يُعد ذوبان الأنهار الجليدية أحد أبرز المؤشرات الواضحة لأزمة المناخ العالمية، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 200 ألف نهر جليدي ما زالت موجودة حول العالم، فيما يختفي قرابة 750 نهرًا جليديًا سنويًا. وكشفت دراسة جديدة أُجريت في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ (ETH Zurich)، ونُشرت هذا الأسبوع في مجلة Nature Climate Change، أن نحو 80% من الأنهار الجليدية في العالم قد تختفي بحلول نهاية القرن الحالي إذا استمر الاحترار العالمي بالمعدلات الراهنة. واعتمد الباحثون في دراستهم على صور أقمار صناعية، وحلّلوا أوضاع الأنهار الجليدية، بما في ذلك الصغيرة منها، وفق أربعة سيناريوهات للاحترار المناخي. ووفق تقارير الأمم المتحدة، من المتوقع أن ترتفع حرارة الأرض بنحو 2.7 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، استنادًا إلى التزامات الدول الحالية للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة. وشملت الدراسة سيناريوهات لاحترار بمقدار درجتين وأربع درجات مئوية، إضافة إلى سيناريو متفائل يُنجح في كبح الاحترار عند 1.5 درجة مئوية من خلال خفض سريع لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وفي هذا السيناريو، يقدّر الباحثون أن يتباطأ فقدان الأنهار الجليدية إلى نحو 2000 نهر سنويًا بحلول عام 2040، على أن يختفي نحو نصفها فقط بحلول نهاية القرن. أما في حال استمرار الاتجاه الحالي، فمن المتوقع أن يرتفع عدد الأنهار الجليدية التي تختفي سنويًا إلى نحو 3 آلاف بحلول عام 2040، وتُعدّ الأنهار الجليدية في وسط أوروبا الأكثر عرضة للخطر. ففي جبال الألب وحدها، قد يختفي أكثر من 100 نهر جليدي خلال ثماني سنوات، فيما يُتوقع زوال 97% من أنهار وسط أوروبا الجليدية بحلول عام 2100. وحتى في السيناريو الأخف (1.5 درجة)، سيختفي 87% منها. وفي غرب الولايات المتحدة، وألاسكا، وكندا، يُتوقع أن يصل معدل الذوبان إلى نحو 800 نهر جليدي سنويًا خلال أربعينيات القرن الحالي. ووفق الدراسة، سيختفي نحو 70% من الأنهار الجليدية في هذه المناطق في سيناريو 1.5 درجة، وأكثر من 90% في سيناريو 2.7 درجة. أما في غرينلاند، فيُتوقع أن يكون الذوبان أبطأ نسبيًا، حيث سيختفي 40% من الأنهار الجليدية بحلول عام 2100 في سيناريو 1.5 درجة، مقابل 59% في سيناريو 2.7 درجة. وفي القارة القطبية الجنوبية والمناطق شبه القطبية، يُتوقع فقدان نحو 25% من الأنهار الجليدية وفق المسار الحالي للاحترار. كما تُظهر الدراسة أن خسائر كبيرة ستطال الأنهار الجليدية في القوقاز، وسلسلة جبال الأنديز، وآسيا، فيما وصلت عملية الذوبان في إفريقيا إلى مراحل متقدمة للغاية. وأوضح الباحثون أن دراسات سابقة ركزت على حجم الجليد المفقود وتأثيره على ارتفاع منسوب البحار، بينما تميّزت هذه الدراسة بتركيزها على عدد الأنهار الجليدية المهددة بالاختفاء. وقال ماتياس هاس، الباحث البارز في زيورخ وأحد المشاركين في الدراسة، إن سويسرا وحدها فقدت نحو ألف نهر جليدي خلال العقود الثلاثة الماضية. وحذّر الباحثون من أن بلوغ ذوبان الأنهار الجليدية ذروته سيكون نقطة تحوّل ذات آثار هائلة على النظم البيئية، وموارد المياه، والتراث الثقافي. كما شددوا على الحاجة الملحّة لدعم نحو ملياري إنسان يعيشون على ضفاف أنهار تنبع من الأنهار الجليدية، إذ يؤدي ذوبانها إلى فقدان فرص العمل، وتهديد الأمن الغذائي، ويفرض التكيف مع أنماط زراعية جديدة والبحث عن بدائل اقتصادية للسياحة.