news-details

عواقب ترحيل المجموعات السكّانيّة من مسافر يطّا، وتأثيرات ذلك على النساء والأطفال

-"إنّه الجحيم هنا. يبدو الأمر كما لو أنّنا نعيش في الوقت بدل الضائع. دون استقرار، ودون ملاذٍ آمن. كيف يُفترض بي كأمٍّ أن أشعر عندما يرى أطفالي عمليّات الهدم بأمِّ أعينهم؟ ولا أقول مرّة، ولا مرّتين أو ثلاثة، بل مرّات ومرّات. وتكرار ذلك لا يجعله أمرًا طبيعيًّا مستساغًا في حياتنا، فكلّ هدمٍ لبيت يهدم في داخلنا شيئًا، ويصيبنا بألمٍ عظيم لا يمكن وصفه. حينما يحضر الجيش لتنفيذ أوامر الهدم، يقف الأطفال هناك ويرقبون [...] ليته كان بإمكاني أن أمنع عنهم مثل هذه المشاهد، لا يمكنني ذلك، فهذه المشاهد تتكرّر مرّة تلو الأخرى، في كلّ حين وعند كلّ مكان" (سعاد، اسم مستعار).

هنالك تداعيات وخيمة وبعيدة المدى للترحيل الذي يتهدّد كافة الفلسطينيين سكان منطقة مسافر يطا جنوبي الخليل تداعيات وخيمة وبعيدة المدى، تحديدًا على حياة النساء والأطفال، وذلك وفقًا لورقة الموقف الأولى من نوعها، التي أصدرتها مؤخرًا جمعية "إيتاخ – معكِ: حقوقيّات من أجل العدالة الاجتماعية" ومركز الطفولة، وأعدّتها المحامية ريهام نصرة.

ورقة الموقف التي وقّعت عليها 39 منظمة نسائية وحقوقية في إسرائيل، كُتبت بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 - النساء، السلام والأمن، والداعي إلى حماية النساء وضرورة المشاركة النسائيّة الفاعلة والمتكافئة في صنع القرارات، بما فيها تلك المتعلّقة بالأمن والسلام.

 

في عام 2022 وصلت جهود سكان مسافر يطّا، الذين تم الإعلان عن أراضيهم ومساكنهم منطقة إطلاق نار عسكرية 918، إلى طريقٍ مسدودٍ في أروقة المحاكم الاسرائيلية، وذلك عندما خلُصَت محكمة العدل العليا الإسرائيلية إلى تشريع الترحيل، ضاربةً بعرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية والادعاء الذي يقول بأن هذا الترحيل يُخالف اتفاقيّة جنيف الرابعة، وبأن نقل السكّان الآمنين من أرض محتلّة يشكّل جريمة حرب.

 

ورقة الموقف الموضوعة بين أيديكم تجلب أصوات 12 امرأة من قرى مسافر يطا، التقتها ودوّنت شهاداتها المحامية ريهام نصرة. في الشهادات، تصف النساء حالة انعدام الأمن في حياتهنّ في ظل تهديد التهجير وهدم المنازل، والتدريبات العسكرية التي يتخللها إطلاق نيران حية والتي تجري بانتظام في محيط منازلهنّ. كما تتناول الورقة تجارب فريدة وأزمات مركزية تعاني منها النساء. فتحدّثت النساء عن انتهاكات جسيمة لحقوقهنّ الأساسية – بدءًا من منع وصول الماء وأثر ذلك على العديد من النواحي مثل النظافة والصحة الشخصية، مرورًا بنقاط التفتيش والتدريبات العسكرية، تدمير الشوارع والطرق التي تربط المنطقة بمحيطها، هدم المنازل والمدارس، منع الرعي والمساس بقدرة السكان على العيش بكرامة وخسارة المرأة لدورها في إعالة عائلتها. هذا بالإضافة إلى انعدام الخدمات الصحية والاجتماعية والنفسيّة والمضايقات المستمرة والملاحقات من المستوطنين والجيش الاسرائيلي.  كما تطرّقت الشهادات إلى الإحساس بفقدان الخصوصية على إثر المراقبة المستمرة من المستوطنين والجيش الإسرائيلي، وأثر الوضع الراهن على صحة النساء النفسيّة والبدنية. كل ذلك وأكثر يأتي بتبعات أقسى على النساء والفتيات ويمسّ بقدرتهنّ على العيش والتنقل، وبحقّهنّ بالتعليم، والعمل والتمكين، ويصل حتى الى انعدام الأمل لديهنّ وفقدانهنّ القدرة على الحلم.

