news-details

مشاهد تعكس الأزمة العميقة لإمبراطورية عصرنا

ما كان لولاية ترامب "المثيرة" والخارجة عن الاعراف والتقاليد السياسية الى حد الجنون، ذات الدلالة على الأزمة العميقة لإمبراطورية عصرنا، أن تختتم بمشهد أقل اثارة وجنونًا من الذي حدث يوم الاربعاء بتحريض منه. حيث اقتحم المئات من العصابات اليمينة المناصرة للرئيس الأميركي المنتهية ولايته مبنى الكونغرس خلال جلسة التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية وإعلان جو بايدن رئيساً للبلاد، واشتبكوا مع عناصر الشرطة، ثم اجتاحوا قاعة مجلس الشيوخ وعاثوا فسادًا في المبنى واضطروا قوات الأمن على اخلاء النواب والطواقم. وهذه جلسة بالعادة تكون  ذات طابع طقسي، تعقد لغرض التصديق على تقارير المجمع الانتخابي، التي سبق ان صودق عليها في كل ولاية. لكن ترامب وعصابته من نواب الحزب الجمهوري كان لهم تخطيط آخر اضطر الأمة الأمريكية أن تنظر بشكل مباشر وبفزع إلى عُمق أزمتها الاجتماعية والسياسية وتفسخ مؤسساتها ومنظوماتها القيمية.

النواب الجمهوريين والديموقراطيون اتفقوا على انكار الحادث واعتباره "وصمة عار" في تاريخ الديموقراطية الأمريكية مؤكدين جميعًا على "الاستنثائية الامريكية" ووهم "الرسالة الديموقراطية" التي تحملها للعالم. في حين أن النواب الجمهوريون يتحملون المسؤولية المباشرة في دعمهم بتبعية عمياء حتى آخر لحظة للفاشي المحرض المعتوه الموجود في البيت الأبيض، والآخرون يحملون مسؤولية تاريخية أكبر في ظل منظومة فاسدة أنتجت الارضية الخصبة لظاهرة شعبوية مثل ظاهرة. وهذه الظاهرة هي هي أزمة الرأسمالية والديموقراطية الليبرالية الأمريكية الفاسدة بجمهورييها وديموقراطييها.

ومن المفارقة ومن دواعي التشفي- والتشفي فعل أخلاقي من الدرجة الاولى في عرف ضحايا الامبراطورية الامريكية ولو كره ذلك الليبراليون العرب- أن الدولة الامبراطورية التي تغزو وتهيمن وتعربد وتمنح نفسها حق التدخل وخرق سيادة أي دولة في العالم باسم "جلب الديموقراطية" أو "تأمين الديموقراطية"، تجد نفسها عاجزة عن تأمين "انتقال ديموقراطي سلس" للسلطة  داخلها، حتى بمعاييرها هي. رئيس مهزوم في الانتخابات يتمسك بالرئاسة بالقوة ويحث نواب حزبه على خرق الدستور لمنع انتقال السلطة ويهدد حكام ولايات ويحرض مؤيديه من عصابات اليمين على اختراق مبنى الكونغرس في مشهد غير مسبوق لتعطيل عملية الانتقال الديموقراطي.. أما كان لمشهد مماثل في دولة أخرى تتربص لها الولايات المتحدة في دول الجنوب  ليستدعيها وفق مصالحها، تحريك اسطولها أو عملائها في الداخل وتدبير انقلاب أو فرض حصار اقتصادي على أقل تقدير باسم "تأمين الديموقراطية"..؟ بل أقل من ذلك حتى: تعطل آلة عرض نتائج التصويت في بوليفيا أعطى امريكا الذريعة التي تكتفي بها، لتدبير انقلاب يميني فاشي (وفاشل!) ضد الرئيس المنتخب ايفو موراليس!

ذات المنطق الذي يجعلنا نكتشف أن الدولة التي اعتادت على أخذ الحق في تصنيف الدول التي لا تخضع طوعًا لهيمنتها حول العالم بأنها دول "مارقة"، هي بالذات الدولة "المارقة" بأل التعريف. يجعلنا هذا الآن نكتشف بوضوح أن الدولة التي أخذت الحق بخرق سيادة دول العالم باسم الديموقراطية، هي التعبير الأكبر عن فساد الديموقراطية النيوليبرالية وهشاشتها.

أخبار ذات صلة