غيّب الموت أمس الجمعة، الناشر المصري محمد هاشم، مؤسس دار ميريت للنشر، عن عمر ناهز 67 عامًا، بعد مسيرة ثقافية حافلة ترك خلالها أثرًا بالغًا في المشهد الأدبي والفكري المصري والعربي. وأسّس هاشم دار ميريت عام 1998 في وسط القاهرة، وقدّمت الدار منذ انطلاقها مئات الأعمال الإبداعية والفكرية، محققة نجاحات بارزة، من أبرزها رواية "عمارة يعقوبيان" للكاتب والطبيب المصري علاء الأسواني، التي تحولت لاحقًا إلى فيلم سينمائي من بطولة الفنان عادل إمام وحقق نجاحًا جماهيريًا واسعًا في مصر والعالم العربي. وتدين الساحة الأدبية والثقافية المصرية لمحمد هاشم بالفضل في تقديم عشرات الأصوات الشابة، حيث شكّلت ميريت بوابة الظهور الأولى لكثير من الكتّاب، من بينهم أحمد العايدي، محمد خير، إيهاب عبد الحميد، بلال فضل، حمدي أبو جليل، وأحمد صبري أبو الفتوح صاحب ملحمة "السراسوة". كما نشرت الدار أعمالًا لعدد من أبرز الكتّاب والشعراء المصريين والعرب، في مقدمتهم خيري شلبي، أحمد فؤاد نجم الذي ربطته بهاشم علاقة وثيقة في سنواته الأخيرة، إضافة إلى إبراهيم عبد المجيد، إبراهيم أصلان، سليمان فياض، أحمد خالد توفيق، والشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم الذي أصدرت له الدار مختارات من أعماله. وإلى جانب الإبداع الأدبي، أولت ميريت اهتمامًا كبيرًا بالدراسات الفكرية المترجمة والمؤلَّفة بالعربية، فنشرت أعمالًا ودراسات لعدد من المفكرين، من بينهم بيير بورديو، السيد ياسين، شريف يونس، خليل عبد الكريم، أحمد السيد النجار، والدكتور رؤوف عباس. ومن أبرز الترجمات التي قدمتها الدار رواية "الحدث" للكاتبة الفرنسية آني إرنو. وإلى جانب عمله في النشر، كتب محمد هاشم رواية واحدة بعنوان "ملاعب مفتوحة"، ونال عددًا من الجوائز الدولية، من بينها جائزة جيري لابير لحرية النشر من اتحاد الناشرين الأميركيين عام 2006، وجائزة هيرمان كستن (Hermann Kesten Prize) عام 2011. وعُرف الراحل أيضًا بنشاطه السياسي ومواقفه الوطنية، إذ كان من معارضي النظام المصري الأسبق، وشارك في ثورة 25 كانون الثاني/ يناير، كما كان من أبرز الداعين إلى مواجهة محاولات الإخوان المسلمين السيطرة على مصر، ودعا إلى التحرك الشعبي ضدها. وبرحيل محمد هاشم، تفقد الحياة الثقافية المصرية أحد أبرز رموز النشر المستقل، الذي فتح أبوابه للأصوات الجديدة، وجعل من دار ميريت مساحة حرة للنقاش والإبداع، وملتقى دائمًا للمثقفين. مؤسسة سميح القاسم تنعى "قدّيس النشر المصري" محمد هاشم نعى وطن القاسم، نجل الشاعر الفلسطيني الكبير ورئيس مؤسسة سميح القاسم، الناشر المصري الكبير محمد هاشم، "أحد أبرز رموز النشر التقدّمي في مصر والعالم العربي، الذي قدّم نموذجًا فريدًا في العمل الثقافي على مدار أكثر من ربع قرن عبر دار ميريت"> وكتب القاسم: "بقدر ما كان محمد هاشم مُتيّمًا بحبّ الكتاب والحرية، كان أيضًا عاشقًا لفلسطين ومسكونًا بقضيّتها. وكان اللقاء الأوّل بين الشاعر الفلسطيني الكبير والمثقف المصري الشاب في تسعينيات القرن الماضي، قبل أن تتجدّد العلاقة مؤخرًا، حيث شاءت الأقدار أن يكون آخر إصدارات دار ميريت مختاراتٍ من شعر سميح القاسم بعنوان "تقدّموا – وإلى آخر نبضٍ في عروقي سأقاوم"، من تقديم رجا زعاترة". وأضاف: "جاء رحيل هاشم الصادم في خضمّ التحضيرات لتنظيم ندوات حول هذه المختارات ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في كانون الثاني/يناير 2026 في القاهرة". وتابع القاسم: "إنّ رحيل محمد هاشم خسارة فادحة ومؤلمة للحركة الثقافية والوطنية المصرية، وللمشهد الثقافي والأدبي في العالم العربي، ولا يعزّينا في هذه الخسارة سوى هذا الإرث الكبير والمتنوّع، المتمثّل في نشر أهم العناوين لأبرز الأدباء في الشعر والفكر والرواية، ودعم الأقلام الشابة، والالتزام الدائم بقضية الإنسان. إنها سيرة فريدة لناشر أصرّ على حرية الكلمة وعلى دقّة البوصلة". واختتم وطن القاسم بإرسال "تعازينا القلبية من جبال الجليل وحيفا وعكا إلى عائلة الفقيد الكبير في مصر الحبيبة، وأصدقائه وتلاميذه، له الرحمة ولروحه السلام ولذكراه الخلود، وكما قال سميح القاسم: أبدًا على هذا الطريق/ شرفُ السَّواقي أنها تفْنى/ فِدى النَّهْر العميق".