من هنا نبدأ: للحرب وجهان، واحد على غزة وواحد علينا هنا. مهمتنا ان نشحن شعبنا بالأمل. ونحن قادرون معًا لأننا نملك مشروعًا له الحياة والمستقبل. وزننا كبير وقوتنا مؤثرة ومعركتنا مفتوحة على كل الجبهات!


نبدأ بسؤال:
لماذا يبدو طبيعيًا ان نضع وزننا، الكمي والنوعي، كجماهير عربية في الإنتخابات البرلمانية القادمة؟. ليس في الحرب على غزة ما يتناقض أو يتعارض مع هذا السؤال. بل ان الحرب، بكل ما خلفته من قتل ودمار وتشريد وظلم، وما كشفته – فضحته من جديد – من عقلية كولونيالية عنصرية تتحكم بالنظام الاسرائيلي الرسمي، هي التي تساعد أكثر على الجواب عن هذا السؤال.

 

للحرب وجهان. واحد على غزة وواحد علينا هنا. المرئي والمحسوس الآن هو غزة. وهذا أمر طبيعي. لكن لا يمكننا إلا الربط – من حيث العقلية ذاتها – بين الحرب على غزة والحرب علينا، وإن كانت الأخيرة بدون أسلحة الدمار.

 

هذا ليس مجرد "إنطباع". فالأصوات التي تخرج، حاليًا، مشترطة البقاء والحقوق بمسألة "ولاء" الأقلية القومية العربية "لدولة اليهود" (حزب الفاشي ليبرمان)، أو تلك التي ربطت بين "اقامة الدولة الفلسطينية" وبين "الحل القومي" للعرب الفلسطينيين في اسرائيل (تسيبي ليفني)، ليست خارجة عن سياق الحرب على غزة. بل انها صادرة من قلب عقلية الحرب ذاتها. وهذا ما يفسر وضعًا لا يجوز تركه غامضًا.  

 

اليمين الصهيوني "حريص" على وظيفته فيما يتعلق بالتعامل مع الجماهير العربية. وهو يحاول الآن تأبيد عنصريته وفاشيته من خلال هجوم مركّز على الجماهير العربية الى حد التهديد العلني بالترانسفير، الجسدي والسياسي. لكن ليس اليمين وحده هو "الحريص".  فنحن أمام حالة عامة تمأسست من خلالها سياسة التمييز والخنق والحصار وتشرعنت فيها العنصرية على مدى ستين عامًا.  ويبدو ان اسرائيل الرسمية، بأغلبية أحزابها الصهيونية، وبدعم قوي من المؤسسة، تريد أن تبدأ معنا "صفحة جديدة"، بعد الستين، لإيجاد حلول لما تسميه  بالخطر الدمغرافي وتصفه بالقنبلة الموقوتة التي يجب تفكيكها قبل أن تنفجر في وجهها.

 

هكذا يجري التعامل معنا: "خطر" و"قنبلة". والأمران بحاجة الى "علاج". والجواب كامن في تصعيد الهجوم والتحريض على الجماهير العربية، إما لتخويفها وترهيبها ومن ثم تدجين بعضها، وإما لضربها لاحقًا إن لم تتعظ من التحذيرات والإشارات المتكررة في الفترة الأخيرة.

 

إذن، للحرب وجهان. وهم خاضوا الحرب على غزة من أجل الانتخابات. وبراك وليفني يتسابقان في محاولات استثمار الدم الفلسطيني لصالح أحزابهما. ودورنا، كجماهير عربية، ان نخوض ونشارك في الانتخابات ضد حربهم، وعلى كل الجبهات. ليس ضد حربهم على غزة فقط. بل أيضًا، وبموازاة ذلك، وحتى بنفس القوة، ضد حربهم علينا هنا. فالتمييز الصارخ والعلني هو اعلان حرب علينا هنا. وشرعنة التحريض المستمر هو حرب. والعنصرية المتفشية ضدنا هي حرب. وعقلية "الخطر الدمغرافي" حرب. ودولة "الشاباك" حرب. والخدمة المدنية حرب. ومصادرة الأراضي حرب. والقرى غير المعترف بها حرب. وقضية المهجرين في وطنهم حرب. وخنق قرانا ومدننا واغلاق أي أفق للتطور والتقدم هو حرب. وفرض الجوع علينا حرب. ونسبة الفقر ومواصلة إفقار الفقراء  وازدياد البطالة والمشاكل الإجتماعية حرب. ورسوم التأمين الوطني حرب. والتفتيش في المطار حرب. ووضع العراقيل أمام طلابنا في الجامعات حرب. وقانون "الحاضر غائب" حرب. والسلة الطبية ورسوم الأدوية حرب.

