حوالي 20% من اعضاء الطواقم الطبية في اسرائيل هم من العرب. والدمج بين انتشار الكورونا والاتصالات من اجل تشكيل الحكومة ارسلهم الى الخط الاكثر اشتعالا. وفي محادثات لهم مع "هآرتس" تحدثوا عن المشاعر القاسية التي يعانون منها حيث أنه في الوقت الذي ينقذون فيه الحياة يتعامل معهم رئيس الحكومة وكأنهم قنبلة موقوتة
في مساء يوم السبت وبعد أن أنهت وردية من 12 ساعة في قسم الطوارئ في مستشفى شيبا في تل هشومير، جلست الدكتورة سعاد حاج يحيى ياسين في صالون بيتها امام التلفزيون من اجل أن تأخذ القليل من الراحة قبل العودة الى المستشفى. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ظهر على الشاشة مع توجيهات اخرى عن حالة الطوارئ الوطنية- حالة هي تعرفها جيدا- قبل فترة قصيرة كانت تعالج اشخاصا في الحجر يشتبه بأنهم مصابون بالكورونا.
ولكن عندما شاهدت رئيس الحكومة وهو يتحدث عن الفيروس وعن الجهود لكبح انتشاره وعن الحاجة الى حكومة وحدة، لم تتمالك نفسها في التفكير بأمور اخرى قالها في الاسبوع الماضي. مثل تصريحاته المتكررة في الفيسبوك بأن حكومة مع القائمة المشتركة هي "خطر على اسرائيل، بل وحتى "كارثية".
"أنا أقوم بعلاج كل من يأتي الى المستشفى. ولم يهمني ولن يهمني في أي يوم اذا كان المريض يهوديا أو عربيا"، قالت بإحباط للصحيفة. "لماذا مقبول أن نقف في جبهة العلاج في المستشفيات لعلاج الكورونا ولكننا في الحكومة غير شرعيين؟".
الدكتورة حاج يحيى ياسين (31 سنة) هي طبيبة معروفة في قسم داخلي في مستشفى شيبا. والتي توجد الآن في نهاية فترة تخصصها في علم المناعة والحساسية السريرية. هي وزوجها الطبيب ايضا في جراحة الاعصاب، يعيشان في سكن الاطباء في تل هشومير.
وهناك بين المناوبات الطويلة يقومان بتربية ابنتهما التي عمرها ثلاث سنوات. "عندما أعود من قسم الطوارئ وبعد أن اعطي كل ما لدي لعلاج الجميع، وأسمع رئيس الحكومة يقول بأنه يجب تشكيل حكومة وحدة وطنية من اجل مواجهة الازمة، لكن بدون العرب"، قالت. "من المحزن سماع رئيس الحكومة يتعامل معي مثل قنبلة موقوتة في الوقت الذي نحن فيه فعليا من نقوم بتحييد الخطر وننقذ المرضى".
في هذا الاسبوع ايضا وعلى خلفية المفاوضات على حكومة الوحدة تلقت تذكير من البيت في شارع بلفور. ماذا يفكرون هناك عن ممثلي الوسط العربي في الكنيست. ايضا أول أمس حذر نتنياهو في الفيسبوك بأنه في الوقت الذي فيه "يدير ازمة عالمية ووطنية غير مسبوقة بصورة مسؤولة ومتزنة جدا، فإن غانتس يسارع نحو حكومة اقلية تعتمد على التجمع الديمقراطي وهبة يزبك ومؤيدي ارهاب بدلا من الانضمام الى حكومة طوارئ وطنية تنقذ الحياة".
17% من الأطباء و24% من الممرضات عرب
ربما عند استخدام تعبير "انقاذ الحياة" يجب التوقف قليلا. حسب معطيات رسمية لوزارة الصحة والمكتب المركزي للاحصاء، التي حولت بناء على طلب من "هآرتس"، فان 17% من الاطباء في اسرائيل هم من العرب. و24% من الممرضات و47% من الصيادلة هم من العرب ايضا.