 

وطالما أن النساء مستبعدات من المشاركة في "طاولة صنع القرارات" المتعلقة بإدارة الصراع أو إنهائه فإن تجاربهن ستبقى مُغيّبة ولن يُلقى لها بال. وهنا تأتي أهمية قرار 1325 لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يُلزِم إسرائيل بتوفير الحماية للنساء الفلسطينيات في مسافر يطّا، من خلال تذويت ودمج وجهة النظر الجندرية في القرارات المتعلقة بالسلام والأمن. وتأتي ورقة الموقف هذه لتسلّط الضوء على تجارب الحياة المختلفة والمميزة لتلك النساء والتي من شأنها أن تساهم في حل ومنع النزاع

ملخص ورقة الموقف:

استهلال

نستعرض من خلال هذه الورقة شهادات 12 امرأة، قابلتهن المحامية رهام نصرة، وأجرت معهن لقاءات في مختلف قرى مسافر يطّا جنوب جبال الخليل، حيث كشفنَ أمامها عن حياتهن في ظلّ التهديد الدائم بالترحيل وهدم المنازل، وتدريبات الجيش بالذخيرة الحيّة في محيط بيوتهن. كما وأبلغت النساء خلال هذه المقابلات عن انتهاكات جسيمة في حقوقهن الأساسيّة. يحدث هذا كلّه كجزء لا يمكن فصله من سياق سياسي أوسع - تقاطعات قمعيّة تتجلّى بوضوح تام في الحيّز المنزلي والشخصي. نقرأ في هذه الورقة عن أزمات النساء وقضاياهن دون فصلها عن السياسات المتّبعة والسائدة منذ أمدٍ بعيد، إن كان ذلك سياسة القمع العرقي، الاحتلال والهيمنة العسكريّة، الاستعمار الاستيطاني والسعي لتطهير المنطقة من سكّانها المحلِّيّين.

لا شكّ أنّ النساء في مناطق الصراع والنزاع هنَّ الأكثر عرضةً للخطر. مقابل الصعوبات الجمّة والمعاناة القاسية الّتي تُخلّفها النزاعات المسلّحة والاقتتال على جميع الناس، غالبًا ما تُغيَّب تجارب النساء الخاصّة، وتضيع في خضمّ الأزمة العامّة والجماعيّة لكافّة السكّان. إدراك هذا الأمر، دفع مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة عام 2000 إلى اتّخاذ القرار 1325، بخصوص "النساء، السلام والأمن".

تنبع الحاجة إلى التطرّق للتداعيات والعواقب الخاصّة والخطيرة على حياة النساء، من التزام إسرائيل بالقرارات الدوليّة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة، رقم 1325 (لعام 2000) – النساء، السلام والأمن.

 

وقائع السلب والتجريد

  1. مسافر يطّا

منطقة "مسافر يطّا" هي منطقة مأهولة بالفلسطينيّين منذ أكثر من 100 عام. منذ القرن التاسع عشر، بدأت عائلات فلسطينيّة تنتقل من مدينة يطّا إلى منطقة مسافر يطّا بحثًا عن مصادر رزق ومأوى مناسب ومريح للعيش فيه. تقع "مسافر يطّا" في الركن الجنوبي الشرقي من الضفّة الغربيّة، وتقبع تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، في مناطق يطلق عليها مناطق (C) وفقًا لاتّفاقيّة أوسلو. تخضع حوالي 60% من مناطق الضفّة الغربيّة للسيطرة العسكريّة الإسرائيليّة، سواء على المستوى الأمني أو حتّى المدني. هذا يعني أنّ السكّان الفلسطينيّين ليسوا أكثر من رعايا خاضعين لنظام عسكري أجنبي يسيطر سيطرة تامّة على كافّة مناحي حياتهم: العمران، التربية والتعليم، توصيلات البنى التحتيّة، الحركة والتنقّل، الخدمات، وفوق هذا كلّه سيطرة تامّة على الحق في تقرير المصير. القرى في مسافر يطّا غير معترف بها من قِبَل السلطات العسكريّة وسلطات الإدارة المدنيّة، ويتمّ التعامل مع سكّانها باعتبارهم دُخلاء متطفّلين على المنطقة بصورة غير قانونيّة.

