news-details

شاي غرينبرغ: «تكتيكات التضليل» الإسرائيلية للتغطية على جرائم الحرب في غزة

في مطلع تشرين الأول، وإثر تشديد الحصار على شمال قطاع غزة وتصاعُد الهجمات في المنطقة، تقدمت منظمة "غيشاه- مسلك"، بالتعاون مع منظمات حقوق إنسان أُخرى، بالتماس إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، تطالبها فيه بإصدار أمر احترازي يُلزم إسرائيل بالسماح بإيصال كامل للمساعدات الإنسانية الضرورية لبقاء السكان المدنيين في المنطقة.

في تلك المرحلة، كان واضحاً أن كمية البضائع التي دخلت القطاع انخفضت بشكل كبير، خصوصاً في شماله. فوفقاً للبيانات التي ينشرها منسق شؤون المناطق في الحكومة الإسرائيلية (المنسق)، كانت كمية البضائع التي دخلت في تشرين الأول هي الأدنى منذ بداية العام، بل أدنى من الكمية التي دخلت في بداية الحرب، في تشرين الثاني 2023. أمّا القيود التي فرضتها إسرائيل على إدخال بضائع القطاع الخاص إلى غزة، والتي تُعتبر مصدراً رئيساً يمكن أن يزيد في الإمدادات في السوق المحلية، فقد أدت إلى رفع أسعار المواد الغذائية أكثر، في ظل وضع اقتصادي صعب أصلاً.

أقرّت الدولة، في معرض ردها على المحكمة العليا، بأنها لم تقم بـ"تنسيق التحركات" إلى شمال القطاع منذ عدة أسابيع، وأكدت أنها لا تزال تمنع دخول المساعدات إلى الجزء الشمالي من القطاع. لقد حاولت الدولة تبرير منع المساعدات بحجة "الاعتبارات العملياتية" الناجمة عن القتال، إلّا أن هذه الحجة مضللة، لا بل عبثية، فالالتزامات الموكلة إلى إسرائيل في المنطقة تنبع من حالة القتال نفسها. ويعكس ردّ الدولة هذا، في الواقع، انتهاكاً مستمراً للقانون الدولي، الذي ينص على أن منع المساعدات الإنسانية عن المدنيين بشكل متعمد يُعتبر جريمة حرب.

هذا الادعاء الذي تقدمه الدولة هو مثال لاستخدام تكتيكات التضليل، إذ تسعى بذلك لتشويه الحقائق، والتنصل من مسؤوليتها عن الكارثة الإنسانية، وتضليل الرأي العام بشأن واجباتها تجاه السكان المدنيين في القطاع. لقد عكس تقرير بار بيليغ (المنشور في صحيفة "هآرتس" (31/10) الذي تناول انخفاض كميات المساعدات، استخدام منسق اعمال الحكومة لهذا التكتيك، إذ زعم أن السبب الرئيس لعرقلة الإمدادات هو "انخفاض في المساعدات الدولية، وليس القيود التي فرضتها الدولة"، وأن "مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات لا تزال تنتظر على الجانب الفلسطيني من المعابر، ولم يتم تسلّمها".

لا يعدو الأمر كونه استخداماً جزئياً، أو غير ملائم للمعلومات. إذ إن مئات الشاحنات تنتظر فعلاً عند المعابر، لكن بسبب الظروف الميدانية، التي تتحمل إسرائيل مسؤوليتها، لا تتمكن المنظمات من إيصال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين. وتنبّه المنظمات مراراً إلى المخاطر التي تواجهها جرّاء القتال في المنطقة، من قصف واستيلاء عنيف من مسلحين على الشاحنات ونهبها. وتشير التقارير إلى أن نحو نصف طلبات هذه المنظمات للتنسيق مع الجيش الإسرائيلي تُرفض، وهو ما يحول دون وصول المساعدات إلى المدنيين.

