news-details

الفنان سليمان منصور لـ "الاتحاد": جائزة اليونسكو اعتراف عالمي بإبداع الحركة الفنيّة الفلسطينيّة

الفنان التشكيلي سليمان منصور لـ"الاتحاد": جائزة اليونسكو هي اعتراف عالمي بإبداع الحركة الفنية الفلسطينية بأكملها

حاورته: مريم أبو الهيجاء

لا يمكن للفن الفلسطيني على وجه الخصوص، وأيًا كان نوعه أن يفصل كينونته عن الواقع الذي يعايشه الإنسان. نعم هنالك اتصال وثيق بين الشعور الدفين الّذي يرافق الفنان وبين الفن المؤدى، كحالة تعبيرية حقيقية تختلط بصوتٍ، قلمٍ أو مثلًا ريشة. فكيف إذا كان الفنان ذاته فلسطينيًا؟ والفن الّذي يؤديه تشكيليًا متنوعًا ومتناغمًا مع الحالة الضوضائية التي تحيطه؟

نجح الفنان الفلسطيني سليمان منصور (73 عامًا- مواليد بير زيت) وهو أكبر من نكبة شعبنا بعامٍ واحد، بأن يحاكي هذا الواقع التاريخي الذي يصطدم به كأي فلسطيني آخر يقبع تحت قيد الاحتلال، وذلك منذ أن يفتح عينه مصوبًا نظره إلى السقف، وحتّى تغفو أخيرًا بعد عراك روتيني طويل من أجل توفير كفاف اليوم البسيط.

 ولخّص منصور تقليد هذا الإنسان الّذي أبى أن ينزع وجدانه عنه، جسّده بالصورة المثلى الحقيقية القريبة من المشهد المعاش على مدى سنوات طِوال، ليعيد شباب اليوم إلى أيامٍ خوالٍ، إلى الذاكرة الجماعية التي لا تقف عند حدود المشهد النكبوي وحسب، إنّما تجاوزه بالتوثيق الفني، وتدفع الجيل الأوّل، جيل الأجداد والجدات، وبدعوة صادقة إلى التشبث والاعتزاز بتراثهم الّذي كانوا جزءًا أصيلًا من تكوينه وبلورته.

لم يكن تاريخ منصور المهني حافلًا وحسب، رغم أهمية هذا، إلّا انه ليس النقطة الأساسية الّتي تؤكّد دوره، بل أداء الواجب الّذي رافقه ما يزيد عن الـ50 عامًا، التزامًا بالفنون وتعليمها وإنشاء المنصات للجيل الشاب والمساهمة في نثر ونشر الثقافة العربية الفلسطينية، ما أكسبه اعترافًا دوليًا فاز على إثره بجائزة اليونسكو الشارقة للثقافة العربية لعام 2019، وذلك بناءً على توصية لجنة تحكيم دولية تضم خبراء في مجال الثقافة العربية.

تقديرًا لمساهمة منصور، ومباركةً بحصوله على الجائزة الهامّة، أجرت "الاتحاد" مقابلة تخوض فيها رحلةً من بدايته حتّى نيله هذا الوسام.

"جائزة اليونسكو هي اعتراف عالمي بإبداع الحركة الفنية الفلسطينية بأكملها"

"الاتحاد": بدايةً حدّثنا عن شعورك تجاه نيل جائزة اليونسكو الشارقة للثقافة العربية، خاصة ونحن نعلم ان الاسهامات الضخمة للثقافة العربية هي الدافع الرسمي لنيل هذه الجائزة. ماذا تعني لك وماذا تضيف أيضًا؟

 

منصور: بالطبع انا أشعر بالفخر والاعتزاز وخاصة بعد ما لمسته من فرحة زملائي الفنانين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم. إن هذه الجائزة كما أراها هي اعتراف عالمي بجهد وابداع الحركة الفنية الفلسطينية ككلّ وأجزم انه تم انتقائي لإيصال هذا التكريم لهم. انا اشكر اليونسكو ورئيستها السيدة ازولاي، كما وأشكر إمارة الشارقة المعروفة بدعم وتشجيع الثقافة العربية وخاصة الفنون البصرية. وأوجه جزيل شكري بالطبع لجنة التحكيم الدولية لحسن اختيارها واهدي هذه الجائزة مع شكري وتقديري ومحبتي لزملائي الفنانين الفلسطينيين.

"الاتحاد": إذا سافرنا عبر الزمان ووقفنا عند أول خطوة بدأت فيها بالحذو نحو الفن، كيف تصف تلك الفترة، وما الدافع الحقيقي للاتجاه نحو الفن التشكيلي على وجه الخصوص؟

منصور: قصتي مع الفن بدأت منذ الطفولة كما هي الحال مع غالبية الفنانين. ولحسن حظي أنني التحقت بمدرسة في بيت لحم مديرها ألماني الجنسية ويمارس الفن، حيث أبدى اهتمامه بموهبتي وشجعني ووجهني. بعد فترة صرت فنان المدرسة، كان كل المعلمين يطلبون مساعدتي في اختلاق وسائل إيضاح، وغيرها كما وصرت فنان القرية ارسم وأكبّر صور شخصية لأشخاص متوفين.

