تواجه اسرائيل أعمق ازمة اقتصادية في تاريخها، بفاتورة حرب ستحتاج لسنوات عديدة جدا لتسديدها، عدا عن حاجتها لتغيير جوهري في بنية ميزانيتها السنوية العامة، وفي الاساس زيادة ميزانية جيشها بحوالي 50% عما كان قبل الحرب، وهذا سيستمر حسب التخطيط، حتى العام 2027، لكن المؤكد انه سيستمر لأكثر.
فهذه الحرب الاطول والأشد شراسة التي نشهدها، وتحدثت آخر التقديرات عن أن الكلفة اليومية للحرب على لبنان حوالي 500 مليون شيكل. بينما تحدثت آخر التقديرات العامة التي سبقت الحرب الحالية على لبنان، عن كلفة 250 مليار شيكل حتى نهاية العام الجاري، وكانت تشمل الحرب على الشعب الفلسطيني، والمعارك ضد لبنان، لكن مع توسع الحرب على لبنان، سيعني الحديث عن أكثر من 280 مليار شيكل، (75 مليار دولار تقريبا)، وهذا يعادل حوالي 54% من الميزانية السنوية العامة، و77% من ميزانية الصرف السنوي العام، من دون حصة تسديد الديون الحكومية والفوائد.
تنهمك حكومة الحرب والاحتلال حاليا، في اعداد صيغة ميزانية العام 2025 لعرضها على الكنيست في شهر تشرين الثاني المقبل. ولم يُبق وزير المالية، المستوطن الشرس بتسلئيل سموتريتش، ومسؤولو وزارته، جانبا واحدا يخص الشرائح الفقيرة والضعيفة، إلا وتم المس به، لأن صوت الفقراء في كل مكان في العالم خافت وضعيف من دون سند؛ أما في اسرائيل فله ميزة أخرى، إذ أن 45% من الفقراء هم من العرب، الذين هم أصلا 18% من المواطنين، وحوالي 38% من الفقراء، هم من جمهور المتدينين المتزمتين، الحريديم، الذين سيتم ضمان تعويضهم بقدر ما، بمخصصات اجتماعية استثنائية.
لكن حجم فاتورة الحرب لن تكفيه جيوب الفقراء، وخاصة جيوب العرب، ولهذا سنشهد تقليصات في الميزانيات الاجتماعية العامة، وستمتد الأزمة إلى الجمهور الاسرائيلي، أيضا من الشرائح الوسطى والميسورة، لكن لا يمكن أن نتوقع هبّة شعبية ضد الضربات الاقتصادية المتوقعة، بفعل آلة الترهيب من "العدو الذي يريد القضاء على اسرائيل".
ومن خلف كل هذا، فإن حرب إبادة شعبنا الفلسطيني، تدر أرباحا بعشرات مليارات الدولارات على مصانع الأسلحة الإسرائيلية والأمريكية، وأيضا على الشركات والمؤسسات التي تستغل الأوضاع، مثل شبكات تسويق الأغذية والبضائع الحياتية، والبنوك الاسرائيلية، التي كل واحدة منها تسجل ارتفاعا رهيبا بالأرباح.
حينما وقف المستوطن الشرس وزير المالية سموتريتش، معلنا الضربات الاقتصادية، افتتح خطابه بطمأنة حيتان المال، بأنه لن تكون زيادة في الضرائب عليهم، وهذا تلاقٍ خطير بين عقلية الابادة الدموية، مع اقتصاد وحشي.
والسؤال الملحّ: ما الذي يمكن فعله مع جمهور قابع تحت ماكينة سياسية واعلامية ترهيبية تجعله مرعوبا طوال حياته؟