news

وضعت معركة الانتخابات المحلية أوزارها ... فماذا بعد ؟

مقدمة

انتهت معركة الانتخابات للسلطات المحلية التي جرت في العشرات من البلدات العربية خلال الشهر المنصرم, حيث تم انتخاب الرؤساء والمجالس البلدية وأوكلت لهم مهمة توجيه دفة الأمور في بلداتهم. وبصرف النظر عن تفاصيل مجريات الانتخابات والحملات الانتخابية والقضايا الأساسية التي شكلت محور المنافسة بين المرشحين والقوائم المتنافسة, فسيقف الآن جميع المنتخبين أمام التحديات والمهمات الصعبة وأحيانا المصيرية التي تواجه مجمل البلدات العربية مع تفاوت حدتها ونوعيتها. وكذلك مشقة تنفيذ الوعود التي أطلقها المرشحون أمام ناخبيهم بجعل بلداتهم أمكنة يطيب العيش فيها - على أقل تقدير.
  ومن نافل القول التذكير بأن الطابع العام الذي طغى على هذه الانتخابات هو الطابع المحلي – الخدماتي والشخصي المتعلق بهوية هذا المرشح أو ذاك, وعلى الأغلب بمعزل عن السياق السياسي العام الذي يسود فيه التمييز ضد السلطات المحلية العربية في كل ما يتعلق بتوزيع الموارد, وتتحمل فيه السلطة المركزية المسؤولية عن الأوضاع المزرية التي آلت إليها غالبية البلدات العربية. وهذا بالذات – أي تعامل السلطة المركزية مع السلطات المحلية العربية - هو السبب الذي من أجله لم تجر الانتخابات المحلية في أكثر من عشرين بلدة عربية نظرا لأن مجالسها المنتخبة ديموقراطيا قد حلت إثر فرمانات أصدرها وزير الداخلية وتم تعيين موظفين حكوميين للتحكم في شؤونها ومقاديرها.
  ولا أرى حاجة لمناقشة بعض الادعاءات والآراء المتداولة التي تشخص الداء والدواء لمأزق السلطات المحلية العربية بمقولة تعيين موظفين يهودا بالتحديد ليصححوا المسار وليسهموا بإشفاء الرجل المريض, ولتذهب حرية الإختيار الديمقراطي وفرصة الحكم المحلي إلى الجحيم. فهذه المقولات إن دلت على شيء فهي تدل على اليأس والقنوط مما آلت إليه الأمور وإلى نزعة التهرب من مواجهة التحديات والمهمات الصعبة الماثلة أمام مجتمعنا وسلطاتنا المحلية.

 


  وبالمقابل فإن الوقت ملائم لطرح رؤية تتعلق بالتحديات الرئيسية الماثلة أمام رؤساء السلطات المحلية والمهمات التي يجب أن توضع على رأس سلم أولوياتهم, خاصة وهم يستعدون لمباشرة مهماتهم الرسمية, ولانتخاب اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية وهيئاتها, ولصياغة برنامج عملها للمرحلة القادمة.

 


  وانطلاقا من التجربة في ممارسة العمل البلدي المحلي ومتابعة القضايا البلدية ضمن الإطار القطري الذي يتيحه العمل البرلماني, يمكنني تلخيص المهمات الأساسية الماثلة أمام السلطات المحلية العربية كالتالي:

 


1. تغيير معايير تخصيص الميزانيات الحكومية للسلطات المحلية بشكل يضمن خروج هذه السلطات من دائرة التعسف والتمييز الحكومي في توزيع الموارد العامة, ويبطل خطر حلها وتعيين لجان معينة للتحكم في شؤون البلدات العربية.

 

2. إعداد مخططات هيكلية للبلدات العربية تضمن ترخيص آلاف البيوت المهددة بالهدم وإنقاذ أصحابها من التنكيل, وتأمين فرص توسيع مسطحات البناء وحماية الأراضي العربية من المصادرة لمصلحة الأجيال المقبلة.

 

3. وضع التعليم والتثقيف في صلب أجندة السلطات المحلية العربية, وتعزيز دورها ومساهمتها في مسيرة بناء الإنسان الواعي والمؤهل لمهمات العصر المعقدة, وعدم التنصل من المسؤولية عن هذا المضمار بدعوى أنه من اختصاص وزارة "المعارف".

 

وسأقوم بطرح هذه الرؤية وتفصيلها في سلسلة مقالات تعتمد على استنتاجات وتوصيات أبحاث ودراسات علمية مهنية هادفة أجريت خلال السنوات الأخيرة حول كل واحد من مركباتها. 

تغيير معايير  تخصيص الميزانيات الحكومية للسلطات المحلية         

أعتقد أن هذه المهمة هي الأكثر إلحاحا من أجل وقف التدهور المالي والوظيفي للسلطات المحلية العربية, والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حل غالبيتها وتنصيب لجان معينة عوضا عنها, وإلى تقليص الخدمات التي ما زالت تقدمها لمواطنيها بشق الأنفس.
  وأصل المشكلة أن وزارة الداخلية تقرر حجم هبة الموازنة التي تقدمها لكل سلطة محلية بما يتناسب مع حجم المدخولات المفترضة من ضريبة الأرنونا في كل سلطة. ويشير الواقع إلى أن حوالي 83% من ضريبة الأرنونا التي تفرضها السلطات المحلية العربية يقع على الأبنية السكنية, وذلك نظرا لغياب المصالح الكبيرة والمناطق الصناعية والمؤسسات الحكومية التي تدر مدخولات ضخمة وسخية على خزائن السلطات المحلية التي تقع ضمن مناطق نفوذها.
  وبالمقابل تصل نسبة مدخولات السلطات المحلية اليهودية من ضريبة الأرنونا على الأبنية السكنية إلى 51% فقط, وتأتي نسبة 49% من المصالح التجارية والصناعية, ناهيك عن أن عددا لا بأس به من البلديات اليهودية أصبحت في غنى عن الهبات الحكومية كليا نظرا لوفرة مدخولاتها من المصالح (أنظر الرسم البياني).    

