يديعوت أحرنوت- 29/11/2020
الارشيف الذي سرقه الموساد في 2018 من طهران وما يكشفه من دور لفخري زادة يجعله هدفا مرغوبا فيه من الموساد لتعطيل البرنامج النووي العسكري لايران وعرقلة احتمالات عودة امريكا الى الاتفاق النووي السابق
قضيت في تموز 2018 مع الكاتب الكبير في "نيويورك تايمز" لشؤون الامن القومي ديفيد سينغر، وقتا طويلا في احدى المنشآت الامنية الاكثر حراسة في اسرائيل، شمال تل أبيب. ووصف ديفيد منذ وقت قصير مضى في محاضرة في جامعة امريكية الحدث اياه كأحد الاحداث المثيرة في حياته المهنية الغنية: "كان هذا أجمل ما يكون في العالم". قبل ثمانية اشهر من ذلك خرج الموساد في رواية خاصة به لاوشن 11، وسرق من تحت أنف حراس وزارة الأمن أرشيف المشروع النووي العسكري السري الذي تنفيه ايران.
بنى الموساد نسخة عن المخزن الذي كان فيه الارشيف في ضواحي طهران، بما في ذلك في الشوارع المجاورة بل حتى جلب الى المكان كلابا تشبه كلاب الحراسة الايرانية. وتدرب المقتحمون على هذا النموذج لاشهر طويلة، المرة تلو الاخرى، على كيفية التمكن من الدخول والاقتحام والخروج مع كل المادة – والفرار من ايران.
يوسي كوهن، رئيس الموساد الذي اصطدم بتعجب شكاك حين عرض الفكرة على محافل رفيعة المستوى في اسرائيل، جاء بنفسه ليرى التجربة الاخيرة وللاقرار بان المقتحمين جاهزون للانطلاق. حفنة من الناس فقط في ايران عرفوا ما الذي يوجد حقا في الخزنات في ذاك المخزن، واخذ الموساد لهم الارشيف من تحت الانف.
وعندها جلسنا لنراجع تلك الوثائق التي أثبتت بالشكل القاطع بان ايران ادارت مشروع تضليل على مستوى دولة وانه كان لها حقا مشروع نووي عسكري، هدفه في المرحلة الاولى انتاج خمس قنابل نووية بوزن 10 كيلو طن وكان اكثر تقدما من كل ما كان معروفا حتى ذلك الحين.
اللحظة التي أذكرها على نحو خاص هي أنه رغم القفازات التي كنت اضعها كان ممكنا لي أن اشعر بآثار قلم رئيس المشروع النووي الايراني محسن فخري زادة في سلسلة وثائق كانت سرية جدا لدرجة أنه سجلها بنفسه، بخط يده.
ومنذ سنين وانا اتابع العمل غير المبارك لهذا الرجل. وها هو، يتراسل هنا مع علماء كبار آخرين عن كيفية انتاج جهاز تفجير السلاح النووي وكيفية ملاءمة القنبلة لاكتاف صاروخ ارض ارض. في الارشيف النووي عدد لا يحصى من الوثائق التي وقع عليها بقلم الحبر السائل في نهاية الصفحة. واذا كان الموساد يقف بالفعل، كما أفادت مصادر امريكية خلف اغتيال فخري زادة ففي تلك الليلة في العملية في طهران حُسم مصيره ولثلاثة اسباب.
الاول، لان الموساد اثبت نفسه، واساسا لجهات خارجية كم عميقة ونادرة قدرة تسلله الى اعماق اجهزة الاستخبارات، الجيش والنووي الايراني. فليس صدفة ان بعد سنتين ونصف علم أن الولايات المتحدة تطلب من اسرائيل ان تصفي عنها الحساب الذي لم تنجح على مدى 22 سنة فيه وتقتل نائب قائد القاعدة، ابو محمد المصري. وخليط فقط من الثقة الكبرى بين اجهزة الدولتين يمكنه ان يولد طلبا كهذا وتنفيذه الكامل.
الثاني، هو أن الوثائق اثبتت ما كان معروفا، ولكن اكثر بكثير – فان فخري زادة هو مركز الامور، هو دكتور سترينجلاب الايراني، هو الدماغ خلف الجزء العسكري للمشروع النووي. ولكنها أثبتت شيئا آخر هو أنه بخلاف ما قيل عنه انه مدير فاشل وشخص مشتت جدا بشكل عام، هو كفؤ ليس فقط في الجانب العلمي بل وايضا في الجانب الاداري.
الثالث، هو أن كل ما فعله فخري زادة، يواصل فعله. واضح من الوثائق لماذا سيرغب الموساد في موته ولماذا قال نتنياهو في المؤتمر الصحفي الذي كشف الاقتحام للارشيف: "تذكروا هذا الاسم".
في الفترة الاخيرة عملت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع ايران استنادا الى معلومات كثيرة نقلت اليها من اسرائيل، وذلك في اعقاب سرقة الارشيف النووي الايراني على يد الموساد في 2018. وحسب المعلومات التي استخلصتها اسرائيل من ذاك الارشيف، واصل فخري زادة وعمليا لم يتوقف ابدا، كونه رئيس المشروع النووي العسكري السري لايران.
وقال مصدر اسرائيلي انه ليس صحيحا ان نرى في ايار 2018، عندما انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي، هو الوقت الذي اعاد فيه فخري زادة تفعيل الجهاز الذي تحت اشرافه بل ان هذا الجهاز عمل كل الوقت. فمجرد محاولة اخفاء ارشيف المشروع النووي في ذات المخزن الذي سرقه منه الموساد نفذت بأمر ومشاركة فخري زادة الفاعلة، وكل ذلك لحماية المعلومات التي تجمعت في اطار عمل "مجموعة السلاح" كما سميت في الاستخبارات الاسرائيلية منظومة الخبراء التي مهمتها بناء الرأس المتفجر النووي.
وحسب منشورات اجنبية، نظر في الماضي بجدية في امكانية المس بفخري زادة. فقد اعتقد رجال شعبة الاستخبارات "امان" بانه من الافضل ان يبقى على قيد الحياة. هكذا مثلا، في 2009 الغيت عملية تصفيته في مرحلتها الاخيرة. فقد أقنع احد كبار الموساد رئيس الوزراء اولمرت بانه يحتمل أن تتشوش العملية فأمر هذا داغان بالغائها.
منذ النشر عن موت فخري زادة، وتلميحات رئيس الوزراء لما فعله هذا الاسبوع "ولكنه لا يمكنه ان يروي عنه"، كثرت التخمينات عن ان الاغتيال يخلق خطر حرب او اندلاع لعنف حاد في الشرق الاوسط. وفي تحليلات اخرى قيل ان الاغتيال يستهدف تكبيل يدي بايدن في اتصالاته مع ايران. كل شيء ممكن، ولكن اغتيالا كهذا يحتاج الى التخطيط لاشهر طويلة ان لم يكن سنوات، ولا يمكن اخراجه الى حيز التنفيذ بضغطة زر.
مشكوك جدا ايضا ان يرد الايرانيون، بعد ان لم يردوا في كل الاعمال السابقة ضدهم. والان ينتظرون كانون الثاني. في حينه كما يأملون، سيتمكنون ربما من الشروع في مفاوضات مع بايدن لاستئناف توريد اموالهم المجمدة في ارجاء العالم. من الصعب الافتراض بانهم سيلقون بكل هذا الان فقط من اجل الرغبة في الثأر فيخاطروا بقوة نار الولايات المتحدة.
إضافة تعقيب