news-details

عميره هس: المصادقة على قانون فك الارتباط يحدد بشكل نهائي أن اسرائيل هي مشروع استيطان له دولة

      بدون أي صلة بتعديل قانون الانفصال، الذي تمت المصادقة عليه في ليلة الاثنين – الثلاثاء، فان مستوطنات كديم وغانيم وسانور وحومش لم يتم مسحها في أي يوم من قائمة المستوطنات لمجلس "يشع"، والتي تظهر على موقعه كـ "استيطان منتصر".

          من اجل ازالة الشك فان قائمة "يشع" تشمل أيضا جميع المستوطنات في قطاع غزة، التي تم تفكيكها في العام 2005. حتى الآن تصعب رؤية اعضاء "يشع" في الكنيست - الاعضاء النشطين جدا في الصهيونية الدينية ومن يقلدونهم في الليكود – يفرضون على اسرائيل وعلى الجيش اعادة اسكان اليهود في القطاع المكتظ الذي هو بحاجة ماسة الى الاراضي والمياه. ولكن من السهل تخيل "أمانة" و"نحلاه" والمجلس الاقليمي شومرون أو أي جهة استيطانية تمول المكوث الممتد لاسرائيليين في المواقع الاربعة في شمال الضفة الغربية.

          المكوث الممتد لاسرائيليين يحتاج كرفانات وخيام ومياه ومولدات للكهرباء وجنود يحرسون – ولا يترددون في الاعتقال أو اطلاق النار واصابة وقتل متظاهرين فلسطينيين – وقضاة عسكريون يرسلون المتظاهرين الفلسطينيين الى الاعتقال، مقاولون يصلحون الطرق، اعضاء كنيست يزورون ويرقصون ويفتحون مكاتب. كل ذلك كان متاح حتى قبل أن يتم اقرار التعديل. الآن كل ذلك متاح الآن بأضعاف عن ذي قبل.

          يبدو أن تعديل القانون يدل على تصميم استثنائي لحركة المستوطنين التي نجحت في التغلب خلال السنين على قوانين واتفاقات سياسية والاستيطان في قلوب معظم الاسرائيليين. حدث احتفالي – هكذا اعتبرت وزيرة المستوطنات اوريت ستروك، التصويت في الليل في برنامج الصباح في راديو ب، حيث وجدت المذيعة صعوبة في وقف تدفق اقوالها وخطابها الانفعالي عن ارض اسرائيل وأحقية اقوال بتسلئيل سموتريتش. لكن فعليا تعديل القانون الاساس يذكر بأن الشرنقة ثارت على صانعها، وبدرجة كبيرة. اسرائيل لم تعد دولة تقوم ببناء المستوطنات، بل هي مشروع استيطان، مشروع كولونيالي، له كنيست ودولة.

          أسس كثيرة في عملية الانقلاب النظامي تطورت وتحولت الى خصائص اسرائيلية في عملية اقامة المستوطنات: نجاعة، سرعة، تخطيط في الظلام، اكاذيب بدون خوف، خدع مالية مع الغمز، تشويه الحقائق، لي عنق القوانين القائمة لاستغلالها وخرق القانون الدولي، تسامح من قبل الشرطة والجيش والنيابة العامة والمحاكم تجاه عنف المستوطنين، وايضا خرق قرارات المحكمة العليا المعدودة التي تتعلق بجزء صغير من الاراضي الفلسطينية التي تم سلبها. وعلى رأس القائمة: عدم الاكتراث بمواقف واحتياجات الاغلبية بواسطة ابعاد الفلسطينيين عن أي حساب. هذه هي العنصرية النقية التي تعودنا عليها تحت غطاء الاعتبارات الاحصائية العادلة.

          على سبيل المثال، حومش، أمر عسكري من 1968 وضع اليد على اراضي زراعية لسكان قرية برقة وقرية سيلة الظهر، كما يبدو لاغراض أمنية. اقيمت هناك مستوطنة للناحل باسم معاليه ناحل. وهذه تم اسكانها في نيسان 1980. موقع "كيرم نبوت" – وهي جمعية تبحث وتوثق سياسة سرقة اراضي الفلسطينيين – نشر وثيقة عسكرية داخلية في نفس الشهر، فيها تم التوضيح بأن "القصد هو اسكان بؤرة معاليه ناحل من خلال التجنب بقدر الامكان أي نشر، سواء للمحليين أو في وسائل الاعلام". أمر وضع اليد لم يتم الغاءه فور الانفصال، بل بعد نضال قانوني للسكان. ولكن المستوطنين، بمساعدة الدولة والجيش والشرطة، منعوا بطرق كثيرة عودة الفلسطينيين الى اراضيهم. كل شيء يوجد هنا: عدم الاكتراث بحقوق واحتياجات الفلسطينيين، البصق على القانون الدولي، الخدع لتجاوز القانون، الاستخفاف بالمحكمة العليا وتسامح مشجع للعنف.

          منذ خمسين سنة تقريبا ودولة اسرائيل تستخدم المستوطنات للدفع قدما بالهدف العلني وشبه العلني – هذا يتعلق بالفترة – وهو احباط اقامة الدولة الفلسطينية، مع تحطيم الفضاء وخلق جيوب منفصلة لحكم ذاتي فلسطيني محدود في صلاحياته وموارده من الاراضي والمياه. هذا دائما كان رقصة تانغو: الدولة تشرع وتبادر وتخطط وتسرق الاراضي الفلسطينية وتقوم بالبناء والتوطين والمستوطنون يسيرون بضع خطوات الى الامام، يبدو خلافا للخطة الرسمية وخلافا لعدة قوانين. الدولة تغفر وتصادق بأثر رجعي وتبادر الى خطط جديدة والمستوطنون يبادرون بدورهم ويسرقون المزيد من اراضي الفلسطينيين ويتباكون في نفس الوقت. وهكذا دواليك.

