news-details

قراءة في زمن الكورونا

في مكتبتي كتب عديدة لم أقرأها، ومنها روايات لروائيّين عرب وروائيّين عالميّين.

تناولت اليوم، الثّاني من نيسان، رواية "على ضفّة نهر بييدرا جلستُ وبكيتُ" للرّوائيّ الشّهير باولو كويلو، ولا أدري لماذا لم أقرأها من قبل مع أنّني اشتريتها منذ صدور طبعتها الأولى عن دار "المدى" السّوريّة في العام 2001 على الرّغم من أنّني قرأت روايات أخرى لهذا الأديب وأعجبتُ بها وبخاصّة رواية "الخيميائيّ"، وأظنّ أنّ السبب الّذي أبعدني عن قراءتها هو أنّ المترجم كتب اسم المؤلف باولو "كويهلو" وليس "كويلو" كما اعتدت أن أقرأه على أغلفة كتبه، ولا أدري أيّهما الأصّح.

من عادة هذا الكاتب أن يقدّم لرواياته بحكاية أو طرفة قرأها، وأظنّ أنّه اطّلع على ما تيسّر له من التّراث العربيّ، وأمّا في هذه الرّواية فاختار أن يكتب "تعليق المؤلّف" بدل المقدّمة، ويروى فيه أنّ أحد المبشّرين الأسبان كان يزور احدى الجزر فالتقى فيها ثلاثة كهنة من الأزتك فسألهم: بأيّة طريقة تصلّون؟ فأجاب أحدهم: نحن لا نعرف الّا صلاة واحدة وهي: نحن ثلاثة، وأنت ثلاثة، فارحمنا يا إلهنا!.. فقال المبشّر: "صلاة جميلة ولكن ليست هذه الصّلاة الّتي يسمعها الله. سأعلمكم صلاة أفضل منها بكثير". وعلّمهم صلاة الكاثوليك ومضى في طريقة التّبشيريّ.

وبعد سنوات مرّ المبشّر وهو على سطح مركب قرب هذه الجزيرة فشاهد هؤلاء الكهنة على الشّاطئ فلوّح لهم بيديه فتقدّم الرّجال الثّلاثة تجاهه وهم يسيرون على الماء وصاح أحدهم: "أيّها الأبُ، أيّها الأبُ علّمنا من جديد تلك الصّلاة الّتي يسمعها الله فنحن لم ننجح بحفظها." فقال المبشّر وهو يرى المعجزة: "لا أهميّة لذلك" وطلب المغفرة من الله لأنه لم يفهم من قبل أنّ الله يتكلّم كلّ اللغات.

وأكاد أجزم أنّني سمعت أو قرأت قصصًا تشبهها من تراثنا العربيّ الاسلاميّ.

ولفت نظري الجملة الأولى من الراوية وهي: "جلست وبكيت. الأسطورة تقول إنّ كل ما يسقط في مياه هذا النّهر من أوراق وحشرات وريش طيور يتحوّل في قاعه الى حجارة." ويضيف: "أمّاه كم أعطي كي أملك القدرة على انتزاع قلبي من صدري ورميه في التّيّار وعندئذٍ لن يبقى الم ولا أسف ولا ذكريات..." وهذا يعني أنّ بطلة الروايّة ترغب بأن تنزع قلبها من صدرها وترميه في تيّار النّهر كي يتحوّل الى حجر لا يتألّم ولا يأسف. وهذا الكلام قادني الى قصيدة الشّاعر العربيّ الجاهليّ تميم بن مقبل الّتي قال فيها "ما أطيب العيش لو أنّ الفتى حجر!" وقد اقتبس الشّاعر محمود درويش هذا الشّطر في قصيدته "موسيقى عربيّة" الّتي افتتح بها مجموعته الشّعريّة " حصار لمدائح البحر" (1986) ويقول فيها:

أكلّما ذَبُلَت خُبّيزةٌ

وبكى طيرٌ على فنن

أصابني مَرَضٌ

أو صحتُ يا وطني

أكلّما نوّر اللوز اشتعلتُ بهِ

وكلّما احترقا.. كنتُ الدّخان ومنديلًا

تمزّقني ريح الشّمال

ويمحو وجهي المطرُ

ليتَ الفتى حجرٌ.. يا ليتني حجر.

وتساءلت: هل قرأ كويلو قصيدة درويش أو قرأ بيت تميم بن مقبل أم أنّ الأمر توارد خواطر وأفكار بين المبدعين؟

ولا بدّ لي من أن أعترف بأنّ هذه الرّواية تختلف كثيرًا عن روايات باولو كويلو الممتعة الشّائقة.

أخبار ذات صلة