وحسب معطيات المكتب المركزي للاحصاء فإن 20.8% من اعضاء المهن الطبية هم من الوسط العربي. في حين أنهم في بلفور يرسمون صورة فيها في حالة الطوارئ يجب اقصاء العرب "الخطرين" فان المعطيات تظهر أنه بدون اصحاب المهن الطبية من أبناء هذا المجتمع فان جهود انقاذ الحياة كانت ستتعرض لضربة شديدة.
في هذه الاثناء يبدو أنه لا يوجد خطر كهذا على جدول الاعمال، حتى لو استمر رئيس الحكومة في التحدث عن ائتلاف صهيوني، وبالاساس عن ائتلاف بدون العرب. اطباء كثيرون توجهت اليهم الصحيفة من اجل هذا المقال صدموا من التفكير الذي يقول إنهم سيرفضون تقديم العلاج اثناء الازمة بسبب العنصرية ضدهم.
والى جانب ذلك ظهر الخوف في اوساط عدد كبير منهم، وهؤلاء رفضوا اجراء مقابلة فيما يتعلق بالتمييز الذي يشعرون به، وبالتأكيد ذكر اسمائهم. "لقد تعودنا على أنهم يقولون بأننا لسنا بشر في هذه الدولة. هذا لا يفاجئنا"، قالت واحدة منهن. "اذا قلنا شيء ما فيمكن أن يقوموا بإقالتنا وأن ينظروا الينا كمن نفتعل المشاكل. نحن نريد الذهاب الى العمل الذي درسنا كثيرا من اجله، كي ننقذ الحياة ونحاول نسيان العنصرية. في المستشفى الجميع متساوون أمام الموت. نحن نتذكر هذا، وربما أن الكورونا ستذكر الجمهور اليهودي بأننا جميعا متساوين".
هذه الاقوال تتماهى معها بالتأكيد ايضا الدكتورة سعاد حاج يحيى. وحسب قولها، في حين أنه تسود بين الطواقم الطبية اليهودية والعربية الأخوة والتضامن، لكن ليس دائما الامر هكذا عند اتصال المعالجين العرب مع المرضى اليهود. العنصرية تتسرب الى هناك ايضا.
في السنوات الاخيرة قالت بأنها جربت هذا هي نفسها. "لقد جاءت الي مريضة من قسم آخر وقالت لي بأنها لن توافق على تلقي العلاج هناك لأن الاطباء عرب"، قالت واضافت "نظرت اليها وقلت بأنني أنا ايضا عربة.
وقد تفاجأت وقالت لي بأنه لا يظهر أنني كذلك، وطلبت بأن يعالجها طبيب آخر. ورئيس القسم قام بصدها على الفور". هذه لم تكن الحادثة الوحيدة. "ذات مرة جاءت الي مريضة تعاني من ألم في البطن. وقد كنت أعالج مريض آخر في وضع حرج. وقد بدأت هي وزوجها بالصراخ علي بأنني عربية قذرة. وأنه لا يجب أن أعمل في المستشفى".
وحسب قولها، كل حادثة كهذه تضر بها ولكنها لا تكسرها. "أنا أقوم بتجاهل ذلك. وأقوم بعلاج أي حالة من اعماق قلبي". واضافت "أنا فخورة بأنني عربية وأنني طبيبة وأنني انقذ الحياة. ايضا أنا اؤمن بالتعايش وبالحياة المشتركة".
لقد تعودنا
اذا كان بالنسبة للدكتورة ياسين برميل البارود هذا، لأنك طبيب عربي في مجتمع يهودي، هو تجربة جديدة نسبيا، فانه في نظر البروفيسور جهاد بشارة الامر يتعلق بأنباء قديمة. بشارة يدير وحدة لامراض التلوث في مستشفى بلنسون في بيتح تكفاه ويقدم العلاج نفسه لليهود والعرب منذ ثلاثين سنة. اليوم وبسبب خبرته فإنه يقف على رأس الحربة لعلاج المصابين بالكورونا. "في المستشفى أنا انفصل عن السياسة. أنا اقوم بعملي دون أي صلة بما يحدث في الخارج. هذا لا يؤثر علي"، قال للصحيفة واضاف "منذ عقود وأنا انقذ حياة يهود كل يوم".
