شارك الفيلم الروائي "فليكن صباحا"، ضمن مهرجان حيفا للأفلام في قاعة "سينما تك" حيفا التي غصّت بالجمهور وسط حضور ملحوظ للنقاد وشخصيات بارزة من عالم الفن.
حظي الفيلم بعد عرضه باهتمام كبير في الإعلام الاسرائيلي، وحاول مخرج الفيلم عيران كوليرين أن يكشف فيه للرأي العام الاسرائيلي معاناة الفلسطيني القابع تحت نير الاحتلال واضطراره للبحث عن أية وسيلة لكسب لقمة العيش وإعالة عائلته من جهة وحالة التخبُّط التي ترافقه من خلال تركه لحياته الشرقية القروية للعمل في القدس والداخل فيندمج في حياة التمدُّن والرفاهية، الأمر الذي ينعكس على شخصيته من عامل هدفه الوحيد تحسين مستوى معيشته وأوضاعه الاقتصادية التعيسة إلى إنسان ملاحق سياسيًا واجتماعيًا تارة من الاحتلال وتارة أخرى من أبناء جلدته.
الفيلم وبالرغم من أنه يروي رحلة عذاب الفلسطينيين القادمين من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة التي مزّق الجدار أوصالها في القدس ومناطق الـ"67"، وبالرغم من أن كل الممثلين المشاركين فيه عرب باستثناء الجندي اليهودي على الحاجز العسكري، إلا أنه وبحسب ردود الفعل الأولية مما كتبه الاعلاميون ربما سيواجه غضب اليمين الاسرائيلي المتطرف عند خروجه إلى دور السينما الاسرائيلية، واللافت للانتباه أن نفس هذه المعادلة ستواجه الفيلم ومنتجيه في الشارع العربي والفلسطيني، كانت بوادرها رفض أبطال الفيلم وجميعهم فلسطينيون المشاركة بعرضه الافتتاحي في مهرجان كان السينمائي بسبب تعريفه كفيلم إسرائيلي، رغم أن عيران المخرج اختار توقيت انتاج الفيلم الفلسطيني المجازي هذا في واقع اللا سلام المركّب الذي يعيشه الاسرائيليون والفلسطينيون على السواء.
الفيلم يصوّر قصة بطل الفيلم سامي (اليكس بكري) الذي يعمل في القدس ويذهب عبر الحاجز العسكري للمشاركة في فرح شقيقه بقرية فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، ثم تدور باقي أحداث الفيلم الدرامية حول محاولات عودته البائسة إلى عمله وإلى عشيقته اليهودية، بعد أن تبيّن له تنفيذ الاحتلال مشروع جدار الفصل العنصري الذي عزل القرية بكاملها خلف الجدار واستحالة إمكانية التواصل مع مكان عمله فيخسر عمله وعشيقته معا، ثم تتحوّل أحداث الفيلم إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها العائلة الفلسطينية وتماسكها من جهة وحالة التمزّق التي تحل بالقرية على أنقاض القيود التي يفرضها الاحتلال وملاحقة السلطات الاسرائيلية القمعية للعمال الفلسطينيين بدعم أوساط فلسطينية مزروعة على شاكلة عصابات الإجرام وهيمنتها على الحيِّز العام. الفيلم بشكل مباشر يعكس واقع الاحتلال وأثره على الشارع الفلسطيني في الداخل أيضًا وفي كل أماكن تواجده.
يحاول مخرج الفيلم أن يصوِّر قبح الاحتلال من خلال معاناة الفلسطينيين اليومية على الحواجز العسكرية ويربطها بقصص شخصيات الفيلم وأثرها على حياة المواطنين بكل جوانبها محاولا إثبات بأن الهوية القومية ليست المركِّب الاساسي، بل رغبتهم بحياة طبيعة ومستقرة فيواجهون الحواجز العسكرية ويرفضون الجدار العنصري الذي يحجب عنهم ضوء الشمس.
