news-details

أية حضارة وتقدّم طالما يقتل الجوع ملايين البشر؟

عالمنا الذي تتحقق فيه خطوات يومية على درب التقدم العلمي والتكنولوجي، وتتراكم فيه على نحو مضطرد ومتسارع شتى أنواع المعارف على مدار الساعة، ما زال فيه بشرٌ بعشرات الملايين مهددون بالموت جوعًا. جوعٌ يقتل في عصرٍ عنوانه الكثرة والتسويق المهوّس والاستهلاك المنفلت والترويج عديم الكوابح لكل ما قد يخطر ببال.

عدد الضحايا المحتملين للقتل جوعًا ليس ضئيلا، ولا هامشيا، ولا يتراجع لا بل يتزايد بنسبٍ مخيفة من عام الى آخر. نحن نتحدث عن عدد يفوق تعداد سكان دول غير صغيرة بأكملها. فبموجب معطيات حديثة نشرها "برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة"، بلغ عدد المنكوبين بالمجاعة والواقفين على حافتها 45 مليون انسان. هذا بينما كان العدد فقط قبل ثلاث سنوات 27 مليونا. خلال هذه الفترة ازداد عدد هؤلاء البشر الضحايا بـ 18 مليون انسان.

هذا الواقع البشع الملطّخ بالإذلال والتبلّد وتشوّه العقل السليم وانعدام العدل بأبسط أشكاله، يطرح أسئلة عن المعنى وعن الجدوى. ما معنى تسجيل وقائع تحقيق انجازات فكرية وعلمية وتكنولوجية جديدة، بينما يواصل عشرات الملايين التضوّر جوعا في ظل شبح الموت. ما جدوى السير بخطوات معرفية جديدة الأمام حين ما زال يُترك عشرات ملايين البشر في الخلف بلا كسرة خبز داخل ما يشبه قبرا جماعيا معروفًا سلفًا لحشود من البؤساء المُفقرين المقموعين.

ما معنى جميع المواعظ والتأملات والتنظيرات في عالم قطع طريقًا هائلة من النمو والتطور، لكنه ما زال فاشلًا في هزيمة الجوع؟ إن جميع مسمّيات وممارسات الحريات تجفّ من المعنى طالما أنها لا تحمي جموع الجياع المرميين على قارعة الضمير، وفي جحيم اللامبالاة بحياة ووجع أطفال يُقتلون ببطء.

بين هذه الحريات نخص بالذكر تلك الحريّات المُفرغة من روحها، الممسوخة كمائنَ وقنابلَ موقوتة؛ حرية التنافس وحرية السوق والتحرر من الالتزام والمسؤولية الأخلاقيين تجاه كل ما لا يخدم "القيمة" العليا، قيمة الربح الأناني. 

برنامج الأغذية العالمي يقدّر أن تجنب المجاعة يحتاج 7 مليارات دولار. هل يعجز المهيمنون على العالم عن توفير هذه التكلفة؟! الجواب واضح وصارخ وسلبيّ يتردد صداه في دهاليز عصر وقع أسيرًا يجب أن يكسّر القيود ويتحرّر من سجنه الرأسمالي القاتل.

أخبار ذات صلة