عندما ينظر المؤرخون فيما بعد إلى الوراء على التحول العالمي الذي يحدث مرة واحدة كل قرن ويتتبعون المنطق الكامن وراء تطور العلاقات الدولية، سيقرون بالتأكيد بأن الأول من سبتمبر 2025 كان وقتا محوريا -- عندما اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحوكمة العالمية. وقبل ذلك، كانت بكين قد طرحت سلسلة من المبادرات العالمية الرئيسية: مبادرة التنمية العالمية في عام 2021 ومبادرة الأمن العالمي في عام 2022 ومبادرة الحضارة العالمية في عام 2023. وتشكل هذه المبادرات، إلى جانب مبادرة الحوكمة العالمية، إطارا شاملا لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية معا. وتعالج كل مبادرة ركيزة أساسية من ركائز التعاون العالمي: على سبيل المثال تسعى مبادرة التنمية العالمية إلى إرساء الأساس المادي، كما أن مبادرة الأمن العالمي مصممة من أجل الحفاظ على الاستقرار، ومبادرة الحضارة العالمية تعمل على تعزيز التفاهم المشترك، وتهدف مبادرة الحوكمة العالمية إلى توفير الهيكل المؤسسي. وكما أشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فإن المبادرات العالمية الأربع التي اقترحتها الصين "تتماشى تماما مع ميثاق الأمم المتحدة". وترى العديد من الدول هذه المبادرات بمثابة حلول براغماتية وبناءة للتحديات العالمية المعاصرة. ومع ذلك، لا يزال العالم منقسما وسط تصاعد موجات عدم اليقين والاضطراب. ففي حين يدعو البعض إلى الحوار والتعاون، يتمسك آخرون بالأحادية وسياسة التكتلات، ما يؤدي إلى أزمات طويلة الأمد ويخلق مخاطر جديدة. لا تزال التنمية العالمية هشة، حيث تتسم باتساع الفوارق بين الشمال والجنوب وتتفاقم بسبب أزمات الطاقة والغذاء المتداخلة. وعلى مستوى العالم، لا يزال أكثر من مليار شخص يعيشون في فقر مدقع. كما يتدهور الوضع الأمني، بسبب وصول النزاعات المسلحة إلى أعلى مستوياتها منذ فترة ما بعد الحرب وارتفاع معدلات النزوح وزيادة الاعتماد على العقوبات والتنمر من قبل دول بعينها. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الخطاب المتعلق "بصراع الحضارات" يطغى على التبادلات بين الحضارات، بينما تتآكل جذور الحوكمة العالمية بسبب الانسحاب من المعاهدات الدولية، وممارسات فك الارتباط، وتوسيع نطاق الحواجز التي تقوض النزاهة والمساواة، لا سيما بالنسبة للجنوب العالمي. وتؤكد هذه الوقائع المريرة أهمية وتوقيت المبادرات العالمية الأربع، بل وتسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى بناء توافق دولي وتعزيز التضامن. دعوة إلى تنمية مشتركة كما أشار شي، فإن التنمية تمثل المفتاح الرئيسي لحل جميع المشكلات. وتركز مبادرة التنمية العالمية على حاجات التنمية المشتركة للبشرية وتتواءم بشكل وثيق مع أجندة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة وتعالج بشكل مباشر التحديات الواقعية في مجال التنمية العالمية. كما تسهم هذه المبادرة بالحكمة والحلول الصينية لدفع التنمية العالمية نحو مرحلة جديدة من النمو المتوازن والمنسق والشامل. وبعد مرور 10 سنوات، تعطلت أجندة التنمية المستدامة 2030. ومن بين أهداف الأجندة والتي يبلغ عددها 169 هدفا، يتقدم 35 بالمئة فقط من هذه الأهداف على المسار الصحيح، بينما يتقدم نحو نصفها ببطء شديد، فيما تراجع 18 بالمئة منها. وعلى الصعيد العالمي، تشهد التنمية تراجعا في مجالات رئيسية. فقد ارتفع الفقر المدقع لأول