لقد تسببت الهجمات العسكرية المستمرة في أنحاء القطاع بتدمير البنى التحتية، وأصبحت الطرقات غير صالحة للتنقل، في حين يحدّ الجيش من الحركة على الطرقات المؤدية إلى نقاط توزيع البضائع على الجانب الفلسطيني من المعابر. بالإضافة إلى ذلك، يتم تأخير قوافل المساعدات في أثناء توجّهها من الجنوب إلى الشمال بسبب الحواجز العسكرية، وفي كثير من الحالات، يمنع الجنود مرورها، وهو ما يضطر القوافل إلى العودة. لقد فقد العديد من موظفي المنظمات حياتهم، على الرغم من تنسيق عبورهم مع إسرائيل، لكن هذا لم يوفر لهم الحماية على الأرض.

بهذه الطريقة، تنحي إسرائيل باللوم عن نفسها وتوجّهه نحو منظمات المساعدات، وتتملص من مسؤوليتها. فمنذ بداية الحرب، تقوم إسرائيل بتشويه عمل المنظمات الإغاثية وتحميلها مسؤولية إخفاقاتها، لكن من المفارقات أن الدولة تفاخر في مداولات المحكمة العليا بتعاونها الوثيق مع هذه المنظمات.

إلى ذلك، زعم منسق شؤون "المناطق" أن "إسرائيل تبذل جهوداً واسعة النطاق لتسهيل نقل المساعدات إلى قطاع غزة بالتنسيق مع الولايات المتحدة ومصر والأمم المتحدة ومنظمات المساعدات الدولية". هذا الزعم ليس سوى مثال واضح آخر للتضليل. فإلى جانب أن القانون الدولي يُلزم إسرائيل بالسماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، (وهو ما لا تلتزم به إسرائيل)، كونها طرفاً في النزاع وقوة احتلال، فإن واجباتها، حسبما قررت محكمة العدل الدولية في لاهاي، لا تنتهي بمجرد دخول المساعدات إلى الجانب الفلسطيني، بل تمتد حتى تصل المساعدات إلى المدنيين المحتاجين إليها.

هناك مثال آخر للتكتيك التضليلي يتمثل في "التقييم" الذي قدمه المنسق في المحكمة العليا، والذي يفيد بوجود "احتياطات كافية من المساعدات" في شمال القطاع. من المهم التوقف عند هذا التقييم، لأنه لا أساس له من الصحة، ويتناقض بوضوح مع تقارير المنظمات الإغاثية. أيضاً أصدرت اللجنة المشتركة للأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع تحذيراً من تدهور الكارثة الإنسانية وتجاوز عتبة المجاعة في شمال القطاع. وعلى الرغم من أن المحكمة العليا طلبت من الدولة عدة مرات تقديم البيانات التي تستند إليها قراراتها، فإن الدولة امتنعت عن ذلك.

في إطار الالتماس الذي قُدم قبل ثمانية أشهر، أقرّت إسرائيل بأن زيادة كمية المساعدات تؤدي إلى انخفاض حالات النهب. ومع ذلك، بدلاً من بذل جهود في هذا الاتجاه، يكتفي المنسق بإصدار تصريحات تدّعي "التزامه بتوفير استجابة إنسانية فعالة". لكن في الواقع، تقوم إسرائيل بالعكس تماماً؛ إذ تمنع توزيع المساعدات، وتزيد في تعقيد عمل المنظمات على الأرض بكل الطرق الممكنة. وبهذا الأسلوب، عبر التلاعب وتشويه الحقائق وإخفائها، تقوم إسرائيل بتنفيذ سياسات مروعة، تشمل سياسة تجويع للسكان.

في الوقت نفسه، تستمر المحكمة العليا في منح الدولة فرصاً متكررة للتملص من المسؤولية وتقديم رواية كاذبة تزعم فيها التزامها بواجباتها بموجب القانون الدولي. وبهذا، تكون المحكمة أيضاً شريكة في التضليل الذي تمارسه إسرائيل.

عن "هآرتس"

Getting your Trinity Audio player ready...
أخبار ذات صلة