 


  أضف إلى ذلك أن الوضع الاجتماعي-الاقتصادي في البلدات العربية متدن, إذ تصطف غالبية البلدات العربية في العناقيد الثلاثة الدنيا للسلم الاجتماعي-الاقتصادي (الذي يتكون من عشر درجات). كما وتعيش أكثر من 50% من العائلات العربية, التي يقع على كاهلها دعم خزينة سلطاتها المحلية, تحت خط الفقر. ومعنى هذه الحقائق عجز الكثير من العائلات عن دفع مستحقات الأرنونا للسلطات المحلية. والأهم من ذلك أنه حتى لو تمكنت كل العائلات من دفع ضرائبها المترتبة على الأبنية السكنية للسلطة المحلية, فيبقى مستوى دخل السلطة المحلية العربية منخفضا بالمقارنة مع دخل سلطة محلية يهودية مكافئة (من ناحية تعداد السكان) نظرا لوجود "مناجم الأرنونا" بوفرة في السلطات اليهودية. ونقصد بمناجم الأرنونا المصانع والمجمعات التجارية والمؤسسات الحكومية والعامة مثل المستشفيات ومكاتب الشركات الحكومية التي تدفع الأرنونا بسخاء وبمبالغ طائلة ودون تأخير للسلطات المحلية التي تتواجد فيها.
  ويبين الجدول التالي مقارنة بين مجموعة من السلطات المحلية العربية واليهودية في لواء الشمال تشمل المدخولات الذاتية للفرد من ضريبة الأرنونا على الأبنية السكنية, وضريبة الأرنونا الكلية (على السكن والمصالح), ومجموع دخل كل سلطة محلية من الأرنونا والهبة العامة.

السلطة المحلية

تعداد السكان (عام 2005)

 

 

 

ضريبة الأرنونا على السكن

 

(شاقل للفرد)

ضريبة الأرنونا الكلية (سكن + مصالح)

(شاقل للفرد)

ضريبة الأرنونا الكلية والهبة العامة

 

(شاقل للفرد)

طبريا

40,000

990

2,380

2,720

نهاريا

49,800

1,260

2,235

2,530

العفولة

39,100

1,025

2,225

2,460

نتسيرت عيليت

43,700

984

2,095

2,500

طمرة

26,000

705

890

1,500

سخنين

24,400

675

845

1,590

كفر كنا

17,600

660

810

1,550

 

ويتضح من الجدول بكل جلاء أن السلطات المحلية اليهودية تتمتع بدخل إضافيّ على دخلها من الأرنونا المفروضة على الأبنية السكنية. ومصدر هذا الدخل الإضافي هو ضريبة الأرنونا على المصالح التي تصل قيمتها إلى أكثر من ألف شاقل للفرد, بينما يقتصر الدخل الإضافي للسلطات المحلية العربية من المصالح على مبلغ يتراوح ما بين 100-200 شاقل للفرد فقط. كما ويظهر الجدول أن تأثير هبات الموازنة هامشيّ ويكاد لا يذكر لجهة سدّ الفجوة في المدخولات بين السلطات اليهودية والعربية, بحيث يبقى الفرق في الدخل الكلي للفرد بينهما ألف شاقل بالمعدل (ملاحظة: تغطية الفرق بقيمة ألف شاقل للفرد في سلطة محلية فيها عشرة آلاف مواطن يعني زيادة عشرة ملايين شاقل للميزانية السنوية لهذه السلطة).

 

  ومع الإجماع الواسع على ضرورة حثّ المواطنين العرب على الالتزام بدفع مستحقاتهم للسطات المحلية, إلا أن الأرقام تظهر بما لا يقبل الشك أنه حتى لو سدّد المواطنون كل التزاماتهم فستبقى السلطات المحلية العربية تعاني من مصادر دخل محدودة تعود مسبباتها إلى سياسة السلطة التمييزية, والتي ما زالت منتهجة لغاية الآن. 

 


خلاصة

  وخلاصة القول أن سياسة التمييز الرسمية التي مورست طوال العقود السابقة قد حرمت البلدات العربية من المناطق الصناعية والمؤسسات الحكومية والعامة ومن فرص العمل التي توفرها للسكان. كما وأن تأثيرها ما زال يسهم في إفقار السلطات المحلية العربية وتقليص مدخولاتها من الضرائب البلدية, وإثقال كاهل المواطنين بها.
  ولقد آن الأوان لوضع خطة عمل نضالية مفصلة ومنهجية لتغيير هذا الواقع المرير, تشترك في تطبيقها السلطات المحلية العربية عامة, بقيادة اللجنة القطرية للرؤساء, والفعاليات السياسية ذات الصلة (أي الأحزاب والكتل البرلمانية وجمعيات المجتمع المدني). وغني عن القول أنه لن يكون بمقدور أية سلطة محلية عربية بمفردها من إحداث التغيير الجوهري المنشود.

 

  ودون الخوض في التفاصيل, فيجب أن يكون في صلب هذه الخطة إحداث تغيير جوهري على معايير توزيع هبات الموازنة الحكومية للسلطات المحلية بحيث تحصل السلطات المحلية التي تفتقر إلى "مناجم الأرنونا" على حصة عادلة من عائداتها الوفيرة تتناسب مع احتياجات هذه السلطات ووضعها الاجتماعي-الاقتصادي.