"فليكن صباحا" فيلم بطولة الفنان الفلسطيني أليكس محمد بكري، وهو نجل الدكتور محمد حسن بكري من قرية البعنة في الجليل، يعمل في مجال السينما، متزوّج من الممثلة الالمانية المعروفة فيرونيكا رايشارد - بكري. إخراج عيران كوليرين، رواية الكاتب سيِّد قشوع وتمثيل، اليكس بكري، جونا سليمان، سليم ضو، ايهاب سلامة، مروان حمدان، خليفة ناطور، ايزابيل رمضان، سامر بشارات، دريد ليداوي، يارا جرار، عرين سابا وأديب صفدي.
"الاتحاد" التقت بطل الفيلم اليكس بكري بعد عرض الفيلم وحول اختياره لبطولة الفيلم قال: " في فترة الإعداد للفيلم كنت أعمل على منتجة فيلم من إخراج الفنانة جونا سليمان وبطريق الصدفة كانت وظيفتها البحث عن ممثلين مناسبين لفيلم عيران كوليرين "فليكن صباحا" وبواسطتها بعثَت جونا مقطعًا من فيلم "الزمن الباقي" للمخرج ايليا سليمان مثلتُ فيه، ثم التقيتُ بمخرج الفيلم عيران كوليرين، وهكذا تم اختياري لدور البطولة".
*لمَ أثار حصول الفيلم على جوائز متعددة غضبًا في الشارع الاسرائيلي؟
- "في مهرجان حيفا السينمائي حصل الفيلم على جوائز أفضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل ممثل رئيسي (أليكس بكري) وأفضل ممثل إيهاب سلامة، وفاز بـ 7 جوائز اوفير، منها أفضل فيلم وأفضل مخرج (عيران كوليرين) وأفضل سيناريو (عيران كوليرين) وأفضل ممثلة رئيسية (جونا سليمان) وأفضل ممثل مساعد (إيهاب سلامة) وأفضل كاستينغ (جونا سليمان). وأثارت المراسم غضب الشارع الإسرائيلي ردًا على تصريحات الممثلين الذين لم يحضروا الحفل.
كتبت جونا سليمان: "في ظل الظروف العادية، كنت سأشعر بالسعادة والامتنان للجائزة، لكن للأسف وهذا مستحيل عندما تكون هناك جهود نشطة لمحو هويتنا الفلسطينية، وهي خطوة عنيفة مبنية على التقاليد الاستعمارية المستمرة لمحو هويتنا التاريخية والتطهير العرقي الذي لا يترك لي مجالا للسعادة بل للغضب والإحباط".
وأضاف بكري: "في رأيي كل فن هو سياسي بالضرورة، ومن مسؤولية الفنان أن يستغل كل منصة ممكنة للاحتجاج على الظلم، انطلاقا من انتمائنا القومي وحقنا في تقرير المصير كفلسطينيين لا ينبغي أن يشكل تهديدا لأحد".
*هل بالإمكان أن نعد الجمهور بجولة عروض في المجتمع العربي؟
- "الفيلم سيخرج قريبا للعرض في صالات السينما في اسرائيل والعالم، وسأهتم أن يكون العرض الأول القادم في منطقة الشاغور قريبا من مسقط رأسي البعنة، خاصة وأن معظم الممثلين المشاركين هم من الرامة والبعنة ومجد الكروم والناصرة".
*كيف انتقلت من عالم المونتاج إلى التمثيل؟
- "لم ولن أترك مهنتي التي أعشقها، شاركتُ في عدد من الأفلام وانتهزتُ كل فرصة لممارسة مهنة التمثيل، لأن مجال عملي وتجربتي في التعرّف على الكاميرة واختيار النصوص وتركيب الفيلم منحني القدرة على خوض مضمار التمثيل بقوّة".
