لم أستغرب الخبر/السؤال: "هل عرفتِ أن فلانة ستُطلّق؟" أجابت المضيفة: "لم أسمع، لكنني كنت أتوقّع!" أما أنا، كضيفة لا تعرف تلك الفلانة، فلم أستغرب وأنا أعرف مثل تلك ... فلانات لم تمضِ عدة أشهر على زواجهنَّ حتى تمّ طلاقهُنّ، هذا مع العلم أنّ الإجراءات التي تسبق الطلاق طويلة ومعقدّة... وكما هو معلوم، (تقليديًا) فهي تمرّ عبر المحاكم الشرعية. وهذه، وبحسب القانون الكنسيّ، الكاثوليكيّ تحديدًا، يستحيل إقرارها ما لم تتضمّن الأسباب الموجبة لها خيانة أحد الزوجين، والتأكّد بالأدلة العلمية، أو بشهادة شاهد عيان موثوق، أن هذا الطرف قد مارس خطيئة الزنى.
أما الأعداد التي يتم التوقيع عليها، فحدّث ولا حرج... وقد يفوق عددها قليلًا أعداد تلك القصص الغرامية الأسطورية الشهيرة التي مهّدت لعلاقة ربطت بين اثنين وما لبثت طويلًا حتى مرّت مرور "سحابة صيف"سرعان ما انحلّت معها، واختنقت أنفاس "شهر عسل" وقد أسقمه الملل بسرعة قياسية... وراح لاحتضار مباغت، لنعلّق أسفًا وعجزًا: "كانت "جمعة مشمشية" وانتهت". تعابير ثلاثة لا أظُنها قد نشأت عبثًا، إنما إشارة لواقع كان حاضرًا وتبدّل من حالٍ إلى حال. وبجرة بضعة عقود صارت القاعدة شذوذا، والشذوذ قاعدة.
ترى، ما شكل ونوع وحجم هذا الغول العملاق القادر على "تنقيز" الحُبّ وترهيبه حتى يهرب من مخدعه قبل أن يدفئه ؟! أي غول أسطوريّ هذا القادر على حمل ونقل جبل جليد وتحطيمه فوق مدافئ الغرام الموزّعة على أركان البيت الحالم بربيع يتلوه صيف... فخريف.. فـــ ...
"لا تبحثنَ عن السبب بعيدًا"! قلت بعد أن طال الحديث بين الجليسات واستطال ... امتد وتمدد حتى وصل النقاش مع التحليل إلى أدقّ الشعاب المتفرعة من مجراه، فصار جدلًا تحوّلت معه الأسباب الموجبة للطلاق إلى وجهات نظر تنطلق من حريّة المرأة الشخصية! وانتهى الجدل عند استقلالها الماديّ (الاقتصاديّ) كأساس أنّه مكمن الأسباب الموجبة للانفصال!
استفزني هذا كمستمع اشتغل على بلع ريقه حتى فاض غثيانًا... لا رأي يصيب أو يُصوّب على الهدف! يبدو أن العمى جماعي! والمكابرة في هذه الحالة، نوع من التخاذل، فإذا كانت إحدى الجليسات القياديات رأيًا وموقفًا تهُمّ بإقفال الباب بينما كان وما صار، بالتأكيد على أنّ لا فرق بين الماضي المنكوب والحاضر المضروب، إلّا بالتكتّم الذي كان والانكشاف الذي صار.إذا كان هذا هو الموقف فإنّ المرض عضال! وكاد الأمر ينتهي بإجماع على أنّ النساء في الماضي (يعني أيام ستي وإمي) كُنّ محكومات اقتصاديًا، وإلّا لما تستّرنَ على القهر الذي عشنَهُ! إنها الكارثة أن تزج المادة بين الفكر والعاطفة! فهذا يعني أننا نعيش كارثة.... أن تزال الحدود بين الحرية العاقلة والحرية العبثية يعني أننا نتكيُف مع الكارثة!.
