وكان أن قرر المواطنون العرب مقاطعة الانتخابات، فهل هنالك من يعتقد أننا سنشهد طابورا طويلاً من قيادات الأحزاب الصهيونية، تقف على أبواب قرانا معتذرة وطالبة الصفح وتقسم بأغلظ الأيمان بأنها ستكف عن التمييز ضدنا.
بودي أن أطمئنكم أن الشمس ستواصل الشروق، ومن الشرق أيضا، يوم الحادي عشر من شباط. الفرق الوحيد أن وجه ليبرمان ونتنياهو، سيشرق مع هذا الشروق، فالترانسفير السياسي الذي لم ينجح اليمين بإنزاله بالعرب، يفعله بعض العرب، بشعارات وطنية تطبق الآفاق.
وفيما بعد وبسرعة هائلة، وبأكثر مما نتصور، سيعتاد الرأي العام على كنيست نظيفة من العرب، كنيست مريحة ودافئة، والخطابات فيها لا تخدش آذان العنصريين.
إن الجواب الأكبر على السؤال"ماذا فعلت الكنيست لنا؟"، هو طرح السؤال الأصح: ماذا سيكون حالنا إذا لم يكن ممثلون لنا في الكنيست، وخبطة قدمهم، تهز أركان الكنيست، الحلبة الأهم في اتخاذ القرار في إسرائيل؟
تخيلوا يوم الأرض الأول، عام 76، بدون الصوت المجلجل لزياد وفلنر وطوبي ضد مجازر السلطة؟!.. تخيلوا حرب حزيران بدون خطاب فلنر التاريخي؟! تخيلوا مجزرة كفر قاسم، حين كشف عنها فلنر وطوبي من على منصة الكنيست.. والقائمة طويلة.
"فليُسعدُ النطق إن لم يُسعد الخال".. على الأقل في الكنيست نملك حق الصرخة، فمن يتنازل عن حق الصرخة. ولكن الأمر لا يتوقف على ذلك، تخيلوا كنيست لا يطرح فيها ممثلونا قضايا المواطنين العرب؟ هل صدفة أن تعترف حكومة إسرائيل وقياداتها الآن، بالغبن اللاحق بجماهيرنا العربية؟ هل صدفة أننا استطعنا من خلال الكنيست والقضاء والعمل الشعبي بالحصول على جزء هام من حقوقنا؟
عندما يذهب عضو الكنيست العربي للبرلمان، فهو لا يذهب لنزهة، بل وكأنه ذاهب إلى ساحة الوغى، وخاصة أمام الانفلات الفاشي؛ أمام ممثلينا، مهمة التصدي للعنصريين، وهذا ما يفعلونه بشجاعة؛ أمامهم مهمة شرح مواقفنا بوضوح وبحكمة لتجنيد الرأي العام اليهودي، ونحن بحاجة إلى هذا الرأي العام في سجالنا مع الفاشيين؛ أمامهم مهمة طرح مطالب جماهيرنا في قضاياها اليومية الحارقة؛ أمامهم مهمة ترجيح الكفة في قضايا إحقاق حقوق شعبنا الفلسطيني في سعيه لإقامة دولته ورفع الغبن عنه.
الذهاب إلى الانتخابات، لا يعني أبدا "تعطيل" وسائل النضال الأخرى. لا يوجد من يرفع يده ويقول لمن يود النضال في المجالات الأخرى قائلاً: "قف.. لا تناضل فنضالنا انتخابي فقط". لا توجد معادلة كهذه "أو.. أو"؛ "أو انتخابات أو نضال جماهيري"، المعادلة معكوسة، "و.. و"؛ "نضال برلماني ونضال جماهيري".
هذا الحق في التأثير يزعج العنصريين ويتحينون الفرص لإلغائه، وفي حينه أراد العنصريون تشريع قانون يوجب الحصول على أغلبية 60% في أي استفتاء لإرجاع الجولان، وعلل العنصريون موقفهم بأن العرب، هيك هيك، مع إرجاع الجولان، لذلك يجب شطبهم من خلال هذه الأكثرية..
اليوم، يأتي من لدننا، تطوعا، من يريد أن يشطبنا؛ فهل نسحب البساط من تحت أقدامنا؟ على كل حال طريق الجماهير العربية، منذ أن تُركت وحيدة، تحت السماء والطارق، في مواجهة سياسة لا تريد الخير لها، كان طريق مواجهة التحديات، لا طريق النكوص.. وهذا الطريق كان وما زال، توأمها السيامي، وفي هذه الانتخابات أيضا.