تزايدت المؤشرات على قرب اضطرار حكومة اليمين الإسرائيلية لوقف الحرب الوحشية على لبنان، وتوالى في الأيام الأخيرة خروج عدة تسريبات وأحيانا تصريحات علنية لمسؤولين إسرائيليين بهذا المضمون. ويوم أمس بات الحديث عن التوصل لاتفاق يوقف النار والعدوان، وإن لفترة محددة بنحو شهرين، تفصيليا وعينيا أكثر.
وبالطبع، فمن غير الصواب التعاطي مع الأمر كأنه نهائي، لعدة أسباب. أولاً لأن الاجتياح الإسرائيلي متواصل وإن كان على مبعدة بضعة كيلومترات فقط داخل جنوب لبنان، تفاديًا لصدام حقيقي مع مقاتلي حزب الله كما يقول محللون؛ ومثله الغارات العنيفة التي لا تميّز في المجازر بين مدني وعسكري على طول وعرض لبنان، بما يشمل العاصمة بيروت؛ وفي مقابل ذلك يواصل حزب الله رده الصاروخي وغيره. وهذا الوضع يجعل الأمور تنطوي على مخاطر جدية مستمرة لحدوث ما لا يخطط له أي طرف، قد تجعل المسار يذهب باتجاه المزيد من التصعيد الحربي وليس "العكس المأمول".
سبب آخر لوجوب التعاطي الحذر هو طبيعة الحكومة الإسرائيلية التي جعلت من مواصلة الحرب أداتها لمواصلة الحكم، ناهيك عن أجنداتها التوسعية الأصولية المتأصلة. وعليه فمن حق المشككين من كل الجهات التعاطي معها بمبدأ انعدام الثقة التام فيما تعلنه. لكن ما يدعو للاستدراك هنا هو رغبة واشنطن في وقف الحرب، ليس من باب الأخلاق المعدومة لديها، بل من باب مصالحها وإدراكها أن أحلام واوهام السحق والمحق الإسرائيلية وتغيير الشرق الوسط، هي هراء سياسي وعسكري.
في جميع الأحوال هذه الحرب ستصل نهايتها، ولن تكون المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية قد حققت منها سوى مراكمة سجل جرائم الحرب بالقتل والتدمير والتهجير وزرع الثكل في القلوب، يشمل شعبها هي. ولكن مهما بلغ التوحش فسوف يقودها التاريخ من انفها المتغطرس إلى التعلّم بأن لا سبيل لتحقيق انتصارات سياسية في الحروب، ولا فرض استسلام على الشعوب، ووحدها المسارات السياسية القائمة على التكافؤ التام والنقية من الغطرسة الكولونيالية، من شأنها تغيير الشرق الأوسط فعلاً، بمفاهيم السلم والعدل والأمن.