ولكن خارج القسم الوضع مختلف. "لكوني مواطن أنا أعترف بأن التحريض يزعجني جدا، هذه اقوال لا تحتمل يوجهونها لجمهورنا. ولكن للاسف نحن تعودنا". واضاف "يقولون لي لكوني مواطن بأنني غير جيد بما فيه الكفاية، وأن من يمثلونني ليسوا بشر بما فيه الكفاية كي يكونوا شركاء في الحكومة. ولكني بالنسبة لهم جيد بما فيه الكفاية كي أقف على رأس هرم انقاذ الحياة".
البروفيسور بشارة تذكر كيف تم تأخيره للفحص الامني في مطار بن غوريون عند عودته من احدى رحلاته في الخارج. "لماذا تقومين بتأخيري؟ سألت المراقبة الشابة. هل ذلك لاسباب امنية؟ من اجل انقاذ يهود؟ فأجابت بنعم. قلت لها ممتاز، أنا أفعل ذلك منذ عشرات السنين بفخر كبير وبقناعة كبيرة، سبعة ايام في الاسبوع و24 ساعة في اليوم. أنا طبيب قبل كل شيء".
على بعد حوالي 40 دقيقة سفر شمالا (ربما الآن أقل بقليل على خلفية الحركة القليلة على الشوارع) يوجد المركز الطبي "هيلل يفيه" في الخضيرة. وكجزء من الاستعداد الاستثنائي لمواجهة الكورونا تم هناك افتتاح قسم خاص: امراض وبائية أ. على رأس هذا القسم الجديد والذي يمكن أن يشمل نحو 30 سرير يقف الدكتور جميل محيسن، الخبير في الامراض الباطنية وامراض القلب، والذي عمل حتى الآن طبيب في وحدة العلاج المكثف للقلب.
عندما سئل عن التمييز والعنصرية ضد العرب، المشتعلة في هذه الاثناء، الى جانب اشتداد ازمة الكورونا، هو قبل أي شيء يضع السياسة جانبا. "نحن كأطباء نشعر بأننا رسل في هذا الوضع من الضائقة والطوارئ، نحن ملزمون بالحفاظ على صحة كل مواطن في الدولة". واضاف بشكل قاطع "جميعنا، يهود وعرب، يجب علينا محاربة هذا الوباء معا من اجل تعافي الجميع. أنا لم أفكر في أي يوم من أي قومية جاء مريضي. وما يهمني هو فقط شفاء المريض". وربما تستطيع السياسة أخذ النموذج من محبتنا، يهود وعرب، في المستشفيات. آمل ذلك جدا".
ضائعون في الترجمة
في هذه المعادلة، العلاقة بين اليهود والعرب في زمن الكورونا، توجد عدة متغيرات اخرى. أحدها هو نظرة سلطات الدولة للمصابين المحتملين في الوسط العربي. في حين أنه منذ بداية الذعر المحلي اهتمت وزارة الصحة بابلاغ الجمهور اليهودي – العبري بما يجري، بما في ذلك نشاطات متشعبة في الشبكات الاجتماعية، إلا أن الجمهور الذي يتحدث العربية بقي في الظلام.
التوجيهات للجمهور والتي شملت تعليمات ومسارات للمصابين، تم نشرها بالعربية فقط بعد فترة طويلة. هكذا، وجد الاطباء العرب انفسهم يقومون بدور المترجمين. "شعرنا بالعجز. معلومات كثيرة لم تصل الى جمهورنا"، قال د. امير عليمي، نائب مدير المستشفى الانجليزي في الناصرة. "لقد أخذنا على عاتقنا المهمة. قمنا بترجمة كل بيان لوزارة الصحة ونشرناه". وحسب قوله، جاء الى المستشفى مواطنون لم يعرفوا اذا كان يجب عليهم عزل انفسهم أم لا. "الآباء كانوا قلقين على اولادهم وعلى انفسهم. وقد كانت فوضى وتشوش كبير".