مرة منذ عقدين، في حين لا يمتلك النصف الأفقر من البشرية سوى 2 بالمئة فقط من الثروة العالمية. ولا يزال نحو 2.6 مليار شخص يفتقرون إلى الوصول إلى الإنترنت، كما تتسع باستمرار فجوة التمويل أمام الدول النامية للتكيف مع تغير المناخ. وعلاوة على ذلك، دفعت الحروب والصراعات 140 مليون شخص إلى حالة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما تواصل العقوبات الأحادية التأثير بشدة على سبل معيشة المليارات. وتكشف هذه الحقائق المقلقة عن عيوب جوهرية في التنمية العالمية. فقد أعطت بعض الدول المتقدمة الأولوية لمصالحها الجيوسياسية على حساب التعاون، حيث استغلت موارد التنمية من خلال العقوبات وفك الارتباط وتقليل المساعدات، متراجعة بذلك عن التوافق العالمي المتمثل في أن الحق في التنمية حق بشري غير قابل للتصرف. كما أن هيكل الحوكمة العالمية غير المتوازن ترك الدول النامية في وضع غير موات عند صياغة القواعد الدولية، فيما يواصل الحصار التكنولوجي والحواجز التجارية توسيع فجوة التنمية. وفي الوقت نفسه، ضعفت آليات التعاون متعدد الأطراف بشكل متزايد بسبب الإجراءات الأحادية، ما أدي إلى نقص حاد في المنفعة العامة العالمية وغياب الاستجابات الدولية المنسقة. لا تؤدي هذه القضايا فقط إلى إثارة خطر فشل أجندة 2030، بل تسلط الضوء أيضا على الحاجة الملحة إلى اتخاذ تدابير موجهة لمعالجة تحديات التنمية العالمية. وقد حظيت مبادرة التنمية العالمية، التي تم طرحها في هذا التوقيت الحرج، بقبول عالمي هائل بفضل خروجها عن النموذج البالي الذي تهيمن فيه القوى الكبرى وتُجبر فيه الدول الأصغر على الاعتماد عليها. كما تعزز المبادرة العمل الجماعي بروح من المساواة ونهج نظامي، بما يضمن أن يصبح كل مشارك مستفيدا من التنمية. وبصفتها داعمة استباقية للمبادرة، تسترشد الصين دائما بـ"المبادئ الستة" وتعتمد على منصات مثل مبادرة الحزام والطريق وصندوق التنمية العالمية والتعاون الجنوبي-الجنوبي والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وبنك التنمية الجديد، لتمكين التعاون الدولي في مجال التنمية. ويطبق مركز الصين-إفريقيا النموذجي للتكنولوجيا الزراعية نموذج "علم الإنسان كيف يصطاد، ما أدى إلى زيادة متوسط المحاصيل المحلية بنسبة تتراوح بين 30 إلى 60 بالمئة، وعاد بالنفع على أكثر من مليون مزارع، ليجسد مفهوم أولوية التنمية بصورة ملموسة. كما حول خط السكة الحديد الصين-لاوس الأخيرة من دولة حبيسة إلى مركز ربط بري، ما خفض تكاليف الخدمات اللوجستية بأكثر من 30 بالمئة ووفر أكثر من 100 ألف فرصة عمل. وفي الوقت نفسه، عززت مراكز الابتكار التكنولوجي المشتركة بين الصين والبرازيل الحماية الأيكولوجية ووسعت الوصول إلى الطاقة النظيفة في المجتمعات النائية، ما يدعم النمو الشامل المدفوع بالابتكار، والتناغم بين الإنسان والطبيعة. وإلى جانب منح زخم قوي لأجندة 2030، تحدث مبادرة التنمية العالمية ثورة في مفاهيم التنمية العالمية وتعيد تشكيلها. ويكمن إنجازها النظري في التحرر من الاعتماد على النماذج التنموية الغربية التقليدية، ووضع المصالح المشتركة للبشرية في المقام الأول، وإرساء أساس قوي لبناء مجتمع مصير مشترك للبشرية. ولكي تصل عوائد التنمية إلى عدد أكبر من البشر في جميع أنحاء العالم بصورة عادلة، ينبغي على الدول تجاوز حاجز المصالح الذاتية الضيق، واحتضان الاتجاهات التاريخية، والدفاع عن التنمية