news-details

نعيُ شجرة..

شجرةُ البُطْمِ المعمِّرةُ، والّتي آنسُ برؤيتِها كلّما نظَرتُ إِليها من شبّاكِ مكتبتي الجنوبيِّ، خاصّةً حينَ أَجلسُ إِلى طاولتي لأُسجِّلَ خواطري؛ لم يمهلْها جاري لتبلغَ المئَةَ منَ العمرِ، فأَعملَ بها مناشيرَهُ وكُلَّ ما يُسهِّلُ عليهِ تقطيعَ أَوصالِ الشّجرةِ المسكينةِ بلا شفقةٍ من قلبٍ أَو رحمةٍ من يدّ.. ومن أَينَ ستأْتي الرَّحمةُ والبسمةُ تغمرُ وجهَهُ المتعرِّقَ، وحساباتُهُ أَنَّهُ قد ضمنَ لهذا الشِّتاءِ الباردِ دِفْءَ شهر.

     ما أَقسى هذهِ الحسبَة! يقايضُ شجرةً عمرُها ما يقاربُ المئَةَ عامٍ بشهرٍ من قضاءِ حاجةٍ عابرة! لقد قايضَ دنيا منَ العنادلِ والحساسينَ واليمامِ، بلهيبِ نارٍ حارقةٍ زائِلةٍ.. لقد قايضَ الحياةَ بالموت. لقد قتلَ جاري شجرةً ولم يدُرْ بخَلَدِهِ أَنَّهُ حرمَ العيونَ من خُضرةٍ كانَتْ بَهجةً للنّاظِرينَ، ومسحَ ظلالًا كانتْ ملاذًا لعمّالٍ   تحرَّقَتْ وجوهُهم فلاذوا إِلى ظِلالِها مُجهدين. 

     أَجلسُ اليومَ الى طاولتي، ومن خَلَلِ شبّاكِ مكتبتي، لا أَرى سوى بقيَّةِ جذعٍ نزعوا عنهُ شموخَهُ، وقطَّعوا أَوصالَهُ، ولم يتركوا خلفَهم سوى صَدى خرخرةِ مناشيرَ وصيحاتِ فرحٍ وبقايا غباءٍ... وحزنًا تلبَّسني لا أَدري متى يقولُ لي وداعًا!

     لن أَقولَ رحمَ اللهُ شجرتي، فهْي باقيةٌ في وِجداني ما دمتُ باقيًا!...  سأَقولُ رحمَ اللهُ صاحبَها، فالرَّحمةُ تجوزُ على الأَمواتِ وعلى الأَحياء!

 

أخبار ذات صلة