عجبت من هذا الفكر القياديّ وادعائه أن نساء زمان ما كُنّ أكثر من "قراطات صوان"! واستخسرتُ الردّ عليه بالدفاع عنهُنّ كبانيات أعشاش ماهرات وقعنَ على أنعمِ قشٍّ توفّر... وغزلنه من كل أصناف الحُبّ المعقّم بدموع أمومةٍ حوّلت الصعاب إلى تحديات حالت دون سقوط الفراخ الضعيفة... وتصدّت لكلّ كاسر يجرؤ على الانقضاض على الأمن العائلي. فلا نضعنَّ رؤوسنا في الرمال ونتجاهل أصوات الفراخ المنبعثة من الأعشاش صراخ استغاثة! كفانا حوامًا حول سبب افتراضيّ! فنساء زمان، وإن لم يكُنَّ عاشقات متيّمات، ولا كُنّ زاهدات إلّا أنهُن محبات فنانات صمّمن للغرام ثياب حُبّ قابل للازدهار، خلال مدة تكفي بلوغه مرحلة الحضانة المرضية. ولقد اعتمدت نساء زمان الحمية القائمة على الصبر والتضحية لحماية هذه المنشأة المقدسة من الاهتزاز.
نساء زمان، أيها العقل الفذّ، كنَّ واقعيات، حكيمات وأمينات على عمارة قبلن (راضيات أو مرغمات)، الدخول والعيش تحت سقفها. واختارت كلّ منهنَّ لثياب بيتها القماشة التي تناسب ذوقه، ظروفه وأولوياته. "على قدّ الفراش مدوا الاجرين"، لا العكس.. وقد أدركت هؤلاء الأميات "الجاهلات" أن العكس هذا حمّال أهواء مدمّرة.
لا. لم يكُنّ قراطات صوّان، وإن اضطررن أحيانًا لجرشه، لاقتناعهن بأن النتيجة تستحق. بل تسترنَ على كلّ هوىً قد يهُزّ كيان حبٍّ اخترن كاثوليكيته ليقفل أزرار قمصانه على واجب إنشاء أسرة متّزنة صلبة الركاب عصية على الزلل في مستنقع التلوث الأسريّ.
فلا نبرئَنَّ رأس الأفعى، ونتلهى بمراقبة رشاقة ووداعة الحيّات! فإنّا لو وضعنا على الميزان تحمّلًا صامتًا، نفترض أنه قاعدة، مقابل ثروة من الأبناء قادرين على التحمّل كُرمة لأحلامهم، فإن كفّة الأخير، حتمًا سترجح. إلّا إذا كان المطلوب، بحسب فلسفة آخر زمن، أن تحمِّل المرأة الشريك ما استطاعت، ولا تُحمَّل ما تستطيع رفعه... على اعتبار أنها بيّاضة نقود، وأنها ستّ الحُسن التي تجسد الجمال... وعليه، فحسبها أنها تلبّس العود فيجود! إنها الكارثة، أن يذكّرنا الواقع بالمثل القائل: "دلِلوني مالكو غيري بيعوا الجحش واشترولي البان"!!
عليّ أن أكون جريئة، فأبُقّ البحصة، أو أخون إيماني وأمضي. قلت: لا تُبعُدَنَّ كثيرًا، فالعلة تحت أقدامنا. جدوها في الفقر الروحي المتحدّر من جلاميد عصر القروش على أنواعها وأوزانها. فمن شَبّ فقيرًا إلى حدّ معدم أدبيًا (أخلاقيًا) لن يشبّ غني النفس جريئًا بطلب يد الحياة. فالحياة لا يعيبها أو يُقزّم قيمتها الزواج من نفسٍ جعلت العطاء بوصلتها، وإن خلا جيبها من فِلسٍ تدفعه لقاء حُلمٍ متخيَّل، قد تتراءى فيه حقيقة أنَّ الحياة تقوم سليمة على قاعدة العطاء قبل الأخذ.
ولقد قال أحد الأنبياء القدامى: "خرابًا خربت الأرض لعدم وجود من يعتني بالروح". "الله ينجينا من اللي جاي"!
(معليا)