*ما هو مشروعك الفني القادم؟
- "أنا اليوم في المراحل الأخيرة من إخراج أول فيلم وثائقي طويل شاركتُ في تصويره في جنين قبل عدّة سنوات خلال عملي مع مخرج الماني صوّر فيلما عن مشروع بناء سينما في مدينة جنين. سافرتُ معه إلى المانيا لأعمل على منتجة الفيلم، خلال العمل اختلفت معه لأن سياق فيلمه كان من وجهة نظر المانية فحاولتُ إقناعه أن يخرجه من وجهة نظر فلسطينية، وعندما رفض ذلك طلبتُ منه مادة الفيلم المصورة لأخرج فيلمي من وجهة نظري كفلسطيني، هذا ما حصل، وأتوقع خروج الفيلم إلى النور عام 2022".
*ما سبب تغيُّب أبطال الفيلم عن عرضه في مهرجان كان السينمائي؟
- "تقوم آلة الدعاية الإسرائيلية باستخدام كل ما بوسعها من أجل تبييض جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وكان من السهل على الدولة استخدام هذا الفيلم لتوصيل صورة زائفة لما يسمونه الديمقراطية الإسرائيلية من خلال ادعاء وجود تعايش ومساواة وتعاون في الحياة اليومية، والحقيقة أن مثل هذه الشراكات مع قوى يهودية مناهضة للاحتلال والفصل العنصري هم قلائل، ولكنهم موجودون ولا تزال قائمة على الرغم من المؤسسة الإسرائيلية وليس بفضلها، لذلك أردنا استخدام هذه بالمنصة الدولية في مهرجان كان السينمائي من أجل خلق احتجاج فعال وتسليط الضوء على التطهير العرقي المستمر وسياسات الفصل العنصري والجرائم التي تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وهناك طرق عديدة لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، أهمها حركة المقاطعة التي تستهدف الفنانين العالميين وتحثهم على مقاطعة إسرائيل ثقافيًا، وهي حركة أدعمها وأؤيدها".
*قد يقول البعض إن هناك تناقضًا، نظرًا إلى أن الفيلم نفسه يعتبر إسرائيليً، ما رأيك؟
- "هذا هو بالضبط التعريف الذي أريد معارضته، لمجرد أننا نعيش ونعمل هنا بموجب الجنسية المفروضة علينا، لا يعني بأي حال أننا نمثل هذه الدولة أو ما تمثله ولا يعني أن نقبل بفرض هذا التعريف علينا أو أننا وبحكم مواطنتنا هنا مجبرون على التعامل مع المؤسسة الاسرائيلية بشكل يومي!، تتفهم حركة المقاطعة مدى تعقيد وضعنا كأقلية قومية تعيش في اسرائيل، وفي رأيي يجب أن نستخدم أي وسيلة ممكنة لإيصال أصواتنا ووضع القضية الفلسطينية في المقدمة وعدم الانصياع لتقنيات تعريفات المؤسسة الإسرائيلية والتي بإمكانها أن تحرمنا حتى من الموارد القليلة التي لدينا الآن (2 ٪ فقط من الميزانية الثقافية مخصصة للمجتمع الفلسطيني التي تعادل نسبتها 20 ٪ من عدد السكان، ناهيك عن المليارات من اموال الضرائب التي ندفعها والتي يتم انفاقها سنويا على بناء المستوطنات وتعزيز نظام الفصل العنصري)".
*هل برأيك قراءة الصورة هذه تلقى رواجا لدى أبناء شعبنا في كل أماكن تواجده؟
- "قد أكون مخطئًا، أو قد أفتقر قراءة الصورة الكاملة، حتى وإن كان الأمر كذلك، أرجو أن نكون قادرين كمجتمع متنوع سياسيًا على إجراء نقاش بناء والذي هو أساس قوة أي مجتمع لأننا قد نختلف على الطريق ولكننا نبقى أبناء شعب واحد إن كنا في الشتات أو في غزة أو في الضفة الغربية أو في أي مكان في فلسطين التاريخية، هدفنا واحد وهو فلسطين حرة ومستقلة".
الصورة:
الممثلان أليكس بكري وإيهاب سلامة