لا يمكن لأحد أن ينكر دور الفرد في التاريخ، فالبشر ليسوا جميعًا على الدرجة ذاتها من الوعي والإرادة والصبر، ومنهم من يعيش حياته مكتفيًا بالمتاح، مقابل آخر حالم بالتغيير. لهذا كانت منجزات المفكرين والفلاسفة والحكماء مخزونًا حضاريًا ومعرفيًا للبشرية جمعاء ، لكن للشخصنة سواء تعلقت بمفهوم صناعة الأحداث أو التحكم بمسارها حدودًا، لأن الإنسان مهما بلغ من القدرة ليس معصومًا ، ولا بدّ من احتكاك العقول وبالتالي حوارها لتدارك تكرار الأخطاء . وما يقابل الشخصنة والإفراط في دورها هو المفاهيم المجردة أو مجمل الأفكار التي أدى تراكمها إلى ترسيخ ما هو عقلاني وقابل للاستمرار منها.
وإذا كان لا بد من مثال في هذا السياق فهو التعامل النقدي مع الشخصيات العامة سواء كانت سياسية أو من المشتغلين في مجال الإبداع الفكري والفني، فالحكم على ما ينجزون يجب أن يتحرر ولو إلى حدّ ما من الشّخصنة؛ بحيث يكون التعامل مع المنتج محتكمًا إلى عناصره ومقوماته تبعًا لما ترسخ من قيم عبر خبرات الأجيال .
والمفاهيم ليست بالضرورة نقيض الشخصنة، لأن هناك من يجسدون بأطروحاتهم مواقف ميدانية وعملية ، وهذا ما يحصّنهم ضد التورط بالازدواجية أو ثنائية القول والفعل .
إن الفرد حتى لو قيّض له أن يلعب دور البطولة هو نتاج ثقافة ومكونات نفسية واجتماعية، لهذا فهو لا يهبط بمظلة، بقدر ما يكون أشبه بنبات تتأسس فروعه وما تنتجه من عناقيد على جذور ليست معزولة عن مجتمعه. وما يراه علماء الاجتماع بالتحديد حول هذه الظاهرة هو أن الشخصنة تزدهر عندما تكون المفاهيم في طور التشكل، لهذا كلما تقدم الإنسان واتسعت رؤاه يصبح أقرب إلى المفاهيم، وقد أجريت تجارب نفسية وتربوية على أطفال من خلال الرسم فاتضح أنهم كلما ازداد الوعي لديهم يبتعدون قليلًا عن الحسي باتجاه المجرد!