المشتركة، والتمسك بالنزاهة والعدالة، والالتزام بشكل كامل بالتعاون متبادل المنفعة. مسار جديد نحو سلام وأمن دائمين يشهد العالم اليوم أعمق اضطرابات وتحولات منذ نهاية الحرب الباردة. ومع تزايد أوجه القصور في السلام والأمن، تواجه الحوكمة الأمنية العالمية تحديات جسيمة، حيث يحتاج المجتمع الدولي بشكل عاجل إلى رؤى ونُهج أمنية تتناغم مع روح العصر. وقد انبثقت مبادرة الأمن العالمي استجابة للوضع الراهن، إذ أنها تتماشى مع المشهد الدولي المتغير من خلال مفهوم الوحدة، وتعالج التحديات الأمنية بنهج يحقق مكاسب للجميع. وتختص هذه المبادرة بالقضاء على الأسباب الجذرية للصراعات الدولية وتحسين حوكمة الأمن العالمية. وبالنظر إلى مسار التنمية البشرية، نجد أن السعي وراء الأمن المطلق من خلال القوة وإنشاء إطار أمني حصري يمثل في جوهره شكلا من أشكال "قانون الغاب". وقد أثبت التاريخ مرارا مخاطره، حيث أن الدمار الهائل الذي خلفته الحربان العالميتان، فضلا عن عدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن التنافس على الهيمنة، كلها نبعت من السعي المحموم وراء الأمن المطلق والتطبيق الوحشي لقانون الغاب. فالدول التي تستغل الآخرين وتتنمر على الضعفاء تواجه في نهاية المطاف إما حلقة مفرغة من المعضلات الأمنية أو تجرفها تيارات التاريخ. وبالنظر إلى الحاضر، فإن هذه العقيدة الأمنية الجامدة القائمة على قانون الغاب باتت لا تتماشى مع اتجاهات العصر. ففي عالمنا اليوم، تتعمق العولمة الاقتصادية، وتتشابك مصالح الدول ومصائرها. ويتضح جليا ترابط القضايا الأمنية وطبيعتها العابرة للحدود الوطنية وتعقيدها، ولا يمكن لأي دولة أن تبقى بمعزل عن العالم. إن محاولات انتهاك مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتجاهل الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي والسعي الأحادي وراء الأمن المطلق، هي كلها تحركات تخالف مجرى التاريخ. وكما أشار شي، فإن عقلية الحرب الباردة ستؤدي فقط إلى تدمير إطار السلام العالمي، وتعريض السلام العالمي للخطر عبر الهيمنة وسياسات القوة، فيما ستؤدي المواجهة بين التكتلات إلى تفاقم التحديات الأمنية في القرن الـ21. وهذه الملاحظة المهمة تقدم رؤى عميقة حول الأسباب الجذرية لمأزق الأمن العالمي. وتستند مبادرة الأمن العالمي إلى ستة التزامات، وهي: الالتزام برؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام؛ واحترام سيادة جميع الدول ووحدة وسلامة أراضيها؛ والامتثال لمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة؛ والتعامل بجدية مع الشواغل الأمنية المشروعة لجميع الدول؛ وحل الخلافات والنزاعات بين الدول سلميا عبر الحوار والتشاور؛ والحفاظ على الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية. وفيما يتعلق بالمجال الأمني التقليدي، دعت الصين بشكل فعال إلى التسوية السياسية للقضايا الساخنة، إذ أنها تعد أكبر مساهم بقوات حفظ سلام بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي. أما في المجالات الأمنية غير التقليدية، فقد شاركت الصين، بل وقادت في كثير من الأحيان، التعاون متعدد الأطراف في مكافحة الإرهاب ومكافحة المخدرات والأمن الصحي العام. كما نفذت العديد من برامج المساعدة الإنسانية بهدف معالجة التهديدات العالمية الناشئة من خلال التعاون. وفيما يخص مجال التعاون الأمني الإقليمي، استفادت الصين من منصات