news-details

جموع غاضبة ومحبطة نجحت في "هز باستيل نتنياهو"

*جو الكومونة اللطيف في خيمة الاحتجاج في بلفور استبدل امس بطاقة غاضبة لانتفاضة شعبية. كبار السن اخلوا مكانهم للشاب، الذين ضربوا الحواجز وألقوا بأنفسهم على الحاجز الشرطي واوقفوا فقط بأيدي رجال الحماية من الشاباك*

 

التاريخ هو 14 تموز، ذكرى الثورة الفرنسية. في هذا اليوم في 1789 هجمت الجماهير في باريس على سجن الباستيل وانتصرت عليه. المشاركون في الاحتجاج امام بيت رئيس الحكومة في شارع بلفور في القدس يستعدون للمساء.

"اليوم سنسقط رمز الدكتاتورية الاسرائيلية وسنعيد المقر في بلفور لشعب اسرائيل" قال رجل يلبس قميصا اسود وشعره ابيض. لم اكن في باريس سنة 1789، ولكن يصعب عليّ ان اصدق بأنه كان هنالك هدوء كبير وقت الظهيرة. " انا ااتوقع ان يصل الاف الاشخاص في المساء"، يقول يشاي هداس من رؤساء " احجاج الختايرة في بتاح تكفا ".

الجو يذكّر باندماج ما بين مخيم صيفي، وبؤرة استيطانية غير شرعية ونواه للناحل (الشبيبة الطلائعية المقاتلة). طفلة ابنة 11 عاما ركضت ذهاباً واياباً على طول الشارع وكانت تريد ان يسمحوا لها بأن ترسم يافطات، في حين كانت شابة تتتشاجر مع صديقها وقضت الليلة في الخيمة، تبحث في اليوتيوب عن اغاني احتجاج مناسبة للمظاهرة التي ستجري في المساء.

رجل متقاعد يعطي زميليه درساً في موضوع "ليلة السكاكين الطويلة" وشاب في العشرينيات وبدا مثل منشق سوفييتي، يجلس ويقرأ كتاب باسم "الواقعية الرأسمالية "، يبدو أن شيئاً لا يهمه.

الباقي كان من البالغين. الرجال بشعر ابيض والنساء بشعر احمر. يتضاحكون، يوزعون الطعام، يساعدون في اعداد اليافطات. كومونة ما زالت لطيفة قبل ان تاتي مرحلة "صاحب الذبابة". امرأة تغني: "ماهذا الهدوء...." وثلاثة رجال في منتصف العمر يردون عليها بتناغم كثلاثي: "... ولا يفعلون شيئاً".

الهدوء انتهى فجأة. بشكل ما هذه الامور دائماً تشتعل في ثانية. بعد الساعة الخامسة بقليل جاء عدد من المتظاهرين ليعززوا الموجودين. في المكان انتشرت قوات الشرطة الخاصة وفوراً الجو اصبح متوتراً.

طواقم البث وقفوا على الرصيف بما في ذلك مراسل الجي بينس الذي وصلته معلومات بانه من المتوقع ان يصل الى المكان اساف امدورسكي، اورنا بناي وربما اشخاص معروفين اخرين. مخرج القناة 20 سمع وهو يقول بالتليفون: "أخبر ريكلين بانه لا يوجد من يوفرون الحماية له ولكننا وقفنا بالضبط امام رجال الحماية التابعين للشاباك".

في هذه الاثناء الناس كانو يهتفون بشعارات من خلال مكبرات الصوت، يقطعون الشارع ويعرضون انفسهم للخطر. جاء المزيد من المتظاهرين ويلبسون البسة ملونة ويحملون يافطات مختلفة ومتنوعة ورجل كبير متعرق وبائس يجر نفسه وراء زوجته النشطة بعيداً عنها بمترين، وهو يحمل بيده وعاءً ساخنا من الفولاذ المقاوم للصدأ مليء بكيزان الذرة الساخنة.

في الساعة السادسة والنصف وضعت المتاريس. عشرات الحواجز الخاصة، حواجز ثقيلة لها قاعدة معدنية وضعت في مدخل الشارع. الستارة السوداء طويت ومدخل شارع بلفور بالكامل ملأته حواجز مع شعار شركة المنصات "موندو باموت". رجال الشرطة قاموا تثبيت المتاريس بالشارع بالمسامير. يحصنون بذلك الباستيل.

جنود حرس حدود دفعوا عشرات المتظاهرين الذي تجمعوا هناك وابعدوهم، خالقين بذلك مسافة حوالي 20 متر بينهم وبين بوابة الدخول الى الشارع ووضعوا امامهم طبقة مزدوجة من حواجز الشرطة الخفيفة. المتظاهرون مع مكبرات الصوت، وصافرات وطبول هتفوا "رشوة، خداع، خرق للثقة! ".

