في 24 أيار 1948، قبل الغزو المصري، في الوقت الذي كان يصل فيه إلى غزة لاجئو نيسان من يافا، تم اعتقال مستعربين اثنين من "البلماخ" في قطاع غزة حاولا تسميم الآبار بجراثيم التيفوس والدزنطاريا، وتم إعدامهما دون أي احتجاج إسرائيلي. سارة لايفوفيتش – دار حققت في الصمت ("جراثيم في خدمة الدولة"، ملحق "حداشوت" 13/8/1993).
كيف حدث أن الجثتين لم تنقلا إلى أراضي إسرائيل ولا حتى في احتلال 1956، ولا حتى بعد سنوات كثيرة في احتلال 1967؟ التسميم الذي تم إحباطه (خلافاً لتسميم التيفوس الذي "نجح" في عكا) بقي مثالاً للإنكار والاستعداد للإبادة الجماعية.
في هذه الأثناء وصل عشرات الآلاف الآخرين نتيجة قصف سلاح الجو والمدفعية (عملية يوآف في خريف 1948)، وحتى ترحيل سكان المجدل التي هي أشكلون، الذين اجتازوا النكبة: في بداية 1950 أخبرهم الحاكم العسكري، يهوشع فاربن، أنه خلال وقت قصير سيتم "نقلهم".
في حزيران طردوا كما يبدو إلى الرملة، لكن من هناك دفعهم ديان أيضا إلى القطاع. في "عمليات الثأر" وفي احتلال 1956 حيكت أفكار حول الترحيل. القتل الجماعي تواصل دائما.
يحبون في اليسار أن يقتبسوا تأبين ديان على قبر روعي روتبرغ. هذا التأبين هو صلب "البؤس الصهيوني": نحن نطرد، نجوع، وأنتم تحاولون الرد، عندها علينا أن ندافع عن أنفسنا من "المتسللين"، "الفدائيين"، "المخربين" وباقي "الغرباء". الآن هم "حمساويون" على أسوار الغيتو، لهذا فان مصير المتظاهرين هو الموت. هذا هو الوعي الجماعي: "نحن بشر وأنتم جراثيم".
على مدى السنين وضعت مخططات لتفريغ القطاع (اشكول وعيدا سيرني) ونقله إلى صحراء سيناء، وتقليص عدد سكانه.
وفي المقابل تم استخدام الجيش الاسرائيلي بقيادة ارئيل شارون ومئير دغان. عادت جيبات من مخيمات اللاجئين في العام 1971 وهي تحمل في مقدمتها جثث "مخربين". من المسموح لنا أن نفعل بهم ما نشاء لأنه لا يوجد ما نفعله مع القطاع في بلادنا، بلاد بتهوفن وبلاد النور والترفيه.
في العام 2004، قبل الانفصال، إلى جانب التدمير ومحو البيارات، دخل الجيش إلى حي الزيتون، وبادر إلى مواجهات مع نشطاء، قتل القناصة خمسة منهم، وضمنت عملية الجيش الاسرائيلي اطلاق النار على سدروت. "الغضب العام" كان ضروريا من اجل التمكين لخطوات اخرى وتجنيد دعم جماهيري وقانوني لتدمير مئات البيوت في رفح (فيلادلفيا). في ايلول 2005 وحتى آذار 2006 قتل الجيش الاسرائيلي 64 فلسطينيا، بينهم 15 قاصرا. بهذا استكملت عملية خلق الغيتو. بلدات "غلاف غزة" تحولت إلى ضحية، مركز لحج زعماء العالم وعامل تجميعي للمجتمع السياسي، من موسى راز وحتى اييلت شكيد. عالم الاجتماع الفرنسي، لويت فكان، شبّه الغيتو على مر اجياله بالواقي. "غلاف غزة" هو واقٍ دائم. لصالحه تأتي العمليات: حتى لا ينهضوا.
منذ عملية "الرصاص المصبوب" يتحدث المعتدلون، "ميرتس" وجمعياتها، عن "أزمة انسانية". أيضا الجيش "يحذر" لكنه يفاقم الكارثة. تمار زندبرغ قالت في مؤتمر هرتسليا: "في المسائل الكبرى التي تقف على رأس جدول العمل، ميرتس أكثر قربا من أي حزب آخر لاجماع جهاز الامن" (10/5/2018). باختصار، تطلع الجناح المعتدل هو لتصفية الحكم الذاتي في القطاع، فصله عن الضفة الغربية، وتسليمه لـ "قوات دولية" صديقة لنا. عندها: "قل لي ماذا تقترح". قولوا لي أنتم ماذا اقترحتم في يوم ما.
هذه حرب كولونيالية بين دولة عظمى عسكرية بدعم غربي كبير وبين شعب يصمم على البقاء حتى في ظروف غير انسانية. اليسار في الجانب الكولونيالي لا يختار للمضطهدين زعماءهم، بل الطريق للتماهي ومساندة نضالهم. هم اختاروا "حماس". وصمة عار أيار تعلمنا: إما تضامن أو بربرية.
(عن "هآرتس")