  1. الإعلان عن منطقة إطلاق النار

عام 1980، أعلن الجيش الإسرائيلي عن حوالي 33،000 دونم من أراضي مسافر يطّا كمناطق إطلاق نار مخصّصة "للتدريبات العسكريّة".[1] تعترف السلطات العسكريّة بما لا يقلّ عن 12،000 دونم من هذه الأراضي كأراضٍ فلسطينيّة خاصّة.[2] إنّ الإعلان عن مناطق إطلاق النار لأغراض "تدريبيّة" هي ممارسة معروفة وتكتيك قديم. اليوم، حوالي 18% من أراضي الضفّة الغربيّة مُعلن عنها كمناطق إطلاق نار، بادّعاء أنّ المنطقة مطلوبة للتدريبات العسكريّة.

حول السبب الحقيقي وراء الإعلان عن منطقة إطلاق نار، يمكننا الاطّلاع على نصٍّ لمحادثة جرت في جلسة "لجنة الاستيطان"، وهي هيئة مشتركة بين الحكومة والمنظّمة الصهيونيّة العالميّة، أشار فيها أريئيل شارون، وزير الزراعة في ذلك الحين، أنّ: "الغرض من مناطق إطلاق النار هو الحفاظ على احتياطي من الأراضي [...]".[3] صدرت وثيقة أخرى في تمّوز/يوليو 1981، يتّضح من خلالها أنّ هدف الإعلان عن منطقة إطلاق نار هو تشكيل حاجز بين الفلسطينيّين في جنوب الضفّة الغربيّة وبين المجتمع البدوي في النقب داخل حدود الخطّ الأخضر.

  1. الإجراءات القانونيّة

تعرض الورقة السيرورة القانونيّة في المحاكم الإسرائيليّة، والّتي وصلت إلى نهايتها - وبالتالي فإنّ القرار بشأن "متى وكيف" سيتم الترحيل يقع الآن بمسؤوليّة الأذرع السياسيّة. هذا يعني أنّه فقط من خلال النضال العنيد، وكلمة واضحة لا تُفسّر على وجهين من القوى الديمقراطيّة، وكذلك من جانب المجتمع الدولي، يمكننا أن نمنع هذا الترحيل.

 

  1. العواقب الخاصّة بالنساء، الفتيات والأطفال

من بين حوالي 1،720 فلسطينيًّا من سكّان مجمّعات مسافر يطّا السكنيّة (بما فيها تلك المهدّدة بالترحيل)[4]، هناك حوالي 844 امرأة، أي ما يعادل 49% من مجمل السكّان، نصفهن دون سنّ ال- 18.

  1. فقدان البيت - "حينما هدموا بيتي شعرت بأنّي سجينة"

البيت بالنسبة للنساء هو مرساة وجودهن. كان الخوف من فقدان البيت هو الثّيمة المركزيّة في جميع مقابلاتنا. سامية، ابنة ال-55، وأمّ لِ-13 من الأولاد والبنات، تسكن مع أسرتها في كهف منحوت بقرية أم طوبا، "أعيش في هذا الكهف منذ 33 عامًا، وتحديدًا منذ زواجي. أنجبت جميع أطفالي في هذا الكهف".

"اقتلاعك من بيتك يعني إيقاف حياتك. تجميدها. بالنسبة لي، تجتمع في البيت كافّة معاني الحياة. هذا الكهف لا يمكن أن أستبدله ولو بقصر. هذا هو مكاني، هذا هو كياني".

"رؤيتك لبيتك وهو يُهدم أمام عينيك هو هدمٌ لحياتك ذاتها. الحياة تنهار وتصبح ركامًا من شظايا الطوب المحطّم". "في اليوم الذي هدموا فيه بيتي شعرت بأنّي سجينة. ذات إحساس السجين حينما يُغلق عليه باب زنزانته. هذا ما أشعر به حتّى اليوم".    

