news-details

إنها الدراما

يذهب عدد من الدّارسين الى أنَّ خلق عدّة أصوات مختلفة داخل العمل الفنّي الواحد، هو أبسط صور الدّراما، ولًعلّه أيضا هو أصلها التّاريخي العريق.

فالصُّورة الأولى لها كانت الحوار المتبادل بين قائد الكورس وبين أفرادهِ... وليس أفراد الكورس عندئذ إلّا أصواتا داخليّة تنبع من وجدان القائد أو من صور وجدانه المُتعدّدة المتآلفة.

وحين دخل الممثّل الثّاني في المسرح كان ذلك حَدَثًا تاريخيّا هامّا، بل انقلابا جذريا في تاريخ الدّراما، حيث حوّل هذا الدّخول العمل الفنّي من قصيدة دراميّة الى حوار دراميّ...

وعليه، فالدراما في جوهرها – عمل فنّي يعتمد على الحوار، ويتقدّم به الممثلون،  ويوهم المُتفرّج أنَّهُ قطعة صادقة من الحياة، وفي عمليّة الإيهام هذه يكمن السِّرّ الكبير.

فلكي يتمّ الإيهام ينبغي أوّلا أنْ يحرص المؤلّف المسرحي على تمثيل العصرالذي وقعت فيه المسرحيّة، فحين نقرأ مسرحيّة – أوديب – مثلا، ننتقل من صفحاتها الأولى الى اليونان القديمة، ونحِسّ عندئذ أنّنا قد طوينا الزّمن طيّا، وأنّ لندن وباريس والقاهرة ودمشق لم توجد بعد.

هذا بل وأكثر، لأنّنا نُحِسُّ بأنّنا نؤمن بتنبؤات الآلهة، وننتظر تبيّن الوحي القادم من معبد دلف.

طبعا، قد يكون هذا سهلا على المؤلّف القديم لأنَّهُ كتب مسرحيته في زمان مقارب لزمانه، ولكن، لن يصعب على المؤلّف النّاضج في كلّ عصر أن يُقنعنا بما يشاء أو يوهمنا به.

فحين تقرأ مسرحيّة يوليوس قيصر لشكسبيرنعرف أنّنا ينبغي أن نعود الى عام 44 قبل الميلاد، ونتوهّم أنّ أل – قيصر ونبلاء الرّومان وحتّى أوباشهم يتحدّثون هذه اللغة الانجليزيّة الشّكسبيريّة، وأنّهُ لن يتمّ لنا ذلك كلّه إلّا بإحكام الإيهام إحكاما شديدا، حين ينجح المؤلف في خلق الشّخصيّات المُتباينة ذَوات الأصوات المختلفة...

وقد تُصبح بعض الشّخصيّات الدّراميّة أكثر حياة وواقعيّة من مؤلّفيها بحيث يكتب عن تاريخها وأحاسيسها وأسلوبها في التّفكير والانفعال وتغيّر موقعها، مِمّا يُمكّن المؤلف بالنَّتيجة من الايهام بأنّ شخصيّتهُ هذه التي أوْجدها هي واقعيّة وحيَّة...

وعليه، فإنّ الأسلوب المسرحي يتميّز بالتّركيز الشّديد، وأنّ كلّ كلمة فيه ترد لخدمة فكرة النّصّ.

أخبار ذات صلة