قال تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إن الصين حققت في الأسابيع الأخيرة سلسلة من المكاسب في منافستها المستمرة مع الولايات المتحدة، وذلك بعدما أظهرت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرونة متزايدة في ملفات كانت تُعدّ سابقًا خطوطًا حمراء في العلاقة بين البلدين. وقالت الصحيفة إن الإدارة الأميركية خفّفت من لهجتها تجاه الحزب الشيوعي الصيني في وثيقة استراتيجية جديدة، وأعادت فتح قناة لبيع رقائق إلكترونية متقدمة لطالما كانت واشنطن تعدّها "محرّمة". كما لفت التقرير إلى أن الرئيس ترامب فضّل الصمت في مواجهة تصاعد الضغط الصيني على اليابان، أحد أبرز الحلفاء الآسيويين لواشنطن، بسبب دعمها لتايوان. وبحسب التقرير، ترى بكين في هذه التحولات مؤشرًا على تراجع قابلية الإدارة الأميركية للمواجهة، ليس فقط على مستوى التكنولوجيا أو الجغرافيا السياسية، بل حتى على مستوى الأيديولوجيا. وأشارت الصحيفة إلى أن بعض المعلقين الصينيين وصفوا هذه التطورات بأنها دلائل على انحدار أميركي وصعود صيني. ونقلت الصحيفة عن رجل الأعمال الصيني المعروف تشو هونغيي قوله إن سماح ترامب ببيع رقائق متقدمة للصين يؤكد أن "الصعود التكنولوجي الذي لا يمكن إيقافه للصين دفع الولايات المتحدة إلى الحائط". وقالت نيويورك تايمز إن صحيفة غلوبال تايمز الصينية فسّرت تركيز استراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة -التي نشرت في ورقة رسمية مؤخرًا-على نصف الكرة الغربي بدل التركيز على الصين بأنه "اعتراف أميركي بتراجع القوة النسبية”، فيما خلصت مدونات قومية صينية إلى أن واشنطن أدركت أنها “لا تستطيع تحمّل كلفة المواجهة الطويلة”. وأشار التقرير إلى أن الصين كثّفت خلال الأسابيع الماضية حملة ضغط تجاه اليابان بسبب دعمها لتايوان، إذ استدعت دبلوماسيين يابانيين، وألغت رحلات، وقلّصت السياحة، وزادت من نشاطها العسكري قرب الأجواء اليابانية بالتعاون مع روسيا، فيما ظل ترامب صامتًا حيال ذلك. وبحسب الصحيفة، يعكس هذا السلوك نهجًا "براغماتيًا" للرئيس ترامب، يبتعد عن فكرة احتواء الصين بوصفها تهديدًا لنفوذ الولايات المتحدة، ويتعامل معها كدولة كبرى ينبغي التفاوض معها، لا مواجهتها. وقال التقرير إن استراتيجية الأمن القومي الجديدة لترامب أعادت تعريف المنافسة مع الصين بوصفها اقتصادية بالأساس، وليست صراعًا على الأنظمة السياسية أو الأمن القومي. كما لفتت الصحيفة إلى أن الوثيقة تجاهلت للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عامًا انتقاد "الحكم الاستبدادي" في الصين أو المطالبة بحقوق الإنسان، وهو أمر دأب عليه رؤساء أميركيون من جورج بوش الأب حتى جو بايدن. ونقلت الصحيفة عن كارولاين كوستيلو من المجلس الأطلسي قولها إن الاستراتيجية تكشف أن "محاولة مواجهة الصين بوصفها قوة استبدادية لم تعد ضمن أولويات واشنطن". وذكر التقرير أن محللين صينيين، بينهم شين تشيانغ من جامعة فودان، يرون أن إدارة ترامب أدركت أن "اللعب بالورقة الأيديولوجية غير ممكن ولا عملي"، وأن سياسة ترامب تجاه الصين باتت "مدفوعة بالمكاسب الاقتصادية"، وهو ما تعتبره بكين أمرًا إيجابيًا. وقالت نيويورك تايمز إن هذا النهج يفسّر أيضًا تراجع الإدارة الأميركية عن قيود كانت مفروضة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ومنح شركة إنفيديا إذنًا بتصدير أحد أقوى رقاقاتها إلى الصين مقابل حصول الحكومة الأميركية على 25% من عائدات المبيعات -خطوة انتقدها خبراء الأمن القومي الأمريكي لكونها تُقدّم المكاسب الاقتصادية القصيرة الأجل على حساب مصالح طويلة المدى. وأشار التقرير إلى أن هذه التحولات تأتي امتدادًا لأجواء المصالحة التي ظهرت في لقاء ترامب بالرئيس الصيني شي جينبينغ في أكتوبر، والذي أعقبته تنازلات أميركية بشأن الرسوم الجمركية بعدما استخدمت الصين أوراق ضغط تتعلق بالمعادن النادرة وشراء فول الصويا. كما لفتت الصحيفة إلى أن ترامب قبل دعوة لزيارة بكين في أبريل. وقال ديفيد ساكس من مجلس العلاقات الخارجية إن ترامب "فكّر على الأرجح في الاجتماع المرتقب ببكين" قبل إصدار استراتيجية الأمن القومي، معتبرًا أن لغة أكثر تشددًا تجاه الصين "كانت ستُقيد قدرته التفاوضية". وقالت الصحيفة إن بكين ترى في الانتقال الأميركي من سياسة الاحتواء إلى سياسة المنافسة انتصارًا استراتيجيًا، لأنه يعزز سرديتها بشأن عدم تدخل الدول في شؤون غيرها. ولفت التقرير إلى أن هذا التحول يمنح الرئيس الصيني شي جينبينغ مساحة أوسع للتحرك بقوة في المنطقة، مشيرًا إلى تصعيد بكين ضد اليابان، بما في ذلك تنفيذ طلعات جوية مشتركة مع روسيا قرب الجزر اليابانية. وفي المقابل، أجرت اليابان والولايات المتحدة تدريبًا عسكريًا مشتركًا فوق بحر اليابان لإظهار قوة التحالف بينهما، بحسب الصحيفة. وقالت نيويورك تايمز إن محللين صينيين يتوقعون مرحلة أكثر استقرارًا في العلاقة مع واشنطن، بعد أن قالت الخارجية الصينية إنها ترغب في “علاقات اقتصادية متبادلة المنفعة” وتقليص ملفات الخلاف. لكنّ التقرير نقل أيضًا عن باحثين صينيين، بينهم منغ ويجان، قولهم إن خفض الضغط الأميركي مؤقت، وإن إدارة ترامب لا تزال تستهدف الصين ولكن بطريقة “أقل علانية”. وكتب منغ أن البعض قد يعتقد بعد مغادرة ترامب للمنصب أن رئاسته “لم تكن سيئة للغاية بالنسبة للصين”. وختمت الصحيفة تقريرها بالإشارة إلى أن منغ يرى أن ترامب ربما يستلهم نصيحة دينغ شياو بينغ: “اخفِ قوتك وانتظر وقتك”، إذ تهدف الولايات المتحدة -وفق هذا التحليل -إلى إعادة بناء قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية استعدادًا لمنافسة الصين مستقبلًا. وبحسب ما نقله التقرير، فإن “جوهر الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين لم يتغير: الحفاظ على الهيمنة الأميركية ومنع صعود الصين”.