  1. الحقّ في التعليم - تعطيل المسيرة الطويلة الّتي قُطعت

لغاية عام 2009، لم تكن هناك مدارس ابتدائيّة في قرى مسافر يطّا، وكانت أقرب مدرسة في مدينة يطّا. بعد المرحلة الابتدائيّة، فإنّ البنات -غالبًا- تُسَرّب من المدرسة، وتُنقل مضطرّة لدائرة العمل المنزلي.

"قصّة إقامة المدرسة في التواني هي قصّة نجاح عظيمة، نجاح مجتمعي ونجاح نسائي"، قالت كفاح بكبرياء. "عام 1997، وعلى الرغم من أنّهم لم يسمحوا لنا آنذاك بالبناء، قرّرنا نحن النساء أنّه لا يمكن التخلّي عن حقّ أبنائنا في التعليم.. لهذا، أقمنا لجنة مشاريع وقرّرنا بناء مدرسة".

"نحن النساء نعاني من هيمنة الاحتلال وأيضًا الرجال. كلاهما هيمنة صعبة ومُرّة. لكنّنا قرّرنا أن نكافح. كنّا نأتي ونساعد في بناء المدرسة أو حراستها حتّى لا يفاجئنا الجيش ويأتي ليهدمها. اليوم لدينا مدرسة محترمة تخدم جميع السكّان من المجمّعات المحيطة. إنّه لدليلٌ قاطع بأنّنا قادرات، وأنّنا نستطيع"، اختتمت كفاح كلامها برضا.

"كنّا نصل إلى هناك متعبين ومنهكين. كثيرًا ما كان الجنود يتأخّرون في الصباح، ونتيجة لذلك نصل نحن أيضًّا متأخّرين عن المدرسة، ونخسر بذلك حصصًا وموادّ تعليميّة. كذلك الأمر في مشوار عودتنا من المدرسة. كانت هناك أيّام لم يحضر فيها الجيش لاصطحابنا، وكنّا نخسر دراستنا في تلك الأيّام".

"تسرّب كثير من الطلّاب والطالبات من المدرسة نتيجة لهذه الصعوبات. من طبقة جيلي، بدأنا 25 طالبًا وطالبة، وأنهينا 8 فقط، حيث لم يصمد الآخرون أمام الاعتداءات والتأخيرات".

  1. الحقّ في الصحّة – الخدمات الطبّيّة غير متاحة، وكذلك مرافق النظافة والصرف الصحّي

إحدى العواقب والتداعيات واسعة النطاق جرّاء عدم وجود بنى تحتيّة وخطط تفصيليّة هي الانتهاك المباشر لحقّ السكّان بصفة عامّة وحقّ النساء على وجه الخصوص في الصحّة، وفي أن تتاح للجميع مرافق نظافة وصرف صحّي لائقة. في منطقة مسافر يطّا بأكملها، لا توجد تقريبًا عيادات ثابتة يمكنها أن تقدّم الرعاية الصحّيّة للسكّان.

"أنا حامل للمرّة الرابعة، وفي شهري الثاني. عرفتُ أنّي حامل لأنّ الدورة الشهريّة قد توقّفت، كما انتفخ وجهي. زرت الطبيبة لأوّل مرّة قبل أسبوع واحد فقط "استيقظت عند منتصف الليل فرأيته جامدًا بلا حراك. بدأت أصرخ وأبكي"، تستذكر. "مرّت ساعات حتّى استطعنا أن نصل إلى طبيب. انتظرنا ريثما يُحضر أهلي سيّارة تصل إلى أقرب ما يمكن من القرية، وبعدها توجّهنا إلى مدينة يطّا. حين وصلنا لم تكن هناك إمكانيّة لإنقاذه". "يجب أن أبقى متفائلة. ليس هناك ما يمكننا فعله. هذا هو القدر".

