news-details

تعليق | الصين تردّ "الصاع صاعين" وتتهم واشنطن وساستها بالغرور والاهمال

يجادل مفهوم "الاستثنائية الأمريكية" بأن للولايات المتحدة دورا خاصا في العالم وتمثل نموذجا يحتذى به للآخرين.

لقد سقطت هذه الخرافة فريسة لجائحة فيروس كورونا الجديد، أو على وجه التحديد، لتعطيل واشنطن لجهود المكافحة العالمية ضد العامل الممرض القاتل.

وبصفتها القوة العظمى الوحيدة في العالم، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية لا يمكن التنصل منها في قيادة أو دعم معركة عالمية ضد العدو المشترك للبشرية، أو على الأقل تقديم مثال جيد لاحتواء تفشي المرض في الداخل. ورغم ذلك، فإن أداء واشنطن جعلها أكبر معطل في هذا الصراع الحيوي الجاري، وخذلت العالم بشدة.

ويروق للعديد من السياسيين في واشنطن التباهي بدور أمريكا القيادي في العالم. والبلاد تقود حقا اليوم، ولكن بطريقة مأساوية لا أحد يرغب في رؤيتها.

وكونها البؤرة العالمية في جائحة كوفيد-19، فإن البلاد لديها الآن حوالي ثلث عدد الحالات والوفيات في العالم على التوالي، أكثر من أي مكان آخر على سطح الأرض.

ومن الواضح أنه على الرغم من كل التحذيرات التي وجهتها الصين أو منظمة الصحة العالمية، أو حتى أجهزتها المخابراتية، فإن هذه الإدارة الأمريكية أسقطت الكرة ببساطة إما بسبب غطرسة الغرور الذاتية أو الإهمال الجسيم، أو كليهما.

وفي مقال نشرته مؤخرا، قالت وكالة ((أسوشيتد برس)) إن الولايات المتحدة استجابت للجائحة بنظام شهد "إخفاقات متتالية وعدم كفاءة"، مبدية استيائها من أن "أمة ذات قوة لا مثيل لها وطموحات وتطلعات صفيقة عبر قوس التاريخ لتكون المدينة الساطعة على تلة للبشرية لا يمكن أن تأتي بمسحات قطنية بسيطة كافية".

يبدو أن بعض السياسيين في واشنطن، مثل وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والمستشار التجاري للبيت الأبيض بيتر نافارو، ليس لديهم مصلحة في التفكير في ما يجري من أخطاء في بلدهم. في مواجهة كارثة فيروس كورونا الجديد، فإنهم مهتمون بأمرين: التستر عليها وإلقاء اللوم على الآخرين.

عندما يهاجم من هم على شاكلة بومبيو ونافارو الصين بسبب الشفافية، يجب أن يعرفوا أنهم هم الذين حاولوا التقليل من شأن التهديد الخطير للمرض على الرغم من تحذيرهم مرارا، ورفضوا الكشف عن كيفية توزيع الإدارة للإمدادات الطبية، ومنعوا الدكتور أنتوني فاوسي، خبير الأمراض المعدية والشخصية الرئيسية في فرقة العمل المعنية بفيروس كورونا الجديد بالبيت الأبيض، من الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس.

في محاولة للترويج لنظريتهم حول أصل الفيروس، لا يمكن أن يكونوا أكثر يأسا لتشويه سمعة الصين. خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قال بومبيو إن هناك "أدلة هائلة" على أن تفشي فيروس كورونا الجديد نشأ في مختبر في ووهان بالصين، لكنه فشل في الكشف عن أي منها. إن خداع بومبيو يمكن أن يذكّر الناس بسهولة بالعرض المسرحي الذي جرى في الأمم المتحدة في عام 2003 والذي قدمه كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، الذي دافع عن الحرب العراقية الدموية والمدمرة بأكاذيب صريحة.

وبدلا من المساهمة في الحملة العالمية لدحر الجائحة، شنت الحكومة الأمريكية الحالية هجوما لتعطيله.

وفي الشهر الماضي، قررت واشنطن وقف تمويل منظمة الصحة العالمية، متهمة إياها بـ"سوء الإدارة الشديد والتستر على انتشار فيروس كورونا الجديد".

وهذا قرار غير مسؤول للغاية لا يمكن أن يأتي في وقت أسوأ حيث يحتاج العالم أكثر من أي وقت مضى هذه الهيئة الصحية العالمية لتقوم بدورها الأساسي لتنسيق استجابة عالمية فعالة بين الحكومات في مواجهة الجائحة التي لا تزال مستعرة.

وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، انضمت الولايات المتحدة إلى بلدان العالم لإنشاء الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتفاقية العامة بشأن التعريفات الجمركية والتجارة، وكلها ركائز النظام العالمي الحالي مدعومة بروح التعددية. وكان ذلك وقتا كسبت فيه الولايات المتحدة بعض الاحترام في العالم على الرغم من أن واشنطن وموسكو سرعان ما انجرتا وجها لوجه لمعايشة الحرب الباردة.

وكتبت كاترين بينهولد، رئيسة مكتب صحيفة ((نيويورك تايمز)) في برلين، في مقال رأي نُشر مؤخرا، أن جائحة فيروس كورونا الجديد "يهز الافتراضات الأساسية" حول "الاستثنائية الأمريكية".

إن أداء واشنطن خلال الجائحة الجارية، إلى جانب العداء المتزايد لهذه الإدارة تجاه التجارة الحرة والعولمة الاقتصادية والنظام العالمي لما بعد الحرب الذي ساعدت الولايات المتحدة في تشكيله، قد جعلها تتردى إلى متنمر قصير النظر وقوي الذراع ومستعد للقيام بأي شيء من أجل المصالح الذاتية قصيرة الأجل.

ويواجه الجنس البشري اليوم عددا لا يحصى من التحديات الرهيبة، مثل تغير المناخ والأمراض المعدية الفتاكة مثل كوفيد-19. ولمواجهة هذه التحديات يتطلب الأمر تقديم مساهمات من الجميع. إذا ما أراد صناع القرار الأمريكيون هؤلاء أن تكون بلادهم استثنائية، فعليهم أن يكونوا مسؤولين ويجب أن تكون أفعالهم ملهمة. وبخلاف ذلك، فإن "الاستثنائية الأمريكية" لن تصبح سوى أضحوكة، سيشعر المجتمع الدولي بسببها ببغض شديد.

 

 

//الصورة

بومبيو ومن على شاكلته مهتمون بأمرين: التستّر وإلقاء اللوم على الآخرين

أخبار ذات صلة