news-details

اليونسكو يدرج "تل السلطان" في أريحا كموقع تراثي عالمي فلسطيني وسط غضب إسرائيلي


قررت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" خلال الدورة الخامسة والأربعين لليونسكو، المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض، بتسجيل موقع أريحا القديمة/ تل السلطان على قائمة التراث العالمي، بالرغم من المحاولات الإسرائيلية لتعطيل هذه الخطوة.


وقال مساعد المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة إرنستو أوتون خلال جلسة عقدت لإدراج الموقع على القائمة، إن “الموقع المقترح للترشيح هو موقع تل السلطان الأثري الذي يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، ويقع خارج موقع أريحا الأثري”.

وأكد دبلوماسي من اليونسكو لوكالة فرانس برس فضل عدم الكشف عن هويته أن “لا وجود لبقايا يهودية أو مسيحية في الموقع، إنه موقع لبقايا تعود إلى ما قبل التاريخ إلى ما بين 10 آلاف و700 عام قبل الميلاد”.

ويقع تل السلطان الذي يعتبر أقدم من أهرامات مصر في وادي الأردن وهو تل بيضاوي يحتوي على رواسب من ما قبل تاريخ النشاط البشري، ويتضمن نبع عين السلطان بجواره.

ولاقت خطوة اليونسكو ترحيبا فلسطينيا واسعا.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا) ترحيب الرئيس محمود عباس بالقرار واصفا إياه بأنه "بالغ الأهمية ودليل على أصالة وتاريخ هذا الشعب".

أما وزيرة السياحة والآثار الفلسطينية رلى معايعة المتواجدة في الرياض، فأكدت على أهمية القرار باعتبار أن الموقع يشكل "جزءا أصيلا من التراث الفلسطيني المتنوع ذو القيمة الإنسانية الاستثنائية”.

محاولات إسرائيلية لمنع الخطوة وغضب على القرار

وقبل نحو أسبوع توجه وفد إسرائيلي إلى السعودية برئاسة مدير عام هيئة الآثار إيلي إسكوزيدو للمشاركة في مداولات اللجنة، وطلب من أعضائها محاولة منع اعتماد القرار. وتعتبر هذه الزيارة للمملكة خطوة أخرى في التقارب بين البلدين تحت ضغوط أمريكية للتوصل إلى اتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي.

وإلى جانب جهود الوفد، أرسل نواب من ما يسمى "لوبي أرض إسرائيل" في الكنيست رسائل إلى ممثلي الدول الأعضاء في لجنة التراث يطالبون فيها برفض الطلب الفلسطيني للاعتراف بالموقع. وزعم قادة اللوبي – يولي إدلشتين (الليكود)، وليمور سون هار مالك، وسيمحا روثمان (الصهيونية الدينية) – أن "السلطة الفلسطينية تروج لحملة لإنكار التاريخ اليهودي في الضفة الغربية وتمنع الوصول إلى المواقع التراثية للإسرائليين". وكتبوا أيضًا أن السلطة الفلسطينية حولت أريحا إلى "مركز إرهاب"، على حد تعبيرهم، وكتبوا "بما أن أريحا ذكرت في التوراة 53 مرة، فيجب أن تكون لإسرائيل الأولوية هناك".

وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها تعتبر القرار بمثابة "علامة أخرى على استخدام الفلسطينيين السيئ لليونسكو وتسييس المنظمة"، وأن إسرائيل "ستعمل مع أصدقائها الكثيرين في المنظمة من أجل تغيير كل القرارات المشوهة التي تم اتخاذها".

 كما ذكرت أن القرار اتخذ على الرغم من "الجهود الكثيرة والمخلصة التي بذلتها الأمينة العامة لليونسكو أودري أزولاي لتحقيق التوازن في القرار".


ورد وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو على قرار اليونسكو ووصفه بأنه "تشويه للتاريخ"، وعلى حد تعبيره "اليونسكو تتصرف خلافا للحقيقة الموضوعية عندما تعترف بموقع أريحا القديمة كموقع فلسطيني، بينما تعطي الشرعية للسلطة الفلسطينية، فيما تقوم بإنكار ممنهج للتراث وإلحاق الأذى كل يوم بشدة بالمواقع التاريخية إلى حد محوها".


وأضاف الوزير إلياهو زاعمًا: "إن المواقع في أريحا مرتبطة بالشعب اليهودي، كما جاء في التوراة والقرآن والعهد الجديد، وكما ثبت علميا من خلال الاكتشافات التي تم التوصل إليها من المواقع الأثرية هناك". وأضاف. "من العار أن تختار اليونسكو تحويل القضية المهمة المتمثلة في الحفاظ على التاريخ إلى أداة سياسية ومهاجمة دولة إسرائيل. وستعمل وزارة التراث بالتعاون مع الوزارات الأخرى ضد القرار ومن أجل تصحيح الظلم من خلال الاستثمار في المواقع في أريحا".