          الانفعال الديني – القومي غير كاف لفهم الظاهرة. رقصة التانغو الملاصقة للدولة ومؤسساتها مع المستوطنين بنت قوتهم السياسية الضخمة. وهذه القوة أخذت تتعاظم بفضل الدعم والتسهيلات والتحسين الاقتصادي – الاجتماعي التي وعد بها المستوطنون الايديولوجيون وغيرهم على حد سواء – حريديون، حريديون قوميون وعلمانيون – بفضل اللامبالاة العامة للمجتمع الاسرائيلي في معظمه ازاء ما يحدث وراء الخط الاخضر ودعم الدول الغربية لاسرائيل رغم معارضتها العلنية للمستوطنات.

          الانفصال في 2005 تم تنفيذه لأن اريئيل شارون عمل حساب للجدوى العسكرية والاقتصادية: مطلوب عدد اكبر من القوات العسكرية من اجل الدفاع عن مستوطنات القطاع والمستوطنات المعزولة في شمال الضفة الغربية. الانفصال وافق تماما العملية التي دفعتها اسرائيل قدما منذ 1991 والتي تتمثل بفصل الفلسطينيين عن بعضهم، فصل سكان القطاع عن سكان الضفة الغربية. هذه هي الوسيلة الاولى من حيث اهميتها، لاحباط اقامة الدولة الفلسطينية.

          الغارقون في الاوهام اعتقدوا أن الامر يتعلق بخطوة قبل الانسحاب النهائي. ولكن هذا لم يكن هو الهدف. اسرائيل كانت ايضا ستغير بشكل احادي الجانب التصنيف الاصطناعي وغير المنطقي الجغرافي لمواقع الاستيطان (من مناطق ج التي توجد تحت سيطرة امنية ومدنية اسرائيلية كاملة الى مناطق أ و ب التي توجد تحت سلطة مدنية وادارية فلسطينية). اسرائيل لم تكن لتمنع السلطة الفلسطينية، المطيعة كما هو متوقع منها، من استخدام اراضي جنين لاقامة قرى للاستجمام أو تحسين المسجد في سانور والدفاع عن المزارعين. في اللحظة التي لم تفعل فيها جميع حكومات اسرائيل ذلك إلا أنها اشارة للمستوطنين بأنه يمكنهم مواصلة استخدام خدعهم التي تحتاج الى تمويل كثير من اجل العودة والمطالبة بالملكية على الاراضي المسروقة. تعديل قانون الانفصال تم تطبيقه في جزء كبير منه قبل فترة طويلة من اقراره.

          الباحثون في الدولة العميقة سيجدون ذلك في الهستدروت الصهيونية وكيرن كييمت و"يشع" والجهات الاستيطانية للمستوطنات وفي مؤسسات اليمين التي يمولها اصحاب المليارات من يهود امريكا، وفي سلطة اراضي اسرائيل وفي وحدة منسق اعمال الحكومة في المناطق في وزارة الدفاع وفي الادارة المدنية التابعة لها، وفي سلطة الطبيعة والحدائق وفي النيابة العامة التي قامت بشرعنة كل سرقة.

          الاجزاء الآخذة في التعزز من هذه الدولة العميقة قامت بحياكة "الاصلاح القضائي" لتخليد سلطة اليمين الاستيطاني، وقبل كل شيء من اجل اخضاع وابعاد الى الهامش بشكل اكبر الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر. خطتهم تخيف الآن وبحق جزء كبير من المجتمع الاسرائيلي – اليهودي.

          الوسائل التي جربتها اسرائيل والمستوطنين بنجاح على الفلسطينيين، الآن تستخدم في عملية الانقلاب ضد جزء كبير جدا من المجتمع الاسرائيلي. المشكلة هي أن رجال الاحتياط الذين اعلنوا بأنهم سيرفضون الخدمة ورجال الهايتيك الذين يقومون بالاحتجاج، عززوا على مدى السنين نظام سرقة الاراضي والذي بني كله على تشويه القانون والعدالة. الاغلبية الساحقة من الاكاديميين ورجال القانون ورجال التعليم ورجال الاقتصاد ورجال الاعلام لم يخرجوا بجموعهم ضد النظام العبثي الذي اقامته اسرائيل وراء الخط الاخضر، أو ببساطة قاموا بتأييده، وحتى الآن يرفضون الربط بينه وبين الوضع الكارثي لليهود، الذي سيقيمه هنا الانقلاب النظامي. وحبة الكرز على الكعكة هي أن كبار قادة المعارضة يستمرون في التصويت مع الائتلاف على القوانين المناهضة للفلسطينيين.

          روح تعديل قانون الانفصال سبقت حملة التشريع الخاطفة، والتعديل هو جزء لا يتجزأ من عملية التشريع الخاطفة. لأن الانقلاب النظامي هو المكافأة الناكرة لجميل، ولكن المتوقعة من مشروع الاستيطان الذي توجد له كنيست، دولة اسرائيل والمجتمع الاسرائيلي. من اجل الشكر على سنوات كثيرة من رقصة التانغو الملاصقة.

هآرتس –  22/3/2023

أخبار ذات صلة