news

هل باتت إسرائيل أمام إخفاق ميداني في غزة؟

عندما أطلقت إسرائيل حربها العدوانية على غزة قبل أحد عشر يومًا، انطلقت واثقة من تحقيق أهدافها ومن نصر يعوض لها ما فاتها في عام 2006 مستندة إلى الظروف المتشكلة والتي يعول عليها العسكري عادة عند تقدير الموقف لاتخاذ قرار أو توقع نتيجة، واهم ما كان من عوامل في مصلحة إسرائيل تشجعها على الاعتقاد بحتمية الانتصار:
1- حالة القطاع المرهق بحصار دام لأكثر من عشرة أسابيع محكمة، أدت إلى نفاد في القدرات اللوجستية والتموينية، إضافة إلى التأثير المنطقي على المعنويات..
2- عزل حركة حماس عن النظام الدولي بشكل عام وعن معظم النظام الرسمي العربي بشكل خاص، وضمان إسرائيل تأييداً شبه إجماعي عربياً ودولياً إلى الحد الذي يجعلها تعتقد أن العالم سيصفق لها عند كل قذيفة تلقيها تقتل بها فلسطينياً أو تدمر بيتاً في غزة على رأس ساكنيه.
3- الطمأنينة إلى إبقاء الحصار محكماً أثناء العملية، وفي ذلك حرمان للقطاع من الاتصال الجغرافي بعمقه الإستراتيجي المفترض عبر مصر إلى العالمين العربي والإسلامي.
4- انشغال دولي بعطل وأعياد رأس السنة والميلاد وتوجه الإعلام بشكل تقليدي إلى تغطية النشاطات والاحتفالات هذه بعيدا عن السياسة والعسكر والقتال ما يحرم حركة حماس فرصة الاستجابة «لاستغاثتها» إذا صرخ سكان القطاع.
5- تحضير استخباراتي متقن أدى إلى تحديد الأهداف الأساسية وبناء بنك أهداف من 230 هدفاً يؤدي تدميرها إلى الإجهاز على المقاومة ويفتح الطريق أمام عملية برية سريعة ناجحة وغير مكلفة.
على ضوء هذه العوامل انطلقت إسرائيل منفذة عدوانها منفلتة من كل شيء اسمه قواعد الحرب، وقواعد القانون الدولي والإنساني وكان الأمر وفقاً لتقديرها سيحمل حركة حماس إلى التلاشي أو الصمت في مرحلة أولى والاختفاء عن الساحة في المرحلة اللاحقة بعد العملية الجوية تلك. لكن الذي حصل في الأيام الخمسة التي انصرمت يشير إلى عكس ما أرادته إسرائيل أو توقعته، ومن العناصر السلبية التي تسجل ضد المصلحة الإسرائيلية نذكر ما يلي:
1- قدرة حماس، والمقاومة الفلسطينية كلها في غزة على امتصاص الصدمة المفاجئة واستيعاب مفاعيلها، ثم مبادرة المقاومة إلى العودة ومسك زمام الأمور وإعادة التوازن في وضعها الذي ظنت إسرائيل أنه انعدم أو اختل في الساعات الأولى للحرب. ويعتبر موقف قيادة الحركة بالثبات في الميدان واستمرار المواجهة مهما كان أمرها رداً استراتيجياً مهماً ومؤثراً في القرار الإسرائيلي. ويكفي أن يبقى صوت القيادة مسموعاً والشعب متماسكاً حوله، والمقاومون مستعدين للعمل والمواجهة، ليخيب ظن إسرائيل.
2- انتقال المقاومة من مرحلة استيعاب الصدمة إلى مرحلة الرد الصاروخي وهو أمر يعتبر بالغ الأهمية، وهنا لا يقاس أثر الصاروخ بمقدار ما يحدثه من خسائر بشرية أو مادية في الصفوف الإسرائيلية، فليس هذا هو دوره الآن وان كانت النتائج تلك مهمة، إنما دوره الأهم يكون في إثبات استمرار المقاومة وإرادتها في المواجهة وعلى قدرتها في ذلك، ثم إرسال رسائل واضحة إلى إسرائيل بأن للمقاومة من القدرات ما يؤلمها.
3- تحرك الشارع العربي والإسلامي بشكل أسرع مما كان يتوقع أحد وبداية الضغوط لوقف المجازر، وهنا وان كنا لا نرى فاعلية قريبة لهذه التحركات ولكن يكفي أن نقارن بين تاريخ انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب بشأن حرب 2006 على لبنان (انعقد في الأسبوع الأخير للحرب) وبين تاريخ انعقاده في الأسبوع الأول للعدوان هنا. وهذا لا يعني أن العرب سيجدون حلاً، ولكن على الأقل فإنه يحد من صورة تأييد عربي رسمي ما لإسرائيل في حربها تلك.
4- احتفاظ المقاومة بالجزء الأعظم والأكبر من قوتها للمواجهة البرية، وإخفاق العملية الجوية في شلها أو تعطيلها، جعل من العملية البرية مخيفة للإسرائيليين ما سيحملهم وبشكل شبه أكيد على التراجع عن الهدف الإستراتيجي الأساسي للحرب ( اجتثاث حماس والمقاومة ) عبر اجتياح كامل القطاع وتغيير الوضع فيه على حد قول تسيبي ليفني، إلى تحديد هدف أدنى يدور حول وقف الصواريخ أو ضبط سلوك حماس عبر القيام بتقدم محدود في القطاع لاحتلال جزئي (شريط من بضعة كيلومترات أو تنفيذ الشبيكة لتقطيع الأوصال) أو احتلال رمزي عبر مسك جيوب تكون ورقة سياسية تستعمل في البحث عن الحل السياسي الذي ستعود إسرائيل في التعويل عليه كمخرج.
5- عدم تحقيق الضربة الجوية لكامل أهدافها، ما عرقل انطلاق المرحلة البرية في توقيتها الموضوع علماً أن ليس لدى إسرائيل الوقت المفتوح لإنجاز العملية، إذ لا يمكن تصور استمرار الحرب لما بعد منتصف الشهر الحالي لاعتبارات تتعلق باستحقاقات إسرائيلية وفلسطينية وإقليمية وأميركية.
6- بدء التشقق في الموقف الإسرائيلي وبدء التنازع حول العملية البرية والمخاوف من الثمن الذي سيدفع خلالها، وقد جاء ذلك بأسرع ما كان يتوقع أصلاً. وهذا سينعكس حتما على الجبهة الداخلية التي باتت كابوس المسؤول الإسرائيلي.
كل هذا يقود إلى القول إن العملية الإسرائيلية ضد غزة في يومها السادس باتت في غير الصورة التي انطلقت بها وإن الزخم الذي كانت عليه عندما انطلقت تراجع، فسقط الهدف الإستراتيجي الأساس وتراجعت التوقعات المتوخاة منها، وبات شبح الفشل يلوح في أفق العسكريين، وان كان السياسيون سيكابرون بعض الوقت ولكنهم في النهاية سيخضعون لحقيقة الميدان.
فهل ستكون إسرائيل أمام لجنة فينوغراد جديدة وتكون غزة أمام قرار دولي وصيغة منقحة من القرار 1701 الذي عوض الهزيمة الإسرائيلية بمنجزات سياسية لإسرائيل...؟ أسبوعاً ننتظر ثم يجيب الميدان.