وفي المقابل، أعربت منظمة علماء الأثار الإسرائيلية "عيمك شافيه" عن دعمها لقرار الاعتراف بالموقع كموقع للتراث العالمي في فلسطين. وبحسب المنظمة، فإن معارضة الحكومة ليست مهنية، بل تتعلق بحملتها لضم أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل. "تستند حجج المعارضين إلى وجهة نظر قومية متطرفة، ترى أن شعب إسرائيل ودولة إسرائيل هما الورثة الوحيدان لأرض إسرائيل التوراتية، وهذه النظرة تمزج بين الانتماء الثقافي والسيادة السياسية".


تل السلطان أقدم المدن المحصنة في التاريخ 

يمتلك موقع تل السلطان استراتيجية فريدة نابعة من موقعه القريب من عين السلطان، والتي تشكل أساس وجود مدينة أريحا، وبداية الحياة البشــــرية خلال الفترة الناطوفية قبل ظهور النـــباتات قبل حوالي 10500 عام.

ويعد موقع تل السلطان، أقدم مدينة زراعية مسوّرة في العالم، ويمتد تاريخها لأكثر من 8 آلاف عام، وتمثل نموذجا معماريا فريدا في العصور القديمة.

وتتمثل الأهمية العالمية الاستثنائية لأريحا القديمة (تل السلطان) كونها من أقدم المدن المحصنة في العالم تعود إلى العصر الحجري الحديث (8350 ـ 7000 ق.م)، ففي تلك الفترة كانت المدينة محصنة بسور دفاعي ضخم وبرج دائري (قطره 9م وارتفاعه حوالي 8م)، وخندق مقطوع في الصخر (بعمق 3م، وعرض 8م)، ويحتوي البرج على مدخل وبهو مسقوف ودرج داخلي يتكون من 22 درجة يقود إلى قمة البرج (وهو أقدم درج مبني في العالم)".

ويقع تل السلطان في الجزء السفلي من سهل وادي الأردن على بعد 10 كلم إلى الشمال من البحر الميت، و2 كلم شمال مركز مدينة أريحا، ويقع 250م تحت مستوى سطح البحر وبالتالي أريحا القديمة هي أخفض وأقدم مدينة في العالم تمثل تاريخا حضاريا مميزا على مدى عشرة آلاف عام.

ويحتوي تل السلطان على 29 طبقة لحضارات قديمة ومبانٍ معمارية مهمة، منها المبنى الدائري "البرج"، الذي يعتبر منجزا معماريا فريدا، ويضم درَجا داخليا منحوتا من الحجر، وممرا بعرض 3 أمتار، وتم تشييد سور يحيط بالمدينة وخندق بعمق 3 أمتار، وتحتضن المدينة نظاما اجتماعيا واقتصاديا مزدهرا.

وزارة السياحة والآثار/ كانت قد أعدت ملفا تراثيا فلسطينيا لتل السلطان، بالتعاون مع خبراء من وزارة السياحة، وآخرين فلسطينيين ودوليين، وقدمته عبر وزارة الخارجية وشؤون المغتربين إلى اليونسكو للتسجيل.

وكان أول موقع فلسطيني يتم تسجيله في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، هو البلدة القديمة وأسوار القدس، وذلك من قبل المملكة الأردنية الهاشمية في عام 1982.

وفي السنوات التالية، بالتحديد مع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، تم تسجيل العديد من المواقع المهمة في قائمة التراث العالمي، ومنها كنيسة المهد ومسار الحجاج عام 2012، وفلسطين أرض الزيتون والعنب عام 2014، والمشهد الثقافي لمدرجات جنوب القدس- بتير، في العام ذاته، تم تسجيل البلدة القديمة في الخليل في عام 2017، وأخيرا تم إدراج التطريز فنا فلسطينيّا على قوائم "اليونسكو" للتراث الثقافيّ العالميّ عام 2021.

وفي الثاني عشر من الشهر الجاري، تبنت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" خلال الدورة الخامسة والأربعين لليونسكو، المنعقدة في العاصمة السعودية الرياض، مشروع قرار حول البلدة القديمة للقدس وأسوارها، يؤكد القرارات السابقة للجنة، وإبقاء وضع البلدة القديمة للقدس وأسوارها على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، إضافة إلى قرار الخليل، وبتير.

أخبار ذات صلة