تشكل تصريحات موشيه يعلون عن أن إسرائيل تقترف تطهيرا عرقيا في قطاع غزة، وفي شماله على وجه الخصوص، اعترافًا رسميا إلى حد بعيد بهذه الجريمة. صحيح أن يعلون لا يحمل صفة رسمية ولا يحتل منصبا رسميا اليوم، لكن سجله العسكري والسياسي الأمني كرئيس لهيئة قيادة الأركان العامة للجيش ووزير للأمن، وكضابط تولى شتى الوظائف والمهام العسكرية، تجعل تصريحه أقرب إلى الاعتراف بالمسؤولية، منه إلى مجرد التقييم او التعبير عن الرأي، وخصوصا انه اطلقه في مقابلة يوم السبت ثم عاد وأكد عليه ثانية يوم الأحد على منبر إضافي، بمعنى انه لم يكن مجرّد "زلة لسان" تكشف المخبأ المسكوت عنه.
لقد أكدنا طيلة سنوات الاحتلال الكولونيالي الإسرائيلي للضفة الغربيّة وقطاع غزة والقدس الشرقية على أن هذا المشروع في حالة تناقض تتفاقم دوما وبالضرورة على عدة مستويات. وهو سيظل ينحدر من حضيض إلى حضيض لأنه لا يمكن أن يحافظ على استمراره الا بمزيد من تصعيد الجرائم، فليس هناك من سبيل ابدا لتطبيع هذه الحالة العنيفة الدموية المدمرة، وبالتالي فسوف تتكشف عبثية مشروع الاحتلال وعدميته الوحشية على الدوام حتى بنظر من شكلوا أعمدة وأركانا في تكريس هذا المشروع الكولونيالي.
يعلون لم يتحدث طبعًا من الضمير الأخلاقي بل من موقع العسكري الذي "يتحدث نيابة عن أشخاص خدموا في شمال غزة"، وبكلماته فهو "يعكس الدعوات إلى تقليص عدد سكان قطاع غزة وعودة الاستيطان الى هناك"، في إشارة إلى تصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريش. وهو يتهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو "بقيادة البلاد إلى الخراب". ولكن بشاعة ما تقوم به إسرائيل الرسمية لتكريس مشروع الاحتلال بات يجعل حتى أمثال يعلون، بما وبمن يمثّل، يتحدثون باللغة السائدة اليوم في العالم: المؤسسة الإسرائيلية تقترف جرائم حرب وتطهير عرقي بحق الفلسطينيين. وهذا أمر له قيمة وأثر في القانون الدولي والرأي العام الأممي، والإسرائيلي لاحقًا، من باب "من فمكم ندينكم"!