مثل منظمة شانغهاي للتعاون ومؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا، للإسهام باستمرار في الاستقرار الإقليمي. وانطلاقا من التزامها ببناء هيكل أمني أكثر توازنا وفعالية واستدامة، تسعى الصين، بالتعاون مع دول أخرى، إلى اتباع مسار أمني جديد قائم على الحوار بدلا من المواجهة، والشراكة بدلا من التحالفات، والتعاون المربح للجميع بدلا من نتائج المحصلة الصفرية. وعندما تصبح التعددية السمة المميزة لحوكمة الأمن العالمية ويصبح التشاور على قدم المساواة الخيار المشترك لجميع الدول لمعالجة الشواغل الأمنية، فإن البشرية ستنطلق بلا شك على مسار مشرق نحو سلام دائم وأمن شامل. ولا شك أن مسيرة السلام والتنمية ستتقدم. التركيز على التنوع الحضاري في الوقت الحاضر، تسعى بعض الدول إلى الأحادية والحمائية، حيث تتشبث بنظريات "صراع الحضارات" و"التفوق الحضاري". وعندما يؤدي التنافر بين الحضارات والاحتكاكات والمواجهات حول القيم إلى تأجيج التوترات والصراعات بين الدول، عادة ما تظهر مجموعة من القضايا -- تتنوع ما بين توسيع الفجوات التنموية وإضعاف القواعد الدولية إلى تزايد الاضطرابات في الحوكمة العالمية. واستجابة لهذه التحديات الملحة، تقدم مبادرة الحضارة العالمية أساسا ثقافيا مشتركا للدول من أجل التعامل مع الصراعات المشتركة بينها. وقال شي "العالم الذي نعيش فيه متنوع وملون. ويجعل التنوع الحضارة الإنسانية على ما هي عليه ويوفر مصدرا مستمرا للحيوية والقوة الدافعة للتنمية العالمية". هذا البيان المهم يوفر توجيها للإجابة على أسئلة عن كيف ينبغي للحضارات المختلفة التعايش وإلى أين تتجه الحضارة الإنسانية. ويُمكن تلخيص مبادرة الحضارة العالمية في 4 دعوات مشتركة: احترام تنوع الحضارات، التمسك بالقيم المشتركة للإنسانية، وإيلاء اهتمام لميراث وابتكار الحضارات، وتعزيز التبادلات الشعبية الدولية والتعاون الدولي. وبينما تواجه تلك المبادرة المفاهيم الخاطئة والأحكام المسبقة، فإنها تعزز المساواة والتعلم المتبادل والحوار والتكيف المتبادل بين الحضارات. كما تعارض الغطرسة الثقافية وتسعى إلى خلق منصات لإجراء حوارات على قدم المساواة، ما يمكن الحضارات المختلفة من تعميق فهمها المتبادل لبعضها البعض والتقدم من خلال التبادلات والتعلم المتبادل. وتكن الصين احتراما عميقا للتنوع الحضاري وتدعم تبادلات أكثر عمقا وأكثر موضوعية بين الحضارات. أطلقت الصين منصات متعددة الأطراف للحوار ودعمتها، من بينها مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية ومنتدى ليانغتشو والمؤتمر العالمي للكلاسيكيات والاجتماع الوزاري للحوار العالمي للحضارات، بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الصين في بناء توافق في الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل إقامة يوم عالمي للحوار بين الحضارات. وفي يونيو 2025، استضافت الصين بنجاح أول حدث عالمي بمناسبة اليوم العالمي للحوار بين الحضارات. كما وسعت الصين الحوار بشأن الحوكمة والتنمية من خلال آليات مثل الاجتماع رفيع المستوى لحوار الحزب الشيوعي الصيني مع الأحزاب السياسية العالمية والحوار رفيع المستوى بشأن التنمية العالمية وحوار حقوق الإنسان بين الصين والاتحاد الأوروبي والطاولة المستديرة حول حقوق الإنسان بين الصين وأمريكا اللاتينية. وعلاوة على ذلك، وقعت الصين اتفاقيات تعاون مع أكثر من 100 دولة في مجالات