درجة الوحشية التي وصلها بل انحدر اليها بالأحرى عناصر في أجهزة أمنية فلسطينية الخميس الفائت بحق متظاهرين في قلب رام الله، لهم كامل الحق (والواجب) بقول كلمتهم ورفع صوتهم لأجل أشقائهم أبناء وبنات شعبهم في غزة، حتى لو لم يرق بعض مواقفهم للسلطة الحاكمة؛ قد خلقت شبه إجماع على الغضب وعلى الاشمئزاز وعلى المطالبة بوضع حد نهائي لهذه الوحشية المغطاة بشارة "الأمن". ولا توجد للأسف كلمات دبلوماسية كثيرة في الجعبة الصحفية ولا السياسية لوصف اعتداءات عنيفة بلطجية لعناصر أمن فلسطينيين بعضهم بلباس مدني وبدون شارات تعرّف بهوياتهم، على أشقائهم من مدنيين فلسطينيين وهم يمارسون حقًا أساسيا، بسلمية وباحترام للحيز العام والجمهور العام.
إن هذه المشاهد التي تناقلها الاعلام العام ومواقع التواصل الاجتماعي بكثافة، ولم تقتصر على مشهد وحيد وقع من باب "الخطأ"، بل أشارت الى نهج، قد دفعت الى التفكير، بتداعيات فورية ومباشرة، مشاهد اعتداءات عناصر الاحتلال الاسرائيلي الوحشية على الفلسطينيين؛ لتضع هذا الاعتداء في خندق الاحتلال بشكل تلقائي.. وقد يفوق الأمر التلقائية للأسف حين نضع في الحسبان وعلى الطاولة السؤال السياسي الأساس: من تخدم هذه الممارسات الواطئة التي لا تعبر سوى عن الاستقواء والغطرسة ودوس كل حدّ وقيد ونظام يفترض أن يحظر انتهاك الحقوق المعرّفة كحقوق أساس للناس، كل الناس، فكم بالحري أبناء شعبك الرازحين مثل حضرتك تحت الاحتلال؟!
إن السلوك الذي يؤدي في الذهن العام وفي الرأي العام الى خلط اعتداءات الاحتلال بمثل هذه الاعتداءات الفلسطينية الرسمية على مدنيين فلسطينيين وهم يتظاهرون بشكل سلمي – ولا توجد طريقة لغسل ايدي السلطة الرسمية الفلسطينية منها! – هو بالمحصلة عبارة عن نقاط ثمينة يفوز بها الاحتلال الذي لا يعود "منفردا" في البطش!
وإذا كان هذا الاعتداء على المتظاهرين في رام الله استثنائيا قياسا بمجريات الأمور اليومية، فإنه للأسف ليس وحيدا ولا منفردا ولا يتيما.. فقد سبقته اعتداءات مماثلة أو مشابهة في الماضي، وكانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد وعدت بمعالجتها والتحقيق فيها لمنع تكرارها.. ولكن ها هي تتكرر بانفلات بشع. ومن هنا، نحن ندعو الى أن تتحمل السلطة الفلسطينية مسؤولياتها، والى التحقيق الجدي والجريء فيما اقتُرف، ومحاكمة ومعاقبة كل من تورط، على مستوى العناصر والضباط والأجهزة! إن هذا الشعب الفلسطيني الصامد والمقاوم ناضل ويواصل نضاله المنير العادل للاستقلال، ليس كي يتعرض لإهانات وإذلال واعتقال على شاكلة ما يفعله أعداؤه به!