"كنت مضطرّة على الاستحمام قبل أن يعود الرجال من مدينة يطّا. لقد ذهبوا لشراء الحاجيّات. ليس لدينا حمّام. أستحمّ بوعاء في زاوية الكهف. لهذا كنت مضطرّة على استغلال الوقت، حيث لا يوجد رجال هنا"، برّرت نفسها وأضافت: "في كثير من الأحيان أكون بحاجة ماسّة للاستحمام، لكن لا يمكنني ذلك. عليَّ أن أنتظر حتّى لا يكون أحد في البيت حتّى أتمكّن من الاستحمام. الدورة الشهريّة بالنسبة لي كابوس. لا توجد مراحيض قريبة، ولا تتوفّر دائمًا مواد التنظيف والتعقيم، لذا أضطرّ أن أبتكر وسائل أخرى لأحافظ على نظافتي".

"لا يمكن الوصول للمراحيض ليلًا. الخروج ليلًا مهمّة مخيفة"

"المشكلة هي أنّه حتّى حينما يحضر طبيب، ربّما مرّة في الأسبوع، ليس دائمًا ما تكون طبيبة. لهذا فإنّي أحصل على علاج للالتهابات فقط حينما تحضر طبيبة إلى قرية جنبة. حقيقةُ أنّي مضطرّة للذهاب إلى هناك مشيًا على الأقدام مدّة ساعتين، أو على ظهر حمار، تجعل من حالتي مع الالتهابات أسوأ بكثير، وبالكاد أستطيع المشي".

  1. حرّيّة التنقّل – لا نجرؤ على الخروج من البيت خوفًا من إطلاق النار علينا

السفر إلى قرى داخل منطقة إطلاق النار طويل، مرهق ومحفوف بالمخاطر. تفتقر هذه القرى المعزولة لأدنى الخدمات الصحّيّة، المباني العامّة، المحلّات والمراكز التجاريّة، وهي تعتمد في ذلك كلّه على المراكز المدنيّة، لا سيّما في مدينة يطّا.

"نادرًا ما نغادر حدود القرية. نحن سجينات هنا. قد تبدو لكِ المساحات واسعة أمامنا ومفتوحة، لكنّنا فعليًّا سجينات هنا".

"نحن الآن سجينات حتّى داخل بيوتنا، وليس فقط داخل المجمّعات السكنيّة. قبل أسبوع، بدأوا تدريباتهم بالذخيرة الحيّة. نرى الدبّابات بأعيننا ولا نجرؤ على الخروج من البيت خوفًا من أن يطلقوا النار علينا أو أن تصيبنا رصاصة طائشة".

  1. الحقّ في العمل والعيش الكريم – خسارة دورهن في إعالة العائلة

هناك دور هامّ وأساسي للنساء في مسافر يطّا في إعالة البيت والعائلة. الترحيل والانتقال من القرية إلى المدينة الكبيرة قد يحسم مصيرهن ويجعلهن عاطلات عن العمل، وغير قادرات على أن يقدّمنَ شيئًا. "صحيح أنّ هذه الأعمال هي أعمال شاقّة، لكن رغم ذلك، هذا يمنحنا شعورًا بأنّنا قادرات على العطاء والمساعدة، وبأنّنا ذوات وزن ومنفعة".

"نحن نساعد أيضًا في رعي الأغنام والمواشي. أصطحب أطفالي في رعي القطيع حتّى أغرس فيهم حبّ الأرض وأنماط حياتنا وطبيعتها. لا يستطيع زوجي أن يفعل كلّ شيء لوحده، لذلك أمدّ يدي وأساعد، حتّى في مهمّة الرعي"نظرًا لعنف المستوطنين واعتداءاتهم وتخريبهم للمزروعات، إضافة إلى تقييد الجيش لحركتنا وتنقّلنا، تقلّصت مساحات المراعي إلى حدٍّ كبير، ونضطرّ الآن إلى دفع الكثير من المال لشراء أعلاف للقطيع".

أجمعت النساء على أنّ العمل بالنسبة لهن هو وسيلة للاستقلاليّة وتعزيز الثقة بالنفس. وبهذا، لا يكون قلق النساء نابعًا من اعتبارات العمل ولقمة العيش الكريم فحسب، وإنّما أيضًا يحدّد العمل ماهيّة الحياة ومعانيها، وقدرتهن على تذويت هذه المعاني وتطويرها.