تشمل الثقافة والتراث الثقافي والسياحة، ودفعت التعاون في علم الآثار وحماية التراث العالمي والترجمة المتبادلة للأعمال الكلاسيكية وحماية جذورها الثقافية الخاصة في حين الإسهام في صون التراث المشترك للبشرية. وفي عالم يزداد ترابطا، يعد التعايش والتبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات أمرا حيويا لدفع الحضرنة العالمية وإثراء النسيج المتنوع للحضارة العالمية. وتوفر مبادرة الحضارة العالمية إطارا للدول من أجل السعي نحو مسارات تحديث ترتكز على تقاليدها الخاصة إلى جانب الانفتاح على الحكمة المشتركة للبشرية. تجربة جريئة من أجل حوكمة عالمية أفضل لا تزال بعض الدول متمسكة بالاعتقاد البالي المتمثل في "القوة تصنع الحق". وعطلت عقليتهم وممارساتهم التي تتسم بالهيمنة إصلاح القواعد العالمية، ما أضعف القدرة الجماعية العالمية على العمل في مواجهة نظام حوكمة عالمي غير فعال. وتظهر بسرعة تحديات جديدة، مثل استكشاف موارد أعماق البحار والاستخدام التجاري لطرق الشحن القطبية وتعريف حقوق موارد الفضاء الخارجي وتدفقات البيانات عبر الحدود، ومع ذلك، لا تزال القواعد الدولية المتطابقة غائبة أو مجزأة إلى حد كبير. وفي الوقت نفسه، تسيطر بعض الدول الغربية، التي تستفيد من المزايا القائمة، على المؤسسات متعددة الأطراف الرئيسية في الحوكمة الاقتصادية والمالية العالمية. وفي المقابل، لا تزال دول الجنوب العالمي، التي تمثل أكثر من 80 بالمئة من الكثافة السكانية العالمية وأكثر من 40 بالمئة من الناتج الاقتصادي العالمي، ضعيفة التمثيل في المنظمات الدولية، حيث يجري التعامل مع شواغلها المشروعة بشكل غير فعال. وعلاوة على ذلك، تعمل بعض الدول على تجاوز الآليات متعددة الأطراف أو قسرها، حيث تلجأ إلى الانسحابات أو فرض العقوبات، ما يعمل على زيادة تفكيك الحوكمة العالمية. وتسبب هذا الضعف المستمر في فاعلية الحوكمة في عدم كفاية المنافع العامة العالمية، ما تسبب في بقاء الاستجابة للعديد من التحديات العالمية عالقة في مداولات مطولة دون اتخاذ قرار أو اتخاذ قرارات دون تنفيذها. وقال شي ذات مرة "البلدان في جميع أنحاء العالم تشبه الركاب على متن نفس السفينة الذين يتشاركون نفس المصير. لكي تبحر السفينة في العاصفة وتبحر نحو مستقبل مشرق، يجب على جميع الركاب أن يتعاونوا. فكرة رمي أي شخص في البحر هى ببساطة غير مقبولة". وبهذه الاستعارة الواضحة، يؤكد شي أهمية رؤية مجتمع مصير مشترك للبشرية، ما يرسم مسار تحسين نظام الحوكمة العالمي وتعزيز التنمية المشتركة للبشرية. وتسعى مبادرة الحوكمة العالمية إلى مواجهة هذا القصور في الحوكمة، وتدعو إلى الالتزام بالمساواة في السيادة والاستهداف المباشر لأوجه القصور في النظام الذي "تتخذ قلة من الدول القرارات به"، وتؤكد أن مصير العالم يتعين تشكيله بشكل جماعي من قبل جميع الشعوب. وبغض النظر عن الحجم أو القوة أو مستوى التنمية، فجميع الدول هم أعضاء على قدم المساواة في المجتمع الدولي، ويملكون حق المشاركة في الحوكمة العالمية. وتدعو المبادرة إلى التمسك بسيادة القانون الدولي، مؤكدة أن القواعد الدولية يجب صياغتها بشكل مشترك من قبل المجتمع الدولي بدلا من احتكارها من قلة من الدول. كما تدعو إلى وضع قواعد تتطور مع العصر، مع الأخذ في الحسبان مراحل التنمية المختلفة والمصالح المشروعة لجميع الدول. وتدعو المبادرة إلى ممارسة التعددية عن طريق التمسك بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتعزيز الدور المركزي للآليات متعددة الأطراف، ومعارضة سياسة التكتلات والمواجهة بين المعسكرات، وتدعيم نظام حوكمة عالمي أكثر تنسيقا وفاعلية. وتدعم المبادرة نهجا متمركزا حول الشعب، مع التأكيد على أن الهدف النهائي للحوكمة العالمية هو تحسين رفاهية جميع الشعوب. وتسعى المبادرة إلى التعامل مع القضايا التي تتصل بشكل مباشر بحياة الشعوب مثل التوظيف والتعليم والرعاية الصحية، ولهذا تعد نتائج الحوكمة مقسمة على نطاق أوسع وبشكل أكثر عدلا بين جميع الشعوب. وتركز المبادرة على اتخاذ تحركات حقيقية وإعطاء الأولوية لتحقيق نتائج ملموسة من خلالها، وتشجع الدول على تحويل التوافقات إلى أفعال ومواجهة تحديات الحوكمة عبر التعاون البراجماتي. وتعزز تلك الركائز الخمس كل منها الأخرى، لتحدد إطارا واضحا لإصلاح نظام الحوكمة العالمي. وباعتبارها حارسة للنظام الدولي ومقدمة للمنفعة العامة العالمية، تدفع الصين إصلاح الحوكمة العالمية من خلال الإجراءات العملية من أجل تحقيق تقدم ملموس. وتشارك الصين بفاعلية في الحوكمة الإيكولوجية العالمية. ونفذت الصين اتفاقية باريس وإطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي بشكل كامل ونشط، وأعلنت هدف الإسهامات المحددة وطنيا لعام 2035، واقترحت إقامة شراكة عالمية للتعاون في مجال الطاقة النظيفة. كما شاركت بعمق في صياغة قواعد الحوكمة الرقمية. وطرحت مبادرة عالمية بشأن أمن البيانات والمبادرة العالمية لحوكمة الذكاء الاصطناعي والمبادرة العالمية للتعاون بشأن تدفق البيانات عبر الحدود، حيث تعمل من أجل تحسين وصقل إطار الحوكمة الرقمي حتى لا يصبح الابتكار التكنولوجي "لعبة للدول الثرية والأثرياء". وفي مواجهة اختلال توازن القوة المستمر، تعزز الصين الإصلاحات التي توجد حاجة ملحة إليها في المؤسسات الرئيسية متعددة الأطراف في الحوكمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتدعم الدول النامية في زيادة صوتها وتمثيلها. كما تدفع الصين توسع آليات التعاون مثل البريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون وتشجع منصات التعاون الجنوبي-الجنوبي، بما في ذلك منتدى التعاون الصيني-الإفريقي ومنتدى الصين-سيلاك، ما يضخ حيوية جديدة في إعادة تشكيل مشهد الحوكمة العالمي. وبما يتوافق مع حاجات التنسيق متعدد الأطراف، تدعم الصين بقوة الأمم المتحدة في لعب دور مركزي، حيث زادت الاستثمار في صندوق الصين-الأمم المتحدة للسلام والتنمية ودفعت التعاون المعني على نحو مطرد. وعلاوة على ذلك، ساعدت الصين، إلى جانب أكثر من 30 دولة، في إقامة المنظمة الدولية للوساطة ومقرها في هونغ كونغ، ما يسهم في الحفاظ على السلام والاستقرار العالميين من خلال سيادة القانون. حققت المبادرات العالمية الأربع التي اقترحها الرئيس شي الاستقرار وقابلية التنبؤ ، حيث الحاجة الملحة إليهما في عالم مستمر التغيير. ومن خلال جهود نظامية ومتماسكة وعملية، أظهرت الصين أن تنميتها لا تنفصل عن تقدم العالم أجمع، وأن كل منهما يعزز الآخر. وبتوجيه من رؤية مجتمع مصير مشترك للبشرية، ستواصل الصين العمل مع جميع الدول من خلال استخدام المبادرات العالمية الأربع كإطار موحد في التعامل مع التحديات العالمية وتعزيز الحوكمة العالمية وبناء عالم يتسم بالسلام الدائم والأمن الشامل والازدهار المشترك والانفتاح والشمول والاستدامة الإيكولوجية.