏بنسبة 19,7% من مجمل القضايا. وللمقارنة، في عام 2019، تم تقديم 36224 شكوى، قدم ‏في  6935 منها لائحة اتهام، أي ما يقارب الـ19,1%. هذا يعني أن الغالبية العظمى من ‏الشكاوى المقدمة، حوالي 80%، تم إغلاقها لذرائع مختلفة، منها ما تتذرع به الشرطة وهو عدم ‏وجود أدلة كافية، وهو سبب مركزي ادعته هذه الأجهزة في نصف القضايا التي تم اغلاقها. ففي ‏العام 2020 على سبيل المثال تم اغلاق 13500 شكوى لهذا السبب.‏

وتظهر البيانات أيضًا أنه منذ آذار 2020 ومع فرض الاغلاق الأوّل، سجّلت أكثر من 3500 ‏شكوى في المعدل شهريًا. هذا بالمقارنة مع شهري كانون الثاني وشباط من نفس العام، حيث كان ‏المعدل الشهري 2800 شكوى. وفي عام 2019 كان المعدل الشهري 3 آلاف شكوى.‏

يمكن أن نستنتج بشكل أوّلي أن عدد الشكاوى المقدمّة خلال العام الماضي، كانت نتاجًا لعمليات ‏الاغلاق السريعة وغير المدروسة، هذا في البعد السطحي البسيط، اذ اضطرت العائلات للبقاء ‏في المنازل والعمل في مساحة ضيّقة، ما زاد الاحتكاك اليومي وتكثفت الخلافات، إضافة إلى ‏أزمة اقتصادية حادّة مع اضطرار النساء العمل في المنزل والاهتمام بالمقابل بمسائل أطفالهن، ‏والدراسة التي تحوّلت عبر منظومة افتراضية. ولكن من جهة أخرى، فإنّ حقيقة أنه لم يطرأ أي ‏تغيير على معدل لوائح الاتهام التي تم تقديمها مقارنة بالزيادة في معدل شكاوى العنف الأسري ‏هي مسألة تثير القلق الشديد، وتبيّن أن السياسات التمييزية متجذرة فعليًا، وهذا يؤكد أنه على ‏الرغم من أن النساء لجأن أخيرًا وبعدد أكبر إلى الشرطة وإلى تقديم شكوى بشكل رسميّ، الا أنه ‏في النهاية تم إغلاق قضاياهن، ما يعني أن هناك فشلًا منهجيًا وبنيويًا، مقابل تسلط ذكوري ‏واضح، وجهاز شرطة وحكومة لا يمكن الوثوق بعملهم أو بوعودهم.‏

 

الصورة: من الحملة التوعوية الأخيرة لجمعية نساء ضد العنف.

 

أخبار ذات صلة