في الوقت الذي كانت فيه الستارة مطوية كان بالامكان رؤية البيت نفسه. هل اخترقت الاغاني والهتافات الشبابيك المزدوجة؟ ليس معروفاً هل كان رئيس الحكومة في تلك اللحظة في البيت. من الممكن ان يكون قد اختار البقاء في العمل حتى وقت متأخر. هل ابقى هناك سارة ويائير؟ تخلى عنهم وتركهم لغضب الجماهير الصارخة والتي تهز الشارع؟ هل اهتزت من الخوف كعكات البسكويت في الثلاجة؟

المتظاهرون غنوا بتناغم وقاموا بالتطبيل والتصفير. في هذه الاثناء في الجانب الثاني من الشارع، خلف حواجز خاصة بهم، تجمع المتظاهرون المناوئون من الليكود. في البداية 5 أشخاص بعد ذلك 10 وفي النهاية وصلو الى حوالي 50 شخصا. البيبيون ضايقوا المناوئين لبيبي وجلبوا جهاز تكبير صوت والذي تفوق على ضجة المظاهرة الكبيرة. الى داخل المايكروفون هتف شاب ذو صوت عالي ضد وسائل الاعلام وضد " البلاشفة " (دائماً من المشجع ان المزيد من الناس يستخدمون هذه اللعنة) وضد اليساريين "الذين يمولون من قبل المتحرشين جنسياً بالاطفال".

شاب يرتدي باروكة مثيرة للاعجاب وقف مرتدياً قميصا ويحمل علم كونفدرالية جنوب الولايات المتحدة ومكتوب عليها بالانجليزية " اذا كان هذا العلم يؤلمكم فانت بحاجة الى درس في التاريخ".

من جانب هتافات متناغمة "رأس المال، نظام عالم سفلي" ومن الجانب الثاني "يساريون متحرشون بالاطفال" وموسيقى ايقاعية. وفي الوسط، في المنطقة الحرام، محطة بث للقناة 20 واحد اشباه شمعون ريكلين يجننه الضجيج.

في الثامنة والنصف سوياً مع النسيم اللطيف للقدس وصل قائد المنطقة للاشراف على الوضع. الوضع بدى مستقراً. الاف المتظاهرين تجمعوا خلف الحواجز وحتى نهاية الشارع، حافظوا على الايقاع، غنوا بصوت عالي، ولكن لو يحاولوا اقتحام الحاجز الشرطي. الباستيل بدى ثابتاً. وصلت لطاقم جاي بينس معلومات بأن آساف امدورسكي عالق في الطريق. نتنياهو لن يبعدوه عن بلفور على الاقل اليوم.

من المنطقة منزوعة السلاح الهدف يبدو مستقراً وهادئاً. بيد أنه داخل بحر المتظاهرين لم يرو الهدوء، ولم يسمعوا الخطيب في الجانب الداعم لنتنياهو الذي كان يتحدث بحماس عن الشيوعيين والمتحرشين بالاطفال. في الوقت الذي في المقدمة غنى المتظاهرون "سانج كومبايا" وداخل الجمهور اشتعلت غريزة حماسية.

وفي الخلف كان هنالك طاقات اخرى وكأنها لا تريد المجيء لتغني (رأس المال في السلطة) والاذعان لتوجيهات عناصر الشرطة فقط من اجل ان تتراجع وتبادل الذكريات في الباص لدى عودتهم الى البيت. عميقا داخل الجو كان هنالك ما بين الهذيان ويوم من الغضب مع نظام تضخيم يسمع اغاني غضب ضد الآلة. رويداً رويداً هذه الطاقات تركزت حول كلمة المظاهرة. الادوار تبدلت، زعماء الاحتجاج الكبار في الشن اخلوا الخط الاول للشبان الغاضبين الاكثر حيوية.

كان هنالك مشاعل كان هنالك نار في العيون، الصرخات اصبحت اقل تناغماً واكثر حيوانية. متظاهر مناصر لنتنياهو تسلل الى الجانب المناوئ لنتنياهو وقف امام المتظاهرين وبدأ بشتمهم ورفع اصابع ثلاثية باتجاههم.

وفي نفس اللحظة فقد المتظاهرون صبرهم وبدأوا بالهيجان دافعين الحواجز باجسادهم. رجال الشرطة السرية استعدوا للانقضاض. البيض بدأ بالتطاير من الجمهور نحو المنطقة المجردة من السلاح. عمود اضاءة تضرر ووقع. شباب صرخوا ودفعوا الحواجز. المتظاهرون ضربوا الحواجز والقوا بانفسهم على العائق الشرطي. في النهاية اقتحموا الشارع، واخرقوا النظام الذي تمت المحافظة عليه حتى الان بصورة جيدة.

رجال الشرطة استشاطوا غضباً ولكنهم ضبطوا انفسهم بصورة استثنائية في حالات كهذه. في الخلف تهاسم رجال الشاباك، واستعدوا. عدد منهم وقفوا بمحاذاة بوابة الدخول للشارع ونظروا الى ما يحدث بعيون مجمدة ولكن شيئا ما كان خلفها وهذا لم يكن ثلجاً. زجاجات مياه بدأت بالتطاير واصابت رجال الشرطة وكذلك الشاب التابع لنتنياهو الذي تسبب في اشعال الجو والان اختفى خلف رجال الشرطة تلقى ضربة مباشرة من زجاجة مياه عائلية كبيرة اصابت مباشرة وجهه. المتظاهرون رموا انفسهم، رفعوا ايديهم، درجات قائد اللواء تم نزعها من على كتفه.

سلسلة انسانية كثيفة من رجال حماية الشاباك قطعت المدخل الى الشارع، وفصلت ما بين رئيس الحكومة ومصيره. هذه لم تعد "احتجاج الختايرة"، هذه انتفاضة شعبية لجمهور غاضب ومحبط. هم يريدون الباستيل، وليس اقل من ذلك. الباستيل هذه الليلة اهتز.

هآرتس- 15/7/2020

أخبار ذات صلة