news-details

"الطيور تعود إلى أعشاشها" ندوة حول جديد الكاتب الدكتور وجيه ضاهر

أقيمت يوم الجمعة 27.5.22 في ستوديو جاليري 29 الواقع في سوق الناصرة القديم ندوة أدبية حول المجموعة القصصية "الطيور تعود إلى أعشاشها" (دار الفارابي، بيروت، 2022) للأديب الدكتور وجيه ضاهر ابن الناصرة، شاركت فيها الباحثة د. تماضر صفدي إبراهيم، والناقد د. رياض كامل وقدما فيها مداخلتين قيمتين أثارت الجمهور الذي تفاعل جدا عبر مشاركته الفعالة وإنارة جوانب هامة في المجموعة القصصية.

قدّم الندوة وأدارها الكاتب عادل زعبي. أشار في تقديمه إلى أهمية هذا الإصدار الذي يعالج المعاناة الإنسانية، بحيث يبرز فيها الموت في سبيل مقاومة المحتل. قدّم الكاتب عادل زعبي المشتركين في الندوة، حيث ذكر بأن مؤلف المجموعة القصصية هو أستاذ دكتور في جامعة النجاح الوطنية، وله كتابان سابقان، الأول هو "دوائر التيه"، وهي مجموعة قصصية صدرت سنة 2004، والكتاب الثاني هو "أصوات المدينة" وهي رواية صدرت سنة 2008. وبعدها قدّم الكاتب عادل زعبي د. تماضر صفدي مهنئا إيّاها على كتابها الجديدة من إصدار دار الفارابي، بعنوان "مفهوم المكان في الشعر الفلسطيني"، ثم قدّم الكاتب عادل زعبي د. رياض كامل ذاكرا كتبا مختلفة ألّفها في النقد الأدبي آخرها "المتخيل السردي العربي الحديث" و "حوارات في الفكر والادب "، وهما من اصدار الدار الاهلية للنشر والتوزيع- عمان.

افتتحت الندوة د. تماضر صفدي التي تحدثت عن المكان ودوره في المجموعة، ومما جاء في المداخلة "أن البعد المكانيّ يعتبر في المجموعة القصصيّة الطيور تعود إلى أعشاشها أحد العناصر الفنيّة التي تتأسّس عليها. يتجلّى هذا البعد من خلال عتبة النصّ الأولى أي العنوان، حيث تعود الطيور إلى المكان الحميميّ الآمن. يتجلى العنوان حاملا بعدا سياسيّا إنسانيّا نفسيّا مكانيّا متفائلا، إذ إنّه يقترن مع عودة الفلسطينيّ إلى وطنه.

يتنقل ضاهر بين الأمكنة الجغرافيّة الفلسطينيّة على أنواعها كالحارات والمخيمات والقرى والمدن، يجمع بينها ويسمّيها بأسمائها كما في بداية قصة "زرعين تطرق باب الرجل"، وكأنّه بذلك يوثّق رحلة معاناة الإنسان الفلسطينيّ على امتداد أماكن وطنه، كما يرسم حركة ترحاله وتهجيره وعدم استقراره في أمكنة الوطن التي يغيب عنها الشعورُ بالأمان والاطمئنان في ظل النكبة والنكسة والانتفاضات وما بينها.

 أما في قصّة "أصوات على السطح " فيصف ضاهر المكان بأسلوب حداثيّ مستغنيا عن كل الجماليّات اللغويّة التقليديّة، يتّسم هذا الأسلوب بالإيجاز والشعريّة والحركة السريعة، كما يرسم المكان وكأنّه مصور يلتقط المشاهد بعدسته ويحتفظ بها ليطلعنا عليها.

وتختفي الحدود القائمة بين المكان والإنسان في قصة "الأوساخ داخل البئر"، فتلتحم الشخصيّة مع المكان فيصبح الواحد منهما امتدادا للآخر ومكمّلا له، فتنعكس مظاهر الضيق والخراب والانكسار التي يتّسم بها المكان عن حالات خيبة أمل الفلسطينيّ وانكساره النفسيّ وضيقه وخوفه، أسوة بانعكاس حالات الخراب والدمار والتشوه والتدنيس التي يعاني منها المكان على الإنسان، فتتجلّى في صراعاته النفسيّة، وفي مشاعره المتخبّطة.