 

ظاهر الأشياء ان مجتمعنا العربي في اسرائيل قائم بمشاكله، وان هذه المشاكل هي التأشيرة الضرورية لفرض  سياسة التيئيس والإحباط والشعور بضعف المقدرة وقلة الحيلة . يريدوننا مجتمعًا ضعيفًا، غير متماسك، يلتهي بمشاكله الذاتية: الفقر والبطالة والجوع والركض وراء لقمة الخبز حتى لا يبقى لنا أي وقت للتفكير بأمور أخرى. هذا يعني تحديد مسار يقومون برسمه لنا. فهل نستسلم ونرفع الراية البيضاء؟.

 

ليس قصدي تعقيد الأمور. ما اريد قوله، ببساطة، اننا لسنا عابري سبيل في هذه البلاد. واذا كان هناك خطر فهو كامن في السياسة الرسمية التي ما زالت تتوهم ان بإمكانها تركيع شعب بفعل البارود وأعمدة الدخان والقنابل والصواريخ، أو بفعل الحصار والخنق والتمييز والتيئيس والاحباط.

 

نحن لا نضيع بين النقاط. المعادلة واضحة: المعركة الآن ليست على غزة فقط. المعركة على مجمل القضية الفلسطينية. على قضية المشروع الوطني التحرري وعلى قضية الفكر السياسي والاجتماعي، الكفاحي والتقدمي،  وعلى قضية السلام وانهاء الاحتلال والاعتراف بحق شعبنا الفلسطيني في تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

 

هذا وجه واحد. أما الثاني فهو نحن... الجماهير العربية في اسرائيل. علينا، أولاً، البدء بتحديد ما نريد. هل نريد وضع أنفسنا في "غيتو" مغلق ومنغلق على ذاته؟. وعلينا، ثانيًا، ان نختار بين الاقصاء الذاتي عن الفعل والتأثير وبين استثمار كل وزننا، بكل قوتنا، من أجل قضايانا وهمومنا ومشاكلنا.

 

هل نستطيع التأثير أم لا، هذا سؤال ليس في محله. نعم، نحن قادرون على التأثير. ونقول أكثر: وزننا كبير وصوتنا مؤثر. نحن نذهب الى الكنيست لكي نؤثر. لا نذهب هناك لاحياء القومية العربية. ولا نذهب هناك لتحويل اسرائيل الى خلافة اسلامية. نحن نعرف الى أين نذهب ولماذا نذهب... نذهب الى هناك لنساهم، بوزننا، ولنؤثر، بوزننا، على القرار. نذهب الى هناك لنشارك في صنع القرار اذا كان لصالح شعبنا وقضاياه ولنقف في وجه أي قرار اذا كان ضد شعبنا وضد قضاياه. نذهب الى هناك لدعم شعبنا الفلسطيني في التحرر والخلاص من الاحتلال واقامة الدولة المستقلة. نذهب الى هناك لمحاربة العنصرية والفاشية. نذهب الى هناك لحماية الطبقات المستورة ووقف سياسة افقار الفقراء. نذهب الى هناك لمحاربة البطالة وويسكنسون. نذهب الى هناك لسن قانون لصالح المسنين والشباب. نذهب الى هناك لحماية النساء في ضائقة، لزيادة الميزانيات الى سلطاتنا المحلية وتطوير مدننا وقرانا، ولمنع مصادرة الأراضي. نذهب الى هناك للتصدي لفكرة "التبادل السكاني". والكنيست القادمة هي الأصعب وهي الأعقد من حيث الزيادة المتوقعة لقوى اليمين، السياسي والاجتماعي، ولقوى الفاشية والعنصرية ومن حيث ما تحمله المرحلة المقبلة من تحديات أمام شعبنا هناك وشعبنا هنا، وكذلك أمام مجمل القضايا العامة التي تهم كل واحد منا – قضايا الفقر والجوع والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والصحة والبيئة والشباب والثقافة والتعليم  وغيرها.

 

من هنا نبدأ: نحن قادرون معًا. وزننا كبير. قوتنا مؤثرة. نملك مشروعًا له الحياة والمستقبل. مشروع حماية البقاء وبناء المستقبل. لن نقبل بعزلنا عن دائرة التأثير والتغيير، ولا ببث حالة التيئيس والاحباط. مهمتنا ان نشحن شعبنا بالأمل – أمل الحياة وحب الحياة وفرح الحياة رغم كل الظروف القاسية والمريرة. بالأمل نحافظ أيضًا على البقاء. وبالأمل نتحدى كل من يحاول وضع علامة سؤال على شرعية وجودنا أو اشتراط البقاء بالولاء.