تشهد الأقلية القومية الفلسطينية في البلاد وقبل كل انتخابات دعوات تدعو إلى مقاطعة الانتخابات للبرلمان, تزداد حدتها مع اقتراب موعد هذه الانتخابات, لتغيب رويداً رويدا منطفئة بعدها,ولتعود وتتكرر هذه الدعوات من جديد مع موسم الانتخابات الجديدة وهكذا دواليك.هذه الموسمية في دعوة المقاطعة أن دلت على شيء فإنما تدل على موسمية العمل السياسي للقائمين على هذه الدعوة أولاً وتدل ثانياً على أن الحديث يجري عن مقاطعة تتخذ شكل "فشة الخلق".
تُشير استطلاعات الرأي إلى أن جمهور المقاطعة المبدئية(أي الجمهور الذي لا يقر بشرعية البرلمان أو الذي لا يجد جدوى من وجود لممثلي الجمهور العربي فيه ) لا يتعدى العشرة بالمائة من المقاطعين.فيما تصب الغالبية العظمى للمقاطعين في خانة المقاطعة الموسمية آو المزاجية آو في خانة عدم المبالاة أو عدم الوعي السياسي (أن كان لصالح المقاطعة المبدئية آو لصالح التأثير من خلال الاقتراع).
على ضوء هذا فان الدعوة الموسمية للمقاطعة تخدم موضوعيا ً عكس ما يرجوه مروجوها منها, إذ أنها من جهة أولى تعطي الغطاء للاستمرار في العزوف عن السياسة والابتعاد عن الشأن العام ومن جهة أخرى تروج لوضع الأحزاب جميعها في سلة واحدة صهيونية كانت أم معادية للصهيونية, فاتحة المجال لمتعهدي الأصوات وللأحزاب الصهيونية "يسارها" ويمينها لتعيث في الأرض فساداً .وعلى ضوء تدني العمل السياسي والحزبي لمعظم الأطر السياسية الفاعلة لدى الأقلية القومية الفلسطينية في البلاد بما فيها مروجو المقاطعة أنفسهم , فأن المردود الوحيد والمشكوك في أمره هو مردود ذاتي ,إذ انه يوهم مروجي المقاطعة أنفسهم بأنهم قد قاموا بما يترتب عليهم فعله وكفى الله المؤمنين شر القتال.
يتأتى هذا من رؤية مغلوطة ترى في المقاطعة الفعل بال التعريف بينما على المقاطعة (فيما أذا تم اختيارها بديلا) أن تدرج كتتويج وكنتاج لعمل سياسي يومي ضمن رؤية إستراتيجية بعيدة المدى تسعى لتأطير الجماهير في لجان ونقابات وجمعيات سياسية أهلية واجتماعية وتنشر روح التضامن المجتمعي ووحدة القرار والمصير لأقلية قومية تتصرف كشعب ذي كرامة قومية له بقاء يحميه ومستقبل يبنيه عندها وعندها فقط تكون الدعوة للمقاطعة فعلاً سياسياً ذي مغزى وأثر.أما فيما عدى هذا فأن الدعوة للمقاطعة وفي الظرف العيني الحاصل الآن ما هي إلا دعوة لمزيد من التهميش والشرذمة وتشريع لمن يريد نزع الشرعية عن وجودنا في هذا الوطن الذي لا وطن لنا سواه.