وعندما أنهيت الدراسة الثانوية كان كل ما يشغل عقلي هو دراسة الفن. وبالفعل التحقت في العام ١٩٦٧ ومباشرة بعد الحرب بكلية بتسالئيل وهذه لها قصة أخرى. وفي العام ١٩٧١ بدأت عملي كمدرس فنون في دار معلمات الوكالة في رام الله حيث تعرّفت على عدد من الفنانين الذين كانوا يعملون هناك ومنهم نبيل عناني. وسرعان ما أسّسنا رابطة الفنانين في الأرض المحتلة، وبدأت مع حوالي ١٨ فنانًا يعيشون في غزة والضفة ما عرف لاحقًا بالحركة الفنية تحت الاحتلال والتي كان لها مساهمة كبيرة في دعم الحركة السياسية من خلال الملصقات الفنية والمساهمة كذلك في تشكيل الهوية الفلسطينية المعاصرة. إجابة على سؤالك شبه أجزم ان المجتمع ومن خلال تشجيعه المستمر هو الذي يدفع الموهوبين إلى مصيرهم في الحياة وهذا ما حصل معي.

 

"الاتحاد": لا يمكن أن يولد الفنان تحت واقع الاحتلال دون أن يكون مغمورًا في السياسة، فكيف أثر وجودك تحت نير هذا الاحتلال على مسيرتك الفنية؟ كيف تم استفزاز منصور لتوثيق الأرض والإنسان وتراثه وهويته الفلسطينية أكثر؟

منصور: أعتقد أن الاحتلال وممارساته كان لهما الفضل في التوجه السياسي والاجتماعي الذي اتخذه غالبية الفنانين في الأرض المحتلة، حيث بدأ الاحتلال ومنذ العام ١٩٧٤ بسلسلة من الممارسات منها رفض طلبنا بتأسيس نقابة فنية ومن ثم مداهمة المعارض ومصادرة أعمال فنية منها، وبعد ذلك مصادرة الملصقات الفنية ومن ثم إغلاق الجاليري الوحيد في رام الله، وبعد ذلك سجن عدد من الفنانين! ومنعنا من العرض في الضفة الغربية وغيرها الكثير.

والأهم من كل هذا إنكار وجود الشعب الفلسطيني الأمر الذي دفعنا إلى العمل على تأكيد هذه الهوية من خلال الرموز المختلفة التي أدخلناها في الأعمال الفنية وكان ذلك خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وبعد ذلك حدثت الانتفاضة الأولى التي أثرت كثيرًا على التطور الفني والحركة الفنية ككل. إن قصة الفن التشكيلي تحت الاحتلال قصة مثيرة ولا مجال لسردها بعجالة.

"الاتحاد": العمل الفني يحتاج إلى موسيقى داخلية شفافة، يعكس الإنسان من خلالها مشاعره الدفينة، فما هو العمل الفني الذي يحاكي قلب منصور، وهل توجد هناك خطط لمعارض قادمة أو عمل فني جديد قد يحاكي الفلسطيني المبعثر حاله في الفترة الحالية؟

منصور: من الصعب الإشارة إلى عمل فني بعينه يحكي قصة الانسان والحالة الفلسطينية المبعثرة. أحيانا اعمل لوحات بمادة الطين وعندما تجف اللوحة تظهر تشققات كثيرة تعكس واقعنا الحياتي والسياسي وانا أعمل منذ سنوات طويلة بهذه التقنية وبهذه الفلسفة.

أرى حقًّا أنه من الصعب توجيه الإصبع لعمل فني واحد يعكس أحوال فلسطين والفلسطينيين وحياتهم المبعثرة وغير هذا من المشاكل التي تلاحقهم، لأن هذه الحالات تظهر في العمل الفني حتى بالرغم من إرادة الفنان إذا كان صادقًا مع ذاته. في بداية الانتفاضة الأولى ومن فلسفتها التي كانت تدعو إلى مقاطعة المنتجات الاسرائيلية بدأت بالبحث عن خامات من البيئة المحلية لإنتاج أعمالي الفنية واهتديت إلى الطين والتبن والحناء والأصباغ الطبيعية. وبعد فترة من العمل اكتشفت جمال ورمزية التشققات التي كانت تظهر في العمل الفني بعد جفافه، والتي تعكس حالة التبعثر والضياع التي يعاني منها الشعب الفلسطيني.

إن المادة التي يعمل بها الفنان تساعده أحيانا بنفس القدر الذي تساعده الفكرة والتصميم والخطوط في إيصال فكرته للمشاهد. على كل حال ان تركيزي الآن ينصب على توثيق أعمالي الفنية التي تبعثرت هي الأخرى خلال السنين الماضية ولعدم اهتمامي في التوثيق خاصة خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وبنفس الوقت كتابة مذكراتي والتي تكشف الكثير من الأمور الهامة لأي باحث في مجال الفنون البصرية.

الفنان التشكيلي سليمان منصور

Getting your Trinity Audio player ready...
أخبار ذات صلة