news-details

عبَر ومغازي عزل بولتون

جاءت إقالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمستشار الأمن القومي جون بولتون تعبيرًا عن اعتراف رسمي بالفشل. إنه فشل السياسة الأمريكية في العودة الى جزمة الشرطي العنيف الذي تسير الأمور كمشيئته في الشرق وفي الغرب، مثلما ظنّ واضعوها في آخر عقود القرن السابق.

أصابت فكرة العالم ذي القطب الواحد المهيمِن كثيرين بهلوسةٍ مفادها أن المشروع الرأسمالي انتصر وسوف يطبّق على جميع الشعوب، شاءوا أم أبوا. لكن ظهور أقطاب جديّة جديدة جعلت ساسة امريكيين قبل ترامب يتروّون ويختارون سبل الدبلوماسية الخشنة أو العنف الناعم، يقينًا منهم باستحالة حكم الكوكب بمواجَهة. لم يتغيّر مشروع الهيمنة لكنهم لجأوا الى الأفعوانيّة.

لكن مجيء المنفلت ترامب أعاد السياسة الى جلافتها وفظاظتها في الشكل والمضمون. فأشهر الكاوبوي المسدسات على كل من لم يذعن ويقل: نعم أمرك سيّدي. أبرز رموز هذه السياسة العنيفة المستبدّة هو بولتون. الذي أراد تهشيم رؤوس وتكسير أنوف كل من لا ينصاع. مورس هذا ضد فنزويلا وضد كوبا وضد إيران، وبشكل أكثر حذرًا ضد روسيا وضد الصين – لكن الشهور مرّت وتراكمت، دون ان يدبّ الفزع في هؤلاء.

لقد فشلت سياسة العقوبات والتهديد والبلطجة الامبريالية في تغيير أيّ نظام ولا في كسر أية إرادة وطنية فيمن وُصفوا أعداء الديمقراطية أو أعداء الاستقرار وهلمّجرّا.. وكان لا بدّ من القيام بانعطافة، وإعادة المسدس الى الغمد والكفّ عن التهديد والوعيد. ووفقًا لمراقبين فإن بولتون – كتيّار وليس فقط كشخص – رفض توجهات أخيرة بتغيير السياسة نحو إيران ونحو فنزويلا، وتعنّت على الحربجيّة المتغطرسة.

لكن هذا النهج فشل وبات يهدد مصالح صاحب عقليّة البزنس في البيت الأبيض، ترامب. وبات تيار الصقور المتطرفة يتناقض مع مصالحه (وليس مع أخلاقياته بأي شكل. لا علاقة ولا مكان لهذه هنا!). لذلك جاءت اقالة بولتون غزيرة بالمغازي، وأهمّها تسجيل إخفاق أمريكي مبارك جديد في العودة الى أيّام متخيّلة مضت يلعب فيها دور شرطي العالم. فإلى الجحيم وبئس المصير.

أخبار ذات صلة