يصف تقرير لصحيفة "نيويرك تايمز" الأمريكية، كيف أنه في تحدٍّ صارخ للحرب التجارية التي شنّتها إدارة ترامب عبر فرض رسوم جمركية ضخمة، حقّقت الصين إنجازًا اقتصاديًا غير مسبوق هذا العام، إذ تجاوز فائضها التجاري حاجز التريليون دولار خلال أحد عشر شهرًا فقط -رقم لم يسبقه إليه أي اقتصاد في التاريخ. ورغم تراجع صادراتها إلى الولايات المتحدة بفعل الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، نجحت بكين في تعويض ذلك عبر توسيع حضورها في الأسواق العالمية ورفع قدراتها التصديرية، لتتحول إلى قوة تصدير جارفة تربك الاقتصادات الكبرى في أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية. وقال التقرير، إن الصين لفتت أنظار العالم في يناير الماضي عندما أعلنت أن فائضها التجاري في السلع والخدمات بلغ ما يقارب تريليون دولار-وهو فائض بين الصادرات والواردات لم تصل إليه أي دولة من قبل. والآن، تجاوزت الصين هذا الإنجاز خلال 11 شهرًا فقط من هذا العام. فقد أعلنت إدارة الجمارك الصينية يوم الاثنين أن الفائض التجاري التراكمي للبلاد وصل إلى 1.08 تريليون دولار حتى نوفمبر. ويضيف التقرير أن رسوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية التي فرضت على الصين، تسببت بانخفاض الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة بنحو الخُمس، إلا أن الصين قلّصت بدورها مشترياتها من فول الصويا الأميركي وغيره من المنتجات بالمعدل نفسه تقريبًا، لتستمر في بيع ثلاثة أضعاف ما تشتريه من الولايات المتحدة. وبلغ الفائض التجاري للصين في شهر نوفمبر وحده 111.68 مليار دولار، وهو ثالث أكبر فائض مسجّل في تاريخها لشهر واحد. وارتفع إجمالي الفائض خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام بنسبة 21.7٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ووفق التقرير، عززت الصين صادراتها بشكل كبير إلى دول أخرى. فمن السيارات إلى الألواح الشمسية والإلكترونيات الاستهلاكية، تغمر موجة ضخمة من الصادرات الصينية أسواق جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية. وشركات صناعة السيارات وغيرها من الصناعات التقليدية في دول مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية تفقد حصتها السوقية لصالح منافسيها الصينيين. أما المصانع في الدول النامية مثل إندونيسيا وجنوب أفريقيا، فقد اضطرت إلى خفض الإنتاج أو الإغلاق بسبب عدم قدرتها على منافسة الأسعار الصينية المنخفضة. قامت الشركات الصينية بنقل عمليات التجميع النهائية لمنتجاتها إلى دول في جنوب شرق آسيا والمكسيك وأفريقيا، والتي تقوم بعد ذلك بشحن المنتجات النهائية إلى الولايات المتحدة. ساعدها هذا في التحايل جزئيًا على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب على الواردات القادمة مباشرة من الصين. أصبحت الصين الآن تبيع إلى الاتحاد الأوروبي أكثر من ضعف ما تشتريه منه، وقد اتسع فائضها التجاري مع أوروبا بصورة كبيرة هذا العام. أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو ضعف العملة الصينية (اليوان) خلال السنوات القليلة الماضية مقابل العديد من العملات، وخصوصًا اليورو. كما أن الأسعار تتراجع داخل الصين بينما ترتفع في الولايات المتحدة وأوروبا. ساهم ضعف اليوان في تعزيز صادرات الصين. إذ يشكل الفائض التجاري في السلع المصنّعة أكثر من عُشر الاقتصاد الصيني الآن. أما أوروبا فهي الأكثر تأثرًا بذلك. وقال ينس إسكيلوند، رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين: "مع انخفاض قيمة اليوان بنسبة 30٪ أمام اليورو - وربما أكثر-سيكون من الصعب جدًا، إن لم يكن مستحيلًا، على أوروبا منافسة الشركات المصنعة الصينية، حتى لو اتخذت أوروبا كل الخطوات الصحيحة من تحرير الأسواق وتخفيض أسعار الطاقة وإنشاء سوق موحدة حقيقية". ووفق التقرير، الفائض التجاري الصيني في السلع المصنّعة يُعد أكبر مقارنة بحجم اقتصادها مما بلغته الولايات المتحدة في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة حين كانت اقتصادات الدول المصنعة الأخرى مدمّرة، أو خلال سنوات الحرب العالمية الأولى عندما كانت الولايات المتحدة في حالة سلم وتنتج السلع الاستهلاكية بينما كانت أوروبا غارقة في الحرب. ووفق التقرير، يتزايد عدد الاقتصاديين وقادة الأعمال -بمن فيهم مسؤولون سابقون في البنك المركزي الصيني- الذين يدعون بكين إلى السماح لليوان بالارتفاع أمام الدولار وغيره من العملات. بالنسبة للصين، فإن عملة أقوى ستجعل استيراد السلع مثل البنزين والنبيذ الفرنسي ومستحضرات التجميل اليابانية أرخص، ما يترك للأسر الصينية مالًا إضافيًا لإنفاقه على السلع والخدمات المحلية مثل المطاعم والحفلات الموسيقية والسيارات الكهربائية. وتحفيز الاستهلاك المحلي من أهم أهداف القيادة الصينية. لكن تحقيق ذلك عبر رفع سعر اليوان له تكلفة كذلك. عملة صينية أقوى ستلحق الضرر بالمصدّرين الصينيين، إذ إن الدولارات التي يحصلون عليها من الأسواق الخارجية ستُترجم إلى كمية أقل من اليوان لدفع الأجور والتكاليف. وتوفر المصانع ملايين الوظائف في الصين، وبالتالي قد يؤدي ارتفاع قيمة اليوان إلى إبطاء انتقال الصناعات من الدول الأخرى إلى الصين. كما أن نجاح الصين في التصدير موّل طفرة في الابتكار التكنولوجي، ومنح بكين القدرة المالية على دعم دول تواجه صعوبات مثل روسيا وكوريا الشمالية وإيران. تحاول الصين الحفاظ على فائضها التجاري من خلال الضغط على الدول الأخرى لعدم فرض حواجز تجارية. وقال شي جينبينغ، الرئيس للصين، يوم الخميس وفقًا لملخص حكومي صيني لاجتماعه مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "الحماية التجارية لا يمكنها حل المشاكل الناتجة عن إعادة هيكلة الصناعة العالمية، بل ستزيد من سوء البيئة الدولية للتجارة".