  1. حياة مكشوفة - فقدان الخصوصيّة

غرفة واحدة تُستخدم "كغرفة معيشة"، وفي نفس الوقت كمطبخ وغرفة نوم لجميع أفراد الأسرة، النساء والرجال، الأولاد والبنات، العجائز والرضّع. المعنى المباشر لهذا الحال هو انعدام المساحة الخاصّة لبنات العائلة الّتي تقضي كلّ ساعات يومها في البيت، ليس لها حيّز خاصّ، وخصوصيّاتها منتهكة.

"لا توجد هنا أبسط مستويات الخصوصيّة. أعتقد أنّي اعتدتُ ذلك. اعتدتُ على ارتداء ملابس محتشمة طوال النهار والليل، واعتدتُ على أن أبقى مغطّية الرأس طوال الوقت، ولا وسيلة لي لأنفرد بنفسي ولو قليلًا".

. "لا يمكنني أن أشعر بحرّيّة في بيتي. يجب أن أكون حذرة طوال الوقت. لا يمكنني أن أخلع الحجاب عن رأسي، حتّى حينما أقوم بتنظيف البيت أو مجرّد الجلوس للراحة. فقط حينما يحلّ ظلام الليل نستطيع حينها أن نخلع الحجاب عن رؤوسنا. إذا رغبتِ في خلع حجابك، عليكِ أن تحبسي نفسك في غرفة ولا تخرجي منها".

لا تقتصر معاناة النساء في المسّ بخصوصيّاتهن على ما تفرضه القيود العائليّة أو الدينيّة فقط، فما يزيد الطين بلّة هي عوامل خارجيّة أخرى، خاصّة وجود الجنود والمستوطنين في المنطقة. "أشعر أنّ المستوطنين يروننا دائمًا، يصوّروننا بل وحتّى يسمعوننا. إنّهم يستخدمون طائرات دون طيّار، تحلّق فوق ساحات بيوتنا، تراقبنا وتتعقّبنا، وترصد تحرّكاتنا حيث نرعى، أو إذا أقمنا بناءً جديدًا، أو حتّى لمجرّد مضايقتنا حتّى ننكسر ونرحل".

  1. الصحّة النفسيّة – الحياة في ظلّ المخاوف

 "لا توجد مرافقة وعلاجات نفسيّة. بالكاد يأتي الأطبّاء لعلاج المرضى جسديًّا. مع الأسف، لم يكن بإمكاني أن أولي الاهتمام الكافي لحالة أطفالي النفسيّة. كنت وحدي دون موارد كافية".

"الخوف هو شعورٌ دائم. حتّى هذا اليوم، ورغم كلّ ما مررنا به، فإنّ شبح الترحيل يلاحق أبنائي وبناتي ويشغل بالهم. هل يمكنك استيعاب أنّ أطفالي، نعم أطفال، كانوا مضطرّين أن يساعدوا والدهم في بناء البيت والحظيرة مجدّدًا بعد كلّ عمليّة هدم؟ هذا يفوق قدرة تحمّل الأطفال!"، قالت سامية وأضافت مباشرة: "تسألينني كيف أشعر؟ أنا أيضًا كنت متعبة، لكنّني كبتُّ مشاعري وتجاهلت تعبي. كنت مضطرّة أن أبقى قويّة، وأن أكون قادرة على إنجاز كلّ ما يلزم. لم يكن هناك مجال للتفكير بحالتي النفسيّة. كنت مشغولة بتربية أولادي والحفاظ عليهم".

"لا وقت لدينا للانطواء على مخاوفنا. نحن بحاجة إلى التفكير في كيفيّة المحافظة على قوّتنا وشجاعتنا". "مع مرور الوقت، أدرك مدى تأثير هذا الخوف على نفسي. أصبتُ باضطرابات في النوم، وشعور بأنّ كلّ شيء حولي مؤقّت. هذا الشعور مزعج وثقيل على النفس. مع ذلك، لا أستطيع أن أستسلم، حتّى لا تبلعني مخاوفي".

