news-details

حكومة بلون سياسي خاص: الحربائي | هشام نفاع

والحرباءة هي بنيامين غانتس. انتقل من حكومة الى أخرى، وهو في مكانه وموقعه. وزير "أمن". هكذا ظلّ حتى اللحظة الأخيرة من عمر الحكومة التي أسقطها بصوته البرلماني، وانضم باعتياديّة رتيبة الى الحكومة الجديدة التي أيدها وشارك في تشكيلها بالصوت نفسه والوزارة نفسها، بلون جديد.
وزيرٌ معارض لحكومة يحتل فيها منصب وزارة الحرب "الرفيع الخطير"، ينتقل الى حكومة جديدة وتحت مسمى "التغيير" ويظلّ في وزارته الخطيرة نفسها؟
لا توجد سوابق كثيرة لهكذا حال.
غيّر لونه دون أن يغيّر موقعه، الخلفية تتغيّر وراءه، الإطار يتبدّل وبموجبه يغيّر لونه.
هو كبير الأمثلة ربما. لكن الباقين مثله.
هذا يقول الكثير، ومنه، استعاريًا: تتغيّر الحكومات الإسرائيلية، وسياسة "الأمن"، الحرب العدوان والتوسع، ثابتة.
ومنه مباشر فعليّ: نحن أمام سياسيّ عديم اللون السياسي. وهو بفعليّته يشكّل كناية لكل هذه المؤسسة: ليست الأفكار والرؤى في القضايا الكبرى ما يتغيّر من حكومة الى أخرى، بل حملتها وشخوصها، وفي جعبهم على عواتقهم نفس البضاعة (تقريبًا).
خذوا هذا: عربيّ فلسطيني في حكومة تعلن سعيها للسيطرة على 60% من المناطق الفلسطينية المحتلة (منطقة ج) ويهدد رئيسها غزة وأهلها في خطابه الاحتفالي. وهومحرّض على المثليّة والمثليين ومن لا يعاديهم (إذا كانوا عربًا فقط)، وتراه متعايشًا بكل سلاسة ونفاق مع وزير مثلي سابق هو أمير أوحانا، ووزير مثلي حالي هو نيتسان هوروفيتس. فمع اليهود "صبابا" منصور عباس. طبعا ليست تعدديّة الألوان ميزته، بل التلوّن.
وفي الخلفية مشهد العبث: تل ابيبيون يرقصون فرحًا في ساحة الخواء السياسي على اسم رابين. يحتفلون حيث اغتال المعسكر الذي يهيمن على الحكومة الجديدة التي يرقصون لمجيئها، زعيمَهم الأسطوري، وفي نفس الساحة التي حملت اسمه.
إن أهم ما في هذه الحكومة انها تشكل إعلان نعي لحكومة المحرّض العنصري بنيامين نتنياهو. سقوطه كان ضرورة، مهما قيل، سقوطه مقولة كان يجب أن تُقال باللغة العربية أيضًا، وبعد هذا لكل حادث حديث. هذا لا يناقض أن الحكومة "البديلة" تضمّ أكبر من يحاشره على اللقب: أفيغدور ليبرمان صاحب حملات التحريض تحت مسمى "الولاء" واشتراط الحقوق بطأطأة رؤوس العرب. هل يجب أن يعني هذا منطقيًا النحيب على سقوط المحرّض الأول؟ طبعا لا، بل العمل على سقوط المحرّض الثاني وحكومته.
بعض أشكال الثأر في السياسة، هو مسألة كرامة. رؤية نتنياهو وهو يسقط هي كالفرح المتشفّي الواجب وطنيًا. الحياة اجتهادات.
في تتمة المشهد: ميرتس والعمل. يقفان في يسار هذه الصورة الإسرائيلية المشوّهة أسوة مع غلاة الاستيطان في حظيرة حكومية اضطرارية قسريّة واحدة. هكذا يبنون قواسم مشتركة أم يتنازلون عن المواقف (المُعلنة على الأقل)؟
جميعهم محشورون معًا (ومعهم وليد طه أيضًا) لأنهم نجحوا، كلٌّ على طريقته، في التملّص الجبان من سؤال الأسئلة: ماذا تفكرون في أن تفعلوا بالشعب الفلسطيني ومطالبه السيادية التحررية بالضبط؟
سيحتفلون قليلا ريثما ينفجر اللغم الأول، ليذكّرهم هذا الشعب الذي يظنونه تبخّر، بما ذكّر العالم به بسطوع في أيّار 2021، في الأمس القريب جدًا، بكامل حضوره غير القابل للغياب ولا التغييب.
ليست هذه حكومة أزمة، بل وليدة الأزمة وتجلّي الأزمة، وصورة بالإحداثيات الدقيقة للطريق الإسرائيلي المسدود – بالجبن والغطرسة والوهم بإمكانية إدارة حياة رتيبة مع جرائم احتلال واستيطان وحصار ومع ملايين اللاجئين.
عيشٌ على سراب وحياةٌ على كثبان متحرّكة. هذا هو تلخيص حال إسرائيل السياسية اليوم.

//الصورة: تل أبيبيون يرقصون فرحًا في ساحة الخواء السياسي بعد تنصيب الحكومة الجديدة

أخبار ذات صلة