إن تداعيات نقص المعرفة تتجاوز المجتمع العربي. وحسب قوله "عندما يبقون المجتمع العربي في ظل عدم المعرفة، فانهم يعرضون للخطر الجمهور العربي واليهودي ايضا. جميعنا معرضون بنفس الطريقة للفيروس، وجميعا يمكن أن يعدي أحدنا الآخر".
في اعقاب ذلك توجه في الاسبوع الماضي بشكوى عضو الكنيست سامي أبو شحادة (القائمة المشتركة) ومنظمة "عدالة" الى المدير العام في وزارة الصحة، موشيه بار سيمنطوف. في هذه الشكوى جاء أنه من فحص موقف الانترنت لوزارة الصحة تبين أنه طوال خمسة ايام لم تظهر أي بيانات محدثة باللغة العربية، رغم أنه في هذه الاثناء، 4 إلى 9 من الشهر الحالي، أعطيت بيانات كثيرة باللغة العبرية. ومنشورات بالعربية لم تظهر في الشبكات الاجتماعية على الاطلاق وفي تطبيق التحديثات ايضا.
الرسالة التي تم نقلها بواسطة المحامية آية الحاج عودة من "عدالة" تم التأكيد فيها على أن عدم ايصال المعلومات ليس فقط يخرق حقوق المساواة، بل ايضا يمس في هذه الحالة بصحة الجمهور. "منذ سنوات يوجد تمييز كبير في مجال ايصال المعلومات والخدمات الحكومية"، كتبت، "ربما الآن، حيث يوجد انترنت مشترك لكل الجمهور، يمكنهم أن يكونوا قادرين على الوصول الى التحديثات بصورة جارية بفضل انتشار فيروس الكورونا، ونصل الى فهم بأن عدم المساواة دائما يضر في نهاية المطاف بالجميع".
التغيير من ناحية وزارة الصحة وصل فقط بصورة متأخرة، بعد يوم من تهديد "عدالة" بالتوجه الى محكمة العدل العليا. عندها بدأوا فجأة في الوزارة باصدار بيانات منظمة باللغة العربية. "الجهات المهنية في الوزارة اهتمت بترجمة جميع المنشورات للغة العربية، بما في ذلك بيانات الناطق والتعليمات للجمهور والبيانات والاعلانات في المطار وفي المعابر"، ردوا على عدالة في وزارة الصحة وقالوا إنه خلال ستة ايام لم يرفعوا المنشورات بالعربية لأنه "خرجت توجيهات، بيانات الناطق وتحديثات كثيرة اقتضت عمل طويل ومعقد للترجمة". وقد توجهت "هآرتس" الى وزارة الصحة حول ذلك، ولكن حتى الآن لم يصلها أي رد.
في هذه الاثناء في المستشفى الانجليزي في الناصرة يستعدون بتحمس لاستيعاب مصابين بالكورونا، وقد قاموا بوضع خيمة منفصلة خارج مبنى المعالجة. والى جانب الأمل بأن لا تخرج الازمة عن السيطرة، يأملون هناك ايضا بأنه ربما يترج من هناك البشرى للتضامن. "مثلما هو الفيروس لا يفرق بين أنواع البشر، نحن ايضا يجب علينا أن نضع جانبا الكراهية والتأكيد على الانسانية"، قال عليمي.
"أنا لست سياسيا ولكن من المحظور نسيان أننا صوتنا، ويوجد لنا 15 مقعدا في الكنيست. أنا أريد أن اكون جزء من المجتمع وأن يكون لي ممثلين خاصين بي يعملون من اجل الدفع قدما باحتياجات المجتمع العربي. اذا كانت الحكومة تريد الانتصار على هذا الفيروس يجب علينا أن نكون موحدين، وهذا الامر صحيح ليس فقط بالنسبة للمرض بل ايضا للحياة اليومية".
تقرير هآرتس- 18/3/2020
إضافة تعقيب