  1. ضآلة الأحلام وفقرها - حينما تُصادر الطفولة، والقدرة على الحلم

يبدو السؤال "ما هو حلمك؟" بسيطًا. لكن في المكان الّذي يصارع فيه الناس على حياتهم، تتجلّى ضآلة الأحلام ويبان فقرها. سارع الأولاد والبنات الّذين جلسوا بحلقة واسعة، لمشاركتنا أحلامهم وأحلامهن: "أن تحصل أختي على علاج"، أجابت إحداهن. "أن يتركنا المستوطنون لنعيش بسلام"، قال آخر بصوتٍ عالٍ. "أن أعيش دون خوف"، "أن يرحل الجيش"، "أن أذهب إلى المدرسة"، "أن تكون لي غرفتي الخاصّة"، "أن تتوقّف عمليّات الهدم"، "أن يعود والدي". بثّ الأولاد والبنات "الأحلام" في كلّ اتّجاه.

"أن أرى البحر"، أجابت إحدى الفتيات، ثمّ كرّر ذلك كثير من الأولاد والبنات، "أن أرى البحر والأسماك". بدا البحر والأسماك حلمًا بعيد المنال، بعيدًا جدًّا.

"بماذا أحلم؟ أعيش وغمامة من الخوف تخيّم فوق رأسي، فوق رؤوسنا. أحيانًا أكون سعيدة وراضية عن المسار الّذي صنعته بنفسي، وأنّي أتعلّم وأتقدّم، لكن طالما أنّ خطر الترحيل وتجريدنا من أملاكنا يحوم فوقنا، لا يمكنني أن أمضي قدمًا في تحقيق أحلامي".

  1. تأثير الأزمات على التمييز العنصري والعنف الجندري

في واقعٍ لا تزال فيه النساء تناضل من أجل حقوقها في كافّة مناحي الحياة، يمكن لأوقات المحن والأزمات أن تؤدّي إلى تفاقم القمع والتمييز المبني على أسس جندريّة. وينطبق هذا الكلام أكثر فأكثر على المجموعات الّتي تعاني في عدّة دوائر قمع، كما هو حال النساء في مسافر يطّا: قمع عرقي وقمع جندري.

لا تتوفّر لهذه النساء -حتّى لو رغبت بذلك- أدنى خدمات الرعاية الاجتماعيّة الأوّليّة والأساسيّة. "السلطة"، "الدولة" -تلك المسؤولة عن أمن النساء الشخصي- هم من يقمعونها، يهدمون بيوتها، يسلبونها أراضيها، ويسعون إلى ترحيلها.

"لمن أشتكي؟"، تساءلت المرأة الوحيدة[5] من بين النساء الّتي قابلناها، والّتي شاركتنا بأنّ زوجها يضربها أحيانًا. "مع الوقت، صرت أتجاهل. هذا هو الحلّ الوحيد الّذي أمامي. أنا بعيدة عن أهلي. ليست هناك إمكانيّة لأتحرّك من هنا. ليس هناك منفذ للهرب. لذلك تعلّمت كيف أتعامل مع الأمر. سوف تضحكين منّي الآن"، قالت لي، "لكنّي تعلّمت أن أتعامل معه بابتسامة. هكذا لا يمكن للعنف أن يتغلّب عليّ". كذلك فإنّ تزويج القاصرات، وتعدّد الزوجات، ظاهرتان منتشرتان وشائعتان.

التزام الصمت في كلّ ما يتعلّق بالتمييز والعنف الجندري يؤدّي إلى استمراريّة هذه الظواهر، بل وتفاقمها في حالات الطوارئ والأزمات، مثل تلك الّتي تقع اليوم على أعتاب سكّان المجمّعات في مسافر يطّا.