ويمكن القول إن البعد المكانيّ الأدبيّ في المجموعة القصصيّة يحمل عبء تمثيل سلسلة الأحداث المأساويّة ِالتي مرّ بها الشعب الفلسطينيّ، وما تولّد عنها من ظروف قاهرة ومظالم تاريخيّة، ليشكّل بذلك جزءا من السرد الجمعيّ الفلسطينيّ الذي يشكّل بدوره أحد مركّبات الهويّة الفرديّة والجمعيّة للفلسطينيّة. ويوظّف القاص هذا البعد في القصص ليرسم صورا غير متوازنة، حتى يعبّر عن رغبته في واقع بديل أفضل".

تلاها الناقد الدكتور رياض كامل وقدم مداخلة تناول فيها الكتابة المغايرة في المجموعة، ومما جاء فيها "لفت نظري أن الكاتب وجيه ضاهر لا يلتزم بالمبنى الكلاسيكي للقصة، ووجدته منذ القصة الأولى يعمد إلى عملية تهشيم الزمن، وتوظيف تقنيات حداثية تساهم في ذلك: الذكريات، الفلاش باك، المونولوج، المناجاة، الأحلام، الهلوسات والتداعي، فيكون السرد غيرَ منتظم مما يساهم في تغطية مساحة زمنية أوسع عبر القليل من الكلام والكثير من المعلومات". توقف الكاتب عند بعض القصص بالدرس والتحليل فوجد أن ضاهر لا يكتفي بالكتابة التجريبية، ولا بتوظيف الفانتازيا أو الكتابة الغرائبية، فنراه يبني قصة لا تعتمد على حدث ما، ولا على سرد يلتزم بمبنى زمني ما، ولا على شخصية مركزية تتبعها أو تسير معها شخصيات ثانوية، بل نراه يكتب قصة بعنوان "أصوات على السطح" تستحق وقفة مطولة في مناسبة أخرى، تمتد على أربع صفحات، هي عبارة عن جمل قصيرة جدا، قد تتكون من مفردة واحدة أو مفردتين أو خمس مفردات في أكثر الحالات.

لا يلتزم الكاتب بأي من مركبات القصة القصيرة أبدا ومع ذلك هناك خيط قوي جدا يمسك بتلابيب القارئ الذي يتابع القراءة حتى آخر لفظة من النص. يتمكن هذا النص، رغم تفككه اللغوي المقصود، أن يخلُق عالما قصصيا، وأن يجذب القارئ لمعرفة النهاية، وربط الأحداث- إن جاز أن نسميها أحداثا- بالعنوان، أو مع بعض الأسماء التي يبذرها الكاتب في حقل من الكلمات المبعثرة بصورة تبدو عشوائية، ولكنها في الحقيقة ليست عشوائية".  

شكر الكاتب المحتفى به الدكتور وجيه ضاهر المشاركين والحضور، منوها إلى بعض ما جاء في المداخلتين وأجاب عن تساؤلات الحضور وملاحظاتهم، وأشار إلى أنّ المجموعة القصصية، تحتوي على أربعة مواضيع أساسية وهي أوّلا معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، حيث أن أغلب قصص المجموعة تناولت هذا الموضوع. الموضوع الثاني هو الحرب العراقية، وهو في ثلاث قصص، والثالث هو الكنعانيون في قصة واحدة، والرابع هو قصص نصراوية في قصة واحدة. أجاب الكاتب على أسئلة الحضور، التي تعلّق بعضها بالوعي وعلاقته بما يكتب الكاتب، حيث قال إن اللاوعي هو عمليّة ضمن سيرورة الخلق الأدبي، وهو جزء من الحضانة التي تعتبر عملية أساسية في كل إبداع. أما حول السؤال عن عناوين القصص، وكيف تم اختيارها وعلاقة العنوان بالقصة نفسها فقد ذكر الكاتب بأنّ العنوان، أحيانا، يأتي ليعبّر عما هو غير موجود في القصة، أو أنه موجود دون بروز، مثل قصّة القرنفلة البيضاء، حيث تبدأ القصّة بالقرنفلة البيضاء دون أن يأخذ ذلك بعدها حيّزا من القصّة. نصّ القصّة يمكن أن يعبّر عن كون المرأة في القصّة قرنفلة بيضاء، وتشبه تلك القرنفلة التي وضعها زوجها على جسدها ميّتة. وحول اختيار الأسماء في القصص، وبروزها في بعض القصص بينما تكاد لا تظهر أو تختفي في بعضها فأجاب بأن ذلك قد يعود إلى دور الشخصيات، وأنّ الإشارة إلى بعض الشخصيات السلبية بصفة معيّنة قد يراد بها إبراز دورها السلبي، والعكس أيضا صحيح، حيث الإشارة إلى بعض الشخصيات الإيجابية بصفة معينة قد يراد بها تحبيب القارئ فيها.

أخبار ذات صلة