 

ختامًا – اجعلوها صرخة مُدوّية

سياسات طويلة الأمد من: منع أيّ تطوير أو أفقٍ تخطيطي، هدم، حرمان من الارتباط بشبكات البنى التحتيّة الأساسيّة مثل المياه والكهرباء، حرمان من الحصول على الخدمات الأساسيّة مثل التعليم والعلاج، نظام التصاريح الّذي يتحكّم في تحرّكات السكّان المحلّيّين، إعلان عن "أراضي دولة"، إعلان مناطق إطلاق النار ومناطق عسكريّة مغلقة، استيلاء على الأراضي بغرض بناء المستوطنات في الأراضي المحتلّة بما يتعارض مع القانون الدولي، عنف عسكري، عنف المستوطنين مقابل جنود يقفون مكتوفي الأيدي، وغيرها. تشكِّل كلّ هذه الممارسات وسائل لتجريد الفلسطينيين -مجموعة محميّة بموجب القانون الدولي- من أراضيهم، وحصرهم داخل المدن الفلسطينيّة المركزيّة في المنطقتين A وَ B، وبهذا يتم قطع التواصل الجغرافي الإقليمي لأيّ دولة فلسطينيّة مستقبليّة ممكنة. تنظيف المنطقة C وتطهيرها من الفلسطينيّين، هي الخطوة الّتي ستمكّن إسرائيل من ضمّ هذه المنطقة. أكثر أراضي ومساحات، وأقلّ ما يمكن من الفلسطينيّين. كلّ هذا، يتجسّد في قرار ترحيل السكّان الفلسطينيّين من مسافر يطّا.  

 

نحن نتبنّى مطالب النساء الفلسطينيّات، ونطالب بها، وندعو جميع النساء والرجال، أولئك الّذين لهم كلمة على طاولة اتّخاذ القرارات، وأولئك الّذين لديهم إمكانيّة للتأثير على مراكز اتّخاذ القرارات، بأن يتبنّوا أيضًا مطالب تلك النساء. اجعلوها صرخة، وليصل نداء هذه النساء إلى حيث يجب أن يصل!

 

توقّفوا عن انتهاك حقوقنا. أوقفوا الترحيل. انضموا إلى نضالنا في الدفاع عن أراضينا وبيوتنا، عن حقوق أطفالنا في الصحّة والتعليم، عن حقّنا في التنقّل، عن خصوصيّاتنا، عن حقّنا في الحياة بأمنٍ وأمان، وعن حقّنا في تقرير مصيرنا، والعيش بحرّيّة وكرامة ومساواة، وحقّنا في دولة ذات سيادة مستقلّة.

 

 


[1] أمر إغلاق منطقة رقم 40/63/ס' في تاريخ 08.06.1980; أمر إغلاق منطقة رقم 5/60/ס' في تاريخ 12.08.1982; وأمر إغلاق منطقة في كلّ منطقة إطلاق النار 918 رقم 2/91/ס' في تاريخ 30.06.1991 – باللغةالعبريّة.

[2] تؤكّد ذلك الإفادات الخطّيّة المرفقة بالتماس جمعيّة حقوق المواطن في إسرائيل من كانون الثاني/يناير 2000، استنادًا إلى مسح قامت به الإدارة المدنيّة. التماس جمعيّة حقوق المواطن 00/517 محمّد حمامدة وآخرون ضدّ وزير الدفاع وآخرين:  https://law.acri.org.il/he/wp-content/uploads/2012/05/hit517.pdf

[3] يوفال أفرهام، "استُحوذ على مناطق إطلاق النار لهدف واحد: احتياطي من الأراضي للاستيطان"، موقع محادثة محلّيّة، 26.06.2022. (https://www.mekomit.co.il/%D7%A9%D7%98%D7%97%D7%99-%D7%94%D7%90%D7%A9-%D7%A0%D7%AA%D7%A4%D7%A1%D7%95-%D7%9C%D7%9E%D7%98%D7%A8%D7%94-%D7%90%D7%97%D7%AA-%D7%A8%D7%96%D7%A8%D7%91%D7%AA-%D7%A7%D7%A8%D7%A7%D7%A2%D7%95%D7%AA/( - باللغة العبريّة.

[4] تشير التقديرات إلى أنّ مجموع السكّان في مجمّعات مسافر يطّا السكنيّة هو حوالي 1720، منهم حوالي 1000 يعيشون في قرى مهدّدة بالترحيل، وذلك إثر الإعلان عن منطقة إطلاق نار، والقرار الصادر عن محكمة العدل العليا.

[5] حفاظًا على سلامتها، لن نأتي ولا بأدنى معلومة